أومكواس (جنوب أفريقيا)- من زورقه المطاطي قبالة السواحل السياحية لجنوب أفريقيا، يشير رائد الغوص مع أسماك القرش والتر برنارديس إلى شبكة أقيمت تحت الماء لحماية السباحين من هجمات الأسماك المفترسة، ويطلق عليها صفة “شبكة الموت”.
ويشبه هذا الحاجز البحري الذي أقيم قبالة الشواطئ الأكثر ازدحاما في شرق البلاد شباك الصيد العادية، وهو بطول 200 متر وعرض ستة أمتار. ومع أنه يهدف إلى حماية البشر، فإن معارضيه يرون أنه يقتل أسماك القرش والدلافين والسلاحف والحيتان وأبقار البحر على السواء.
ووالتر الذي اعتزل التدريس بعد 20 عاما ليتفرغ للغوص مع السياح وتعريفهم بهذه الأسماك ذات السمعة السيئة، يلخص الوضع بقوله، إن “كل ما يعلق رأسه في هذه الشباك ينفق”.
يدر الصيد الجائر للقروش سنويا أموالا طائلة، وقد ناهضت دول الاتحاد الأوروبي هذه التجارة غير الشرعية بقرار منعها سنة 2003 خوفا من انقراض بعض الأنواع
وفي خمسينات القرن العشرين، أدت سلسلة هجمات قاتلة إلى إفراغ شواطئ مقاطعة كوازولو ناتال من مرتاديها، وسببت المخاوف للقطاع السياحي المزدهر على امتداد الواجهة البحرية لهذه المقاطعة التي تجذب أكثر من ستة ملايين زائر سنوياً.
وما لبثت الصور الجماعية التي عززتها أفلام عدة من بينها “تيث أوف ذا سي” (أسنان البحر) عام 1975، أن رسّخت طويلاً صورة القرش كسمكة تفترس البشر.
أما اليوم، فتنتشر الشِباك المثيرة للجدل الرامية إلى صدّ هجمات أسماك القرش قبالة ما لا يقل عن 37 شاطئاً تمتد على نحو 300 كيلومتر على الساحل شمال مدينة دوربان وجنوبها. ولولا القيود المتعلقة بجائحة كورونا، لكانت هذه الشواطئ تعجّ بالناس في فترة العطلة هذه التي تتزامن مع طقس صيفي في الجزء الجنوبي من الكرة الأرضية.
وفي الواقع، لم يسجّل أي هجوم قاتل في إحدى المناطق المحمية منذ 67 عاماً، لكنّ لهذه السلامة ثمناً. فكلّ عام ينفق ما لا يقل عن 400 سمكة قرش بسبب هذه الشباك الحامية باعتراف لجنة أسماك القرش، وهي الجهة التي تتولى إدارة هذه المنظومة في المنطقة. ومن بين هذه الأسماك، ينتمي نحو خمسون منها إلى أنواع مهددة بالانقراض، كأسماك القرش البيضاء الكبيرة وأسماك القرش المطرقة.
ويقول غاري سنودغراس الذي يرافق هو الآخر السياح تحت سطح البحر “في الماضي، كنا نطلق على هذه الرحلات السياحية تسمية ‘الغوص مع القرش الببري’، ولكن هذا التوصيف تغيّر في السنوات الأخيرة، إذ صرنا نادرا ما نصادف” هذه الأسماك.
وعلق 690 حيواناً في شبكات مكافحة الأسماك المفترسة عام 2019. ويؤكد المدير العلمي للجنة أسماك القرش مات ديكنز، أن “الكثير منها أطلق سراحه حياً”، موضحا أن هذا الرقم يمثل أقل من عشرة في المئة من عدد الأسماك التي يشملها نشاط قطاع الصيد البحري. وبالتالي لم تعد أسماك القرش ضحية تدمير موطنها فحسب، بل هي مهددة أيضاً بالصيد الجائر والاتجار المربح بزعانفها.
ومن الأنواع الأربعمئة المعروفة، باتت ثمانيةٌ منها محميةً بموجب الاتفاقية الدولية للتجارة في الأنواع المهددة بالانقراض (سايتس)، لكنّ الرعب الذي تتسببت به غالباً ما يطغى على الاهتمام بتراجعها.
ومع أن هجمات أسماك القرش تثير اهتماماً واسعاً جداً من وسائل الإعلام، فهي نادرة جداً، إذ تم تأكيد حصول نحو مئة هجوم في العالم سنة 2019، وفقاً لجامعة فلوريدا التي تتولى إحصاءها.
وأسماك القرش تلعب دورا هاما في الحفاظ على صحة البحار، فهي تتغذى على الأسماك الضعيفة والمريضة والحيتان النافقة والمخلفات، ولولاها لتعفنت أغلب بحار العالم، فهي كالأسود في البيئة البرية لضبط التوازن البيئي بين الأنواع وتطهير الغابات بمنع الازدحام حسب قانون الانتخاب الطبيعي.
وينبه النشطاء البيئيون والخبراء العلميون إلى أن انقراض هذه الأسماك سيؤدي إلى اختلال التوازن في المنظومة البيئية البحرية، إذ أن لهذه الحيوانات المفترسة دوراً رئيسياً في قاع البحر.
ويرى مدير منظمة “وايلد أوشنز” غير الحكومية في جنوب أفريقيا جان هاريس، أن “الحالة الذهنية للناس” هي التي يجب أن تتغير. لأن “هذه الشباك لا تمنع أسماك القرش الكبيرة من الاقتراب من الشواطئ”.
*كلّ عام ينفق ما لا يقل عن 400 سمكة قرش بسبب "شباك الموت" التي أقيمت لحماية السباحين قبالة سواحل جنوب أفريقيا
ففي الواقع، لا شيء يمنع الأسماك المفترسة من المرور تحت هذه الشباك أو بجانبها، وفقاً للغواصين المحترفين الذين يلاحظون أن عدداً كبيراً منها يعلق في الشباك في طريق العودة عند مغادرتها المنطقة المخصصة للسباحة.
ويقول خبراء البيئة إنه من النادر مهاجمة القرش للإنسان إلا إذا كان بغرض الدفاع عن النفس ولإحساسه بالخوف. وعلى العكس من ذلك، فالإنسان هو الذي يهاجمها ويقتل منها سنويا مئة مليون سمكة لانتزاع زعانفها المنشطة جنسيا والتي تباع في هونغ كونغ ليعاد تصديرها. ولحم القرش يقوي عضلات القلب وتستخرج من معدته مواد مقاومة للسرطان، علاوة على استخدام جلوده في تصنيع منتجات نسائية غالية الثمن.
ويدر الصيد الجائر للقروش سنويا أموالا طائلة، وقد ناهضت دول الاتحاد الأوروبي هذه التجارة غير الشرعية بقرار منعها سنة 2003 خوفا من انقراض بعض الأنواع واختلال التوازن البيئي، وقبل ذلك معاهدة روما سنة 1999 التي تمنع صيدها وقت تكاثرها للحفاظ على أعدادها ووظيفتها البيولوجية. وثمة خمسة أنواع فحسب من أسماك القرش من بين الأنواع الأربعمئة تُعتَبَر خطيرة على البشر، في مقدّمها قرش البلدغ وأسماك القرش الببري.