أحدث الأخبار
الخميس 28 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
1167 168 169 170 171 172 1731135
ليبيا : بؤس وكآبة يخيمان على سكان طرابلس الغرب!!
03.08.2020

طرابلس - مع أن الحرب فيها انتهت، لازالت هالة قاتمة من البؤس والكآبة تخيِّم على أحيائها الواسعة وسكانها الذين يمثلون أكثر من ثلث البلاد.
ويقدر عدد نازحي طرابلس بنحو 300 ألف لم يعد أغلبهم. تختلف أوضاعهم من واحد إلى آخر، ففي حين استطاع علي الرحيبي مثلاً العودة دون أن يفقد شيئاً في منزل أسرته بمنطقة السواني، سيضطر آخرون إلى الانتظار طويلاً، كما هو الحال مع سليمان سعيد الذي احترق منزله بطريق المطار، وسيحتاج قبل العودة لإنفاق مبالغ ضخمة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تشهدها ليبيا منذ عام 2014.
وفي حين يشكر الرحيبي من حافظوا على منزله أثناء الحرب، يواجه صالح عمّار مشكلة كبيرة في بيته الذي سُرِق بالكامل بمنطقة وادي الربيع. ويقول مستغربا “لقد هشّموا ما لم يستطيعوا سرقته، ولا أدري لماذا كل هذا الخراب المتعمّد”.
مع هذا، يظل حال عمّار، الذي لم يلحق الدمار الكامل بمنزله ويمتلك منزلا آخر، أفضل من غيره ممن دُمِرت بيوتهم ومحلاتهم ولا يملكون البديل أو القدرة على دفع إيجارات شهرية تصاعدت أسعارها، واضطر أغلب هؤلاء للإقامة مع أطفالهم في المدارس والمساجد ودور تحفيظ القرآن، وأجبرت أُسَر على الافتراق لضمان مكان في بيوت الأقارب.
يقول حسن، “جزء كبير من أطفال النازحين يعانون من مشاكل نفسية وتبول لا إرادي بسبب الظروف التي يمرون بها، ونحن نعمل على معالجة ذلك عبر أخصائيين نفسيين ونشطاء مدنيين”.
معاناة من الانقطاع المستمر للكهرباء
وبعيدا عن أزمة النزوح، هناك أذى آخر طال كل أحياء طرابلس يتمثل في الانتشار غير المسبوق للقمامة. لقد تضاعفت أكوام الفضلات وصارت هضاباً تغزو ملوثاتها وحشراتها الشوارع نهاراً، وتلفها بسحب الدخان الكريه عند حرقها ليلاً.
ويستنكر محمد سيفاو، الذي تعاني زوجته وابنه من حساسية الصدر حرق القمامة من قِبل بعض المواطنين، ويستغرب نظرة البعض في التخلص منها عبر نشرها في الجو، ويقول”عندما تنطلق مراسم الحرق المعتادة؛ تبدأ حالة الطوارئ في منزلي، ولن يمنع شيء دخان الحرائق والمولدات من التسلل رغم إقفال الأبواب والنوافذ”.
قد لجأ سيفاو لشراء جهاز تنفس اصطناعي ووضعه في المنزل، وهذا كله لم يحل دون تفاقم الوضع واللجوء أحياناً للمستشفيات في حالات طوارئ.
بدورها، تواجه شركة الخدمات العامة بطرابلس مشاكل متمثلة في قلة الإمكانيات وشح الوقود، فضلاً عن رفض أغلب المناطق إنشاء مكبّات في محيطها الإداري وتلويحها باستخدام القوة. وقلّص هذا من فرص وجود أماكن لرمي القمامة التي استباحت أكياسها الأرض وتكفّل دخانها بملء كل ما تبقى من حيّز.
مع حلول الصيف، يفتح ملف آخر، وينطلق موسم جديد لقطع الكهرباء من أجل تخفيف الضغط على الشبكة.
فكثيرون يتَّهمون الشركة بالعجز والتحيّز، وهي أيضاً تشتكي قلة الحيلة وتناشد الجميع عبر منشوراتها بالاقتصاد في الاستهلاك والعدل في التوزيع، دون جدوى، الأمر الذي يزيد من ساعات القطع في طرابلس لِتَفوق 12 ساعة، وقد تلتهم اليوم كله، هذا خلاف الظلام التام الذي بات يحدث كل حين بسبب تكرار اقتحام مواطنين محطات التحكم وإعادة الكهرباء إلى مناطقهم بالقوة أثناء طرح الأحمال، بحسب رواية عضو مكتب الإعلام بالشركة محمود الرياني.
لقد اعتاد الطرابلسيون الأمر، ولجأ كثيرون لشراء المولدات، ولكن الأمر ليس بتلك البساطة، فالطاقة تحتاج وقوداً قد لا يتوفر، فسعر الوقود الليبي المدعّم مع الانفلات الأمني شجّعا على نشوء عصابات تقوم بتهريب الوقود خارج البلاد أو بيعه داخلها بأسعار تصل إلى 15 ضعف سعره الرسمي كما يحصل دائماً مع وقود الديزل، أما البنزينفهو أكثر توفراً مع انقطاعه كل حين.
ومن ناحية أخرى يحمل تخزين الوقود في المنازل مخاطر قد تؤدي إلى كوارث، كما حدث مع “ع. إ .ع” التي وصلت نسبة الحروق في جسمها إلى 60 في المئة، وأُنقِذت حياتها بأعجوبة بسبب حريق ناتج عن بنزين المولد، وفق حديثها.
ويبدو أن الأمر ليس سهلا، فالمولدات ليست حلاً دائماً، وشكاوى السكان لم تأت بنتيجة، ورغم نجاح عدة وقفات احتجاجية في الدفع لتعيين مجلس إدارة جديد لشركة الكهرباء، استهل المجلس أسبوعه الأول بتكرار الإظلام التام في المنطقتين الغربية والجنوبية ثلاث مرات خلال أربعة أيام، كما أن على سكان المدينة الالتفات لمشاكل أخرى قد تكون أكبر مثل المياه التي تنقطع عن المدينة بشكل متكرر بات يستوجب البحث عن بديل حصل عليه ميسورو الحال عبر حفر آبار منزلية (غير مرخّصة في أغلب الأحيان)، أما أصحاب الدخل المحدود وضحايا الأزمة المالية التي تمر بها ليبيا مع شح السيولة وهبوط الدينار، فما لهم سوى انتظار حل جذري لمنظومة مياه تأتي من أقصى الجنوب (منظومة النهر الصناعي).
مع اشتداد درجات الحرارة التي تفوق أحيانا الأربعين درجة خلال الصيف وانقطاع الكهرباء والمياه وتلوث الأجواء، بالإضافة إلى الحالة النفسية التي أعقبت الحرب، يُدْفع سكان طرابلس عنوة إلى الخروج بحثاً عن متنفس، رغم الحظر الذي تفرضه الحكومة لمنع انتشار فايروس كورونا، وزاد هذا من خطر الوباء، فبعد أن كان معدل الحالات اليومي لا يتعدى الواحدة كل يومين؛ تبدل الحال، ووصل إلى أكثر من 150 حالة يومية أغلبها في طرابلس ذات الكثافة الأكبر، كما أن تردي وضع المؤسسات الصحية لا يُنْبِئ بفرج قريب.
لقد شغل فايروس كورونا كل العالم، ولكن في طرابلس هناك هموم أثقل وأشد وطأة. النزوح، الألغام ومخلفات الحروب، وتكدّس القمامة وانقطاع الكهرباء والمياه والوقود، مع أزمات مالية وشح السيولة النقدية، فإلى أين يفر سكان من كانت تسمى عروس البحر؟

1