دمشق - لم تكد تمضي ثلاث سنوات على بدء الحرب المدمرة في سوريا حتى بدأت تطفو على السطح عدة أزمات متتالية أربكت حياة المواطنين السوريين، ومنها نقص حاد في وقود التدفئة والغاز المنزلي وتقنين جائر للتيار الكهربائي، وظروف إنسانية صعبة، كلها مجتمعة دفعت بالسوريين إلى البحث عن بدائل لحل هذه الأزمات التي أرهقت كاهلهم.
يقول الشاب محمد توفيق جحا البالغ من العمر 24 عاما أثناء وجوده بمعمله بمدينة جرمانا بريف دمشق الشرقي لوكالة أنباء (شينخوا)، إن “مهنة التحطيب أو العمل بالحطب هي مهنة الأجداد ونتوارثها عن الآباء”، لافتا إلى أن هذه المهنة غابت عن الأنظار فترة من الزمن لتوفر وقودي التدفئة المازوت والكهرباء.
وتابع يقول إن “شراء الحطب كان يقتصر على فئة من الناس وهي الميسورة الحال، وترغب بالتدفئة على الحطب كنوع من التفاخر، والتمتع بدفء الحطب في منازلها الكبيرة في الأرياف البعيدة”.
وبيّن جحا أن قبل الأزمة كان عملهم يقتصر على صنع بعض الديكورات الخشبية في المنازل، وصناعة الطبليات أو الصناديق الخشبية الكبيرة المعدة للتصدير الخارجي، إلا أن الحال اختلف مع نشوب الحرب وتفاقم الأزمات.
*مهنة التحطيب غابت عن الأنظار فترة من الزمن لتوفر وقودي التدفئة المازوت والكهرباء ثم تعود مع الحرب
وقال “خلال سنوات الحرب، وبسبب شح مادة المازوت وانقطاع التيار الكهربائي المستمر ولفترات طويلة، بدأ السوريون في استخدام الحطب بغية تدفئة بيوتهم كبديل للوقود والكهرباء ولرخص ثمنه”.
وتابع “منذ عام 2013 وبعد أن تردى وضع الكهرباء وخاصة في الشتاء، راح السوريون رويدا رويدا باتجاه استخدام الحطب كمصدر للتدفئة، وتأقلموا عليه خاصة وأن التعامل مع الحطب يحتاج إلى وقت، ولكن مع مرور الوقت أصبح أمرا اعتياديا ولا يمكن لأي شخص استخدم الحطب في التدفئة أن يستغني عنه لأنه ينشر دفئا كبيرا في البيوت”.
وأوضح جحا أن استخدام الحطب لم يقتصر على البيوت للتدفئة فقط، وإنما انتشر ليشمل المحلات التجارية والمطاعم والأفران، فكل هؤلاء باتوا يستخدمون الحطب كبديل لمادة المازوت، لتوفرها أولا، وجدواها الاقتصادية بالنسبة إليهم ثانيا.
وقال إن “الناس بدأوا باستخدام الحطب لتسخين المياه في المراجل الكبيرة، واكتشفوا أنه أسرع في تسخين المياه ويعطي نتائج كبيرة وفيه توفير، كما أن الأفران وبعض محلات الشاورما والمطاعم استغنت عن الغاز وبدأت باستخدام الحطب، لأن الطهي على الحطب صحي ويعطي نكهة طيبة للطعام”.
وأضاف أن سعر الحطب أرخص واستخدامه صحي، والغرفة تحتاج لأكثر من ساعة للتدفئة بواسطة المازوت، بينما الحطب يمكن أن يستغرق 10 دقائق لتصبح الغرفة دافئة.
*-خلال سنوات الحرب بدأ السوريون في استخدام الحطب من أجل تدفئة بيوتهم كبديل للوقود والكهرباء
وبيّن جحا أنه يقوم بقص الأشجار من البساتين اليابسة والتي تعرضت للمرض أو من خلال عملية تقليم الأشجار أو قص الكبير منها في العمر من أجل زراعة أشجار أخرى مكانها، مشيرا إلى أنه لا يقوم بقص جائر للأشجار المنتشرة في الأحراش الطبيعية.
وقال إن مهنة التحطيب تحتاج إلى الصبر والبراعة في معرفة أنواع الحطب حتى يمكن قصه والتعامل معه.
وفي محافظة السويداء (جنوب سوريا) والتي تبعد عن العاصمة دمشق حوالي 90 كيلومترا، لجأ الناس فيها إلى التدفئة على الحطب منذ عدة سنوات، وباتت الغالبية منهم تستخدمه للتدفئة، وأصبحت تجارة الحطب مهنة رائجة أو منتعشة خلال السنوات الأخيرة من عمر الحرب في سوريا.
وقال أحد تجار الحطب، مفضلا عدم ذكر اسمه، إن “استخدام الحطب للتدفئة في السويداء كان موجودا منذ زمن ولكن على نطاق ضيق، إلا أنه مع شح الوقود واشتداد البرد في هذه المحافظة التي تشتهر بالشتاء البارد والمثلج، تحول الناس من التدفئة على المازوت والكهرباء إلى الحطب، والمواطنون يشترون الحطب بشكل كثيف هذا العام”.
وأشار إلى أن سعر طن الحطب يتراوح ما بين 600 ألف ليرة سورية إلى 700 ألف ليرة سورية أي ما يعادل 250 دولارا تقريبا، موضحا أن سعره يعود إلى نوع الحطب المستخدم وسماكته.
وأوضح أن هناك بعض تجار الأزمات والسوق السوداء الذين يقومون بقطع الأشجار في الغابات الطبيعية المنتشرة في السويداء، بغية بيع الحطب للناس وبأسعار غالية، مبينا أنه كلما اشتد البرد واقترب الشتاء يرتفع سعر طن الحطب الذي لا يكفي لأكثر من 20 يوما تقريبا في المناطق الباردة.
التحطيب مهنة تنتعش في شتاء سوريا!!
16.11.2021