منذ الاحتلال الأميركي على العراق عام 2003، وسقوط نظام صدّام حسين، لا تزال الأجيال المختلفة تحاول البحث عن مستقبل ما في بلد لم يعرف الاستقرار طوال هذه الفترة.تعدّ هناء ادور (77 عامًا) الناشطة النسويّة والمدنيّة رمزًا لسنوات من النضال من أجل الديموقراطيّة في العراق حيث دشّن سقوط نظام صدّام حسين في العام 2003 إثر غزو أميركيّ، إحدى الصفحات الأكثر عنفًا في تاريخ البلاد.عاشت نضال ادّور منذ 20 عامًا حتّى اليوم مسيرة مليئة بالمغامرات بدأت منذ ثورة 1958 عندما بقيت في المنفى لعقود: من برلين الشرقيّة إلى دمشق، ثلاث سنوات في جبال إقليم كردستان مع حركة الأنصار التابعة للحزب الشيوعيّ العراقيّ، أربيل ثمّ بغداد.بنظرات ملؤها الحزم، تصف ادّور بـ"الحلم" دخولها بغداد بعيد سقوط صدّام حسين في 2003، بعد "حرمان" طال 25 عامًا. سرعان ما غلب الحزن على الفرح حين رأت الدبّابات الأميركيّة في الشوارع، وحركة التنقّل محدودة، والنفايات، بعد سنوات من العقوبات الدوليّة على العراق.في بلد كان يلوح الاقتتال الطائفيّ في أفقه، ويفقد فيه ناشطون ومسؤولون حياتهم أو يخطفون، ناضلت ادّور الّتي أسّست جمعيّتها "الأمل" في التسعينات، من أجل "بناء حركة مجتمع مدنيّ مستقلّة... من أجل بناء عراق ديموقراطيّ يؤمن بقضايا حقوق الإنسان".من بين انتصاراتها، إقرار الكوتا النسائيّة في البرلمان الّذي تصفه بـ"اللحظة التاريخيّة".ولعلّ مقطع فيديو يظهر مشهد وقوفها في مؤتمر حكوميّ أمام رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي في 2011 للمطالبة بأربعة متظاهرين اعتقلوا خلال موجة احتجاجات هزّت العراق، الانعكاس الأمثل لشجاعتها. وكان إلى جانبها رجل يحاول تهدئتها، ما هو إلّا رئيس الوزراء الحاليّ محمّد شياع السوداني.وفي ظلّ كلّ الظروف الكالحة الّتي مرّت، ترى ادّور أنّ "الخوف لا يحقّق شيئًا".على الرغم من أنّ "لا ديموقراطيّة اليوم في العراق"، لكن ادّور تقرّ بوجود اختراقات كما في تظاهرات تشرين الأوّل/أكتوبر 2019. مع ذلك، "التحدّيات كبيرة" في ظلّ "الأحزاب التقليديّة الّتي تكافح للبقاء".يتذكّر ذو الفقّار حسن (22 عامًا)، حينما أيقظته والدته الحامل وشقيقته في صيف العام 2007 للاختباء في الحمّام من قصف طال منطقتهم الشعبيّة في بغداد حينذاك.كانت "البيوت من حولنا تتساقط"، يروي ذو الفقّار طالب الخطّ في معهد الفنون في بغداد من منزله في منطقة الوشاش، في إشارة إلى قصف أميركيّ استهدف فصائل مسلّحة شيعيّة في أيلول/سبتمبر 2007 وقضى فيه 14 مدنيًّا.ويقول "في اليوم الثاني حينما صعدنا إلى السطح" حيث كان أفراد العائلة ينامون خلال الصيف، "وجدناه مليئًا بالشظايا... وفرشنا محترقة". ويضيف "في طفولتنا، كنّا خائفين جدًّا".ويتذكّر كيف لازمهم الخوف حتّى حينما فرّوا إلى بيت عمّتهم في كربلاء لثلاثة أشهر. "كنّا نخشى الدخول إلى الحمّام خلال الليل. لا أحد كان يستطيع النوم في غرفته وحيدًا". خوف يشاركه جيل كامل في حقبة من التفجيرات والدماء.فقد خاله في العام 2006 حينما خرج لشراء الطعام، بينما هاجر أقرباء آخرون.وشارك ذو الفقّار في تظاهرات تشرين 2019 ضدّ الفساد وتردّي البنى التحتيّة والبطالة. لكن تدريجيًّا، تبدّد الأمل. ويروي الشابّ "لم نستطع أن نكمل؛ لأنّنا لم نجد جوابًا، ذهب شهداء لكن دون نتيجة ودون تغيير".رغم ذلك، لا يفكّر في السفر. ويقول "من يبقى؟... قرّرت أن أواصل بذل الجهد هنا لعلّني أحقّق شيئًا. لا أريد أن أعيش فقط"."حرمان" الطفولة خلال فترة الحرب العراقيّة الإيرانيّة، دفع سعاد الجوهريّ (53 عامًا)، إلى أن تؤسّس فريقًا للنساء والأطفال لاستخدام الدرّاجات الهوائيّة.وتروي الأمّ لثلاثة شبّان من منزلها في بغداد "عشنا طفولتنا في الحروب، لم نستمتع بها وحرمنا من الكثير من الأشياء".شاهدت سعاد الكرديّة الفيليّة، جيرانها وأقاربها يرحلون خلال حملة قمع من النظام لمن يتّهمهم بمعارضته، وخالتها الّتي توفّيت حزنًا على أولادها بعدما اعتقلوا.عاشت أحداث سقوط نظام صدّام حسين من المهجر في إيران، قبل أن تستقرّ في العراق أخيرًا في العام 2009. وتقول "قرّرت أن أبقى مهما كانت الظروف"، لأنّ "الاغتراب الدائم مؤلم جدًّا".رغم سنوات الخوف، قرّرت سعاد، العدّاءة في طفولتها، العام 2017 أن تتحدّى المجتمع المحافظ، وقادت درّاجتها الهوائيّة للمرّة الأولى في مكان عامّ. وتقول "كنت أخاف من نظرة المجتمع أو أن يقوم أحد بقتلي وضربيّ بالسيّارة. لكنّ المخاوف تبدّدت وشعرت بالأمان".حينها أسّست فريق "نخلة وطن" لقيادة الدرّاجات الّذي يضمّ نساء وأطفالًا.في نظرة للماضي، تقول "عشرون سنة من الفوضى المؤلمة ذهبت من حياتنا، لا تعويض لهذا. لكن لا أشعر أنّه سيأتي أسوأ من الأيّام الّتي مرّت علينا".يتذكّر منتج البودكاست الكرديّ آلان زنغنه الّذي كان يبلغ من العمر نحو 12 عامًا قبيل سقوط نظام صدّام حسين، كيف هرع أهالي مدينة السليمانيّة حيث كان يعيش لشراء أكياس بلاستيكيّة ليغطّوا منافذ بيوتهم خوفًا من قصف انتقاميّ كيميائيّ يقوم به النظام.ويروي الشابّ من أربيل حيث استقرّ للعمل في القطاع الخاصّ منذ العام 2014، "كنّا نجلس حتّى الفجر نشاهد الأحداث... إلى أن سقط التمثال" في ساحة الفردوس في بغداد "في 9 نيسان 2003، حينها صدّقنا" أنّ النظام سقط فعلًا.يتقن آلان اللغتين العربيّة والكرديّة بعد طفولة قضاها في محافظة واسط في جنوب العراق حيث كان يعمل والداه الموظّفان الحكوميّان، قبل أن يستقرّوا في السليمانيّة منذ العام 2000. بعد العام 2003، كانت المدرسة العربيّة الّتي تعلّم فيها، شاهدة على الأزمات، فقد استقبلت طلّابًا هاربين من جنوب ووسط العراق.وتثير تطوّرات تلك الأعوام العشرين فضول آلان الّذي قرّر قبل نحو ثلاث سنوات، أن يطلق قناة "ميل" للإنتاج الصوتيّ، يقدّم من خلالها برامج بودكاست، لا سيّما "خطوط"، يستضيف فيه خبراء في السياسة والاقتصاد والمجتمع.يريد أن يقدّم آلان، الأب لطفل عمره ثلاث سنوات، نمطًا جديدًا من الإعلام وصوتًا للنخبة "العراقيّة" الّتي "تقوقعت على ذاتها خوفًا من الأحداث الّتي حصلت آخر عشرين سنة".ويضيف "لا تزال هناك صعوبة في إيصال الصوت. هناك خطوط حمراء كثيرة، وهذا أمر غير صحّيّ".
20 عامًا على الاحتلال الأميركي للعراق... والبحث عن المستقبل لا يزال مستمرًّا!!
10.03.2023