نيودلهي - تسعى العاصمة الهندية نيودلهي لتحسين جودة هوائها من خلال إقامة أربعين مروحة عملاقة على شكل برج دخاني في وسط المدينة، لكن هذه المحاولة الجديدة تتعرض لانتقادات دعاة الحفاظ على البيئة، إذ يقوم تشغيلها على الكهرباء التي تنتجها محطات الطاقة العاملة بالفحم.
ويقوم هذا المشروع البالغة قيمته مليوني دولار على برج يمتدّ طوله إلى علوّ 25 مترا، ومن شأنه أن يساعد على تنقية الهواء ضمن مساحة كيلومتر مربّع في حيّ كونوت بلايس الذي يعجّ بالمتاجر والمقاهي.
ففي كلّ شتاء يلفّ ضباب كثيف من التلوّث هذا الحيّ الراقي نسبيا والذي يضمّ عددا من المباني العائدة إلى الحقبة الاستعمارية.
وتصدرت العاصمة الهندية المركز الأول في عواصم العالم من حيث نسبة التلوث في عام 2020 للعام الثالث على التوالي وفق مجموعة "آي كيو إير" السويسرية لقياس مستويات جودة الهواء، والتي قالت إن تلوث الهواء في الهند ما زال مرتفعا بشكل خطر، كما شهد جنوب آسيا مستويات من أسوأ درجات جودة الهواء المسجلة في العالم خلال سنة 2020.
وذكرت المجموعة السويسرية أن التعرض لجزيئات الهواء العالقة في الجو التي تضر بالرئتين والتي تعرف باسم بي إم 2.5، يمكن أن يؤدي إلى الإصابة السرطان وأمراض القلب.
وأوضحت أن متوسط تركيز جزيئات بي إم 2.5 في نيودلهي في العام 2020 بلغ 84.1 أي أكثر من ضعف المتوسط في العاصمة الصينية التي بلغ المتوسط فيها 37.5 خلال نفس العام، وهو ما جعلها تشغل المركز 14 من بين أكثر مدن العالم تلوثا.
وسجل أكبر عدد من الوفيات في نيودلهي المدينة الأكثر تلوثاً في العالم في العام الماضي، حيث قُدّر حصول نحو 54 ألف وفاة ناجمة عن الجسيمات الدقيقة وفق تقرير منظمة غرينبيس في جنوب شرق آسيا.
ويقول أنور على خان المهندس المسؤول عن مشروع المراوح العملاقة إن “الدخان ظاهرة سنوية تلف أجواء نيودلهي، ولها أسباب خاصة، لذا نسعى إلى احتوائه”.
ويوضح المهندس خان أن الهدف يقضي بخفض كمّية الجزيئات الدقيقة (التي لا يقلّ قطرها عن 2.5 ميكرومتر) بأكثر من النصف. ولم يستبعد إمكان تشييد أبراج أخرى في المدينة للغرض نفسه في حال كُلّلت هذه التجربة بالنجاح.
وكان كبير المسؤولين في نيودلهي أرفيد كيجريوال قد اعتبر أن العاصمة استحالت “غرفة للغاز” من شدّة تلوّثها. غير أن العديد من الخبراء يرون أن هذه المبادرة لن تُحدث أيّ تغيير، بل كل ما في الأمر أنها “تعطي الانطباع” بأن السلطات تتحرّك للحد من هذه الظاهرة القاتلة.
ويقول سونيل داهيا من مركز الأبحاث حول الطاقة والهواء النظيف إن “تشييد أبراج للتصدّي للضباب الدخاني ما كان ولن يكون يوما حلّا”، موضحا “إذا ما أردنا فعلا حلّ مشكلة التلوّث، فلا بدّ من العمل على معالجتها من جذورها”.
ويلاحظ سونيل أن هذا البرج سيكون متصلاً بالشبكة العامة التي تُغذَّى بنسبة 70 في المئة من المحطات العاملة بالفحم.ويرى الخبير أن “ذلك لن يؤدي سوى إلى مفاقمة التلوّث في مناطق أخرى في البلد”.
وكانت الصين، وهي أكبر ملوّث في العالم، شيّدت في العام 2018 مدخنة بلغ علوّها 60 مترا في مدينة شيان كان يُفترض بها أن تنقّي الهواء. لكنها لم تكرّر التجربة في مناطق أخرى من البلد.
وفي بداية كل شتاء يعاني سكان نيودلهي البالغ عددهم نحو 20 مليوناً من سحب كثيفة من التلوث تلفّ مدينتهم ويسببّها مزيج الأدخنة الناتجة عن الحرائق الزراعية المحيطة وغازات العوادم والانبعاثات الصناعية. ويتجمع هذا المزيج فوق العاصمة بسبب درجات الحرارة الباردة والرياح الخفيفة.
ولم تنجح مساعي السلطات لخفض عدد السيارات التي تسير في المدينة إلى النصف في تحقيق النتيجة المتوخاة. ويأمل المهندسون في إنجاز برج المراوح هذا في الخامس عشر من مايو القادم، وهو اليوم الذي تحتفل فيه الهند بذكرى استقلالها.
ويؤكد أنور على خان أن “الهدف لا يقضي بتنقية الهواء في المدينة برمتها، بل باستحداث مناطق خاصة يمكن للناس فيها استنشاق هواء نقيّ”.
ووصلت مستويات التلوث في العاصمة الهندية إلى فئة “سيئة للغاية” مما تسبب بمخاوف من أن تؤثر جودة الهواء الرديئة على المرضى الذين يتعافون من مرض كوفيد – 19، إذ أن التلوث يفاقم أمراضاً غير قابلة للانتقال، تزيد من أخطار كورونا بحسب الخبراء.
وفي نوفمبر الماضي استيقظت نيودلهي وسط غيمة كثيفة من التلوث مصدرها المفرقعات والألعاب النارية التي أطلقها السكان في مناسبة عيد “ديوالي”، وهو عيد الأنوار لدى الهندوس.
وكان القضاء الهندي أصدر قراراً بمنع استخدام المفرقعات والألعاب النارية خلال احتفالات عيد “ديوالي” نظراً إلى أن السكان يواجهون أصلاً فايروس كورونا المستجدّ وتلوث الهواء الذي يخيّم على المدينة كل سنة.
مراوح عملاقة لتحسين جودة الهواء في نيودلهي تثير الانتقادات!!
24.07.2021