اهتز الشارع الجزائري في الأسبوع الأخير، على وقع جرائم مروعة بعضها غير مفهوم الدوافع، تسببت في صدمة داخل المجتمع ومطالبات بتشديد العقوبات على العصابات الإجرامية التي تنشط في الأحياء وتروع السكان، فيما أعاد البعض الحديث عن تفعيل عقوبة “الإعدام” في حق القتلة.أكثر هذه الجرائم شناعة، كان ما حدث يوم الثلاثاء الماضي بولاية عنابة شرق البلاد، حيث أقدم رجل على قتل زوجته وأولاده الثلاثة بطريقة بشعة عبر الخنق، ثم رمى بنفسه من مسكنه بالطابق الثالث للعمارة محاولا الانتحار حسب بعض الروايات، لكنه نجا من الموت وهو الآن في قبضة العدالة.والمحيّر في قضية هذا الشخص، بحسب ما ذكر جيرانه ومعارفه، أنه ميسور الحال ويشتغل بالتجارة ولم يعرف عنه لحد الآن سوابق تفسر فعلته الوحشية التي تسببت بصدمة في المنطقة التي يسكنها، ولدى الجزائريين الذين علقوا على مواقع التواصل بتأثر شديد على مقتل زوجته والأطفال الثلاثة الأبرياء.وأمام ضغط الرأي العام، خرج وكيل الجمهورية لدى محكمة عنابة، ليقدم توضيحات حول الجريمة، مؤكدا أن الزوج لدى استجوابه اعترف بإزهاق أرواح أفراد عائلته. وأوضح أن الوقائع تعود إلى يوم الثلاثاء حوالي السابعة و10 دقائق مساء عندما ألقى الزوج بنفسه من الطابق الثالث لمسكنه العائلي.وبحسب وكيل الجمهورية، فإن ما أثار الانتباه للجريمة انتقال أحد الأقارب إلى مسكن العائلة الضحية التي لم يظهر أي خبر عن أفرادها. وبعد الإخطار بالوقائع، تنقلت النيابة رفقة الطبيب الشرعي وفرقة تحديد الشخصية بالإضافة إلى رئيس المصلحة الولائية للشرطة القضائية، ليبدأ التحقيق في الجريمة.وإثر اقتحام المنزل من قبل قوات الأمن، تم معاينة جثث الضحايا وهم الزوجة 40 سنة وأبناؤها الثلاثة 15 سنة وتوأمين 12 سنة، كلهم ذكور. كما تبين، وفق نفس المصدر، أن الضحايا الأربع قد تعرضوا للخنق ليتم نقل الجثث إلى المصلحة المعنية بالمستشفى الجامعي ابن رشد بمدينة عنابة.أما الجاني الذي ألقى بنفسه من الطابق الثالث للمنزل العائلي بحي وادي الذهب بمدينة عنابة، فقد تعرض لكسر على مستوى الحوض واليد وتم سماع أقواله، وفق وكيل الجمهورية الذي أكد أن التحريات ما تزال متواصلة لمعرفة أسباب وملابسات هذه الجريمة.وفي قضية أخرى أثارت بشدة الرأي العام الوطني، قُتل مدرس بطعنة خنجر بمدينة الصومعة بولاية البليدة المحاذية للعاصمة، بينما كان يدافع عن محل تجاري يمتلكه بالمدينة. وتناقلت كبرى الصفحات على مواقع التواصل، صورة الأستاذ يوسف، وفيديوهات عن الحادثة التي وثقت جريمة القتل، بينما تنقلت القنوات الجزائرية بكثافة على بيت الضحية لتنقل صرخات الأم المكلومة على ابنها المغدور. ولفظ الضحية أنفاسه الأخيرة في 26 آب/ أغسطس متأثرا بجروحه على مستوى البطن، بعد أن أجريت له عملية جراحية بمستشفى في البليدة.وتحرك القضاء بسرعة في القضية، معلنا إيداع ستة متورطين في الجريمة الحبس المؤقت، وإصدار مذكرة توقيف لمتهمين آخرين يتواجدان في حالة فرار. وورد في بيان لمجلس قضاء البليدة، أنّ المتورطين في القضية يواجهون “جناية القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد” و”جناية المشاركة في مشاجرة بين عصابات الأحياء وقعت أثناءها أعمال عنف أدت إلى وفاة شخص من غير أفراد العصابة وذلك طبقا لمواد قانون العقوبات”.وفي تصريحاتها، طالبت أم الضحية السلطات بتطبيق “القصاص” على قاتل ابنها، وهو مطلب أعاد من جديد الجدل الذي يتكرر بعد كل جريمة حول عقوبة الإعدام في المجتمع.ويرى الداعون لتطبيق الإعدام أن عدم تفعيل هذا الحكم، أدى إلى استفحال جريمة القتل في المجتمع، والتي ارتفعت بشكل لافت في السنوات الأخيرة، حيث ظهرت جرائم اختطاف وقتل الأطفال، والقتل من أجل السرقة وحتى القتل تحت تأثير الأقراص المهلوسة مثلما حدث مع ممرضة بمستشفى في العاصمة قبل أشهر كانت متوجهة إلى مكان عملها، فداهمها شاب وطعنها بخنجر تحت تأثير مخدر، وفق أقواله في التحقيقات.وفي الأوساط السياسية، يسود الانقسام بين فريقين، الأول تمثله الأحزاب الإسلامية والوطنية المحافظة التي تدعو من منطلق ديني إلى تطبيق العقوبة امتثالا للأحكام الشرعية، بينما ترفض الأحزاب العلمانية والمنظمات الحقوقية المستقلة هذه العقوبة وتطالب بإلغائها تماما من قانون العقوبات، موازاة مع التوجه الحقوقي الدولي بإلغاء الإعدام.وكان وزير العدل السابق بلقاسم زغماتي، قد أطلق بمناسبة مشروع قانون الوقاية من جرائم الاختطاف ومكافحتها سنة 2020، تصريحات لم يستثن فيها إمكانية تطبيق عقوبة الإعدام ضد الجناة في قضايا الاختطاف، وقال إن الدولة الجزائرية تتمتع بالسيادة الكاملة في تطبيق العقوبة ولا يوجد ما يقيدها في ذلك، لكن الواقع في الميدان، يؤكد استمرار تجميد حكم الإعدام.وفي تقريرها السنوي الأخير، قالت منظمة العفو الدولية، إنها سجلت 9 أحكام إعدام على الأقل في الجزائر سنة 2021 مقابل حكم واحد في سنة 2020، وتحسرت المنظمة على تضييع فرصة إلغاء عقوبة الإعدام خلال التعديل الدستوري الأخير سنة 2020، مطالبة السلطات الجزائرية باتخاذ الخطوة الأخيرة نحو إلغاء عقوبة الإعدام.والمعروف في الجزائر، أنه لم يتم تنفيذ أي عقوبة للإعدام منذ سنة 1993، وهو حكم رغم أنه لا يزال يصدر عن المحاكم الجزائرية إلا أنه مجمد ولا ينفذ. وفي بعض الأحيان، تصدر قرارات بتخفيف عقوبة الإعدام إلى السجن مدى الحياة. ويعد المدان بقتل الرئيس محمد بوضياف (29 حزيران/جوان 1992)، الملازم مبارك بومعرافي، أشهر محكوم عليه بالإعدام في الجزائر، وهو لا يزال رهن الحبس إلى اليوم.ويقول فاروق قسنطيني، الرئيس السابق للجنة الاستشارية لحماية وترقية حقوق الإنسان، إنه يرى أن عقوبة الحبس المؤبد في نظره تمثل عقوبة شديدة جدا ومناسبة للجرائم المرتكبة. ويذكر المحامي في تصريح لـ”القدس العربي”، أنه لا صحة لما يتم تداوله في الأوساط الشعبية، على أن السجن مكان مريح يقضي فيه المجرم أيامه، لأنه لا يوجد حسبه “أسوأ من الحرمان من الحرية فكيف إذا كانت مدى الحياة”.لكن قسنطيني يبدي تفهما للنقاش المتكرر حول عقوبة الإعدام، ويقول إنه يمكن التوصل إلى حل وسط بجعل هذه العقوبة مقتصرة فقط على جرائم القتل، بدل أن تشمل مثلما هو الحال اليوم 17 جريمة بين قانون العقوبات وقانون القضاء العسكري.
رجل يقتل زوجته وأولاده الثلاثة خنقا وأستاذ يقضي بطعنة خنجر.. جرائم مروعة تهز الجزائر !!
01.09.2022