أحدث الأخبار
الخميس 28 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
1180 181 182 183 184 185 1861135
الجبل الأخضر يقطر ماء ورد في سلطنة عمان !!
25.04.2020

**موسم قطاف الورد وتقطيره إلى ماء عطر يصادف شهر الصيام في سلطنة عمان، وقد استقبله سكان الجبل الأخضر بحرارة أكثر هذا الموسم لأنه موسم البركة والخير عليهم، إضافة إلى أن السلطات قد وزعت تجهيزات عصرية تعمل بالغاز في خطوة لاستبدال أواني التقطير التقليدية التي تعتمد على الحطب، رغم أنها السر وراء الجودة والانتشار الكثيف لهذا المنتج.
الجبل الأخضر (سلطنة عمان) - تكتسي المدرجات الخضراء في الجبل الأخضر وعلى ارتفاع أكثر من 3000 متر عن سطح الأرض، بالورود في منظر بهيج خلال هذه الفترة من كل عام، وتنتشر هذه الزراعة على مساحات واسعة من الجبل وتتركز في قرى العين والشريجة وسيق والقشع.
وتعد زراعة الورد أحد كنوز الجبل الأخضر، ولا تزال أحد أهم مصادر رزق سكان الجبل، الذين امتهنوا سرّ تقطير الزهور واستخراج مائها الزكي والعذب، الذي يكاد لا يخلو منه بيت في السلطنة.
ويبدأ موسم الورد في أواخر شهر مارس من كل عام ليصل إلى ذروته في شهر أبريل وينتهي في بدايات شهر مايو.
قال سالم بن راشد التوبي مدير دائرة الزراعة في الجبل الأخضر، إن عدد أشجار الورد التي يتم استخلاص ماء الورد الجبلي منها تقدر بحوالي خمسة آلاف شجرة موزعة على مساحة إجمالية تقدر بـ7 فدادين، وتقدر كمية الإنتاج بـ4000 آلاف لتر للفدان الواحد، أي حوالي 28 ألف لتر لإجمالي المساحة المزروعة بأشجار الورد.
ويصل المردود الاقتصادي من الفدان الواحد إلى 40 ألف ريال عماني (الريال يساوي 2.6 دولار أميركي)، أي إنه يمكن أن يصل المردود من 7 فدادين إلى حوالي 280 ألف ريال عماني في الموسم الواحد.
وأضاف التوبي، أن الوزارة قامت سابقا بتوزيع آلات تقطير ماء الورد البديلة عن التقليدية التي تعتمد على الحطب كوقود، كما أنها قدمت البرامج الإرشادية التي تعنى بعملية التقليم والتسميد والعناية بشجرة الورد العماني، وتقدم التوصيات الإرشادية في ما يخص المعاملات الزراعية المتعلقة بمزارع الورد الجبلي.
وتعد صناعة ماء الورد حرفة تقليدية التصقت بأهالي الجبل الأخضر منذ مئات السنين، حيث بات يعرف ماء ورد الجبل الأخضر بجودته ودقة صنعه، نظرا لاتّباع الأسلوب التقليدي الذي يعتبره مزاولو هذه المهنة السرّ وراء الجودة والانتشار الكثيف لهذا المنتج. وتمر عملية إنتاج ماء الورد الجبلي بمراحل عدة، إذ يبدأ المزارعون في شهر يناير بعملية تقليم أشجار الورد وحراثة الأرض وتسميدها وريّها بشكل جيد في انتظار موسم تفتح الزهور، ثم تجهيز المصنع (الدهجان) الذي هو عبارة عن مبنى من الطين والحجارة والأواني الفخارية (البرمة) الموضوعة عليه، وتتفاوت مساحته وفق مساحة أشجار الورد لدى المزارع.
ومع بدء بروز زهور الورد يتجه الأهالي لقطف الورد في الصباح الباكر وأحيانا في المساء بحيث يتمّ جني الورد في الصباح من أحد البساتين، وفي المساء من بستان آخر، ويتعاون كل أفراد الأسرة في عملية قطف الورود من البستان وفي مقدمتهم النساء، في عملية تعاونية رائعة طوال فترة موسم الورود.
وبعد الانتهاء من جني الورد تتم عملية تقطيره في المصانع الخاصة (الدهجان) التي صممها المزارعون حيث يتم إيقاد النار داخل المصنع عن طريق الحطب أو عن طريق تجهيزات عصرية خاصة تعتمد على الغاز، ثم تكون في أعلى النار أوان فخارية خاصة توضع بداخلها كمية من الورد، قبل أن تثبت فوقه أسطوانة نحاسية يتجمع ماء الورد المقطر بداخلها من خلال عملية التبخر، وتستمر هذه العملية حوالي أربع ساعات وهكذا دواليك، ويكون العمل مستمرا طوال فترة موسم التقطير لدى البعض، ومتقطعة لدى البعض الآخر حسب كميات الورود المتوفرة.
ويجمع الناتج من ماء الورد ويترك لمدة تتراوح بين شهر وأربعين يوما حتى تترسب الشوائب، وبعدها يتم تخزينه في وعاء من الفخار (الخرس) ويظل فيه ثلاثة أشهر، ويكون لون ماء الورد في النهاية أحمر وزكي الرائحة، ثم يعبّأ المنتج في قوارير زجاجية سعتها 750 مليلترا ثم يتم تسويقها في الأسواق المحلية، حيث تتراوح قيمتها بين 8 و10 ريالات عمانية، وبعض الزجاجات ذات السعة الأقل (500 مليلتر) تكون قيمتها 5 ريالات عمانية. ويتم حاليا تقطير ماء الورد بالأساليب الحديثة عبر مركز تقطير النباتات العطرية في الجبل الأخضر التابع للهيئة العامة للصناعات الحرفية.
ويوضح خالد بن سعيد البوسعيدي مسؤول المركز بالوكالة، أنه من منطلق حرص الهيئة العامة للصناعات الحرفية في المحافظة على الموروث الأصيل من الحرف التقليدية للأجداد والآباء وتطويرها بما يتلاءم مع روح العصر والحداثة، فإن المركز يقوم بتقطير ماء الورد بواسطة أجهزة التقطير الحديثة المتوفرة بالمركز، ويتم التقطير بأسلوب الفصل والتكثيف، إذ تقع إضافة الأزهار إلى الماء داخل الجهاز .
ويبقى الخليط لمدة ساعتين في الجهاز مع وجود مصدر حراري، ثم يجمّع المنتج بعد التقطير في حوجلة خاصة عبر الأنابيب الموصلة بجهاز التقطير حيث يعطي في نهاية المرحلة منتجا شفافا ليس له لون ورائحته نفس رائحة أزهار الورد، ويتم تقطير حوالي 3 لترات يوميا، وخلال الموسم يتم تقطير من 15 إلى 50 كيلوغراما من الورد بعد شرائه من المزارعين.
وأضاف البوسعيدي، “إننا نهتم كثيرا بسلامة وجودة المنتج لكسب ثقة زبائننا من المواطنين والسائحين من مختلف الجنسيات الذين يحرصون على شراء منتجاتنا عبر منافذ التسويق المختلفة والمعارض التي نشارك فيها، حيث يبلغ سعر الزجاجة بسعة 500 مليلتر ريالين فقط.
وأفاد البوسعيدي بأن المركز يدعم المزارعين بالزجاجات الفارغة والزجاجات البلاستيكية الملائمة لتعبئة ماء الورد فيها ثم بيعها.
ويقول أحمد بن عبدالله بن سلام الصقري مؤسس مشروع مصنع ماء الورد بالجبل الأخضر، إن فكرة المشروع كانت تراوده منذ الصغر حيث كان يمارس الحرفة بمعية والده في قرية “سيق” بالجبل الأخضر، وظلت الفكرة عالقة في ذهنه ويفكر في تطويرها إلى أن أنشأ مشروعه الذي تفرغ لإدارته بنفسه، ويعتبره مشروعا زراعيا وحرفيا وسياحيا وتجاريا. وأضاف الصقري، إن الهدف الأسمى من المشروع هو تطوير المنتج العماني في صناعة ماء الورد، وتطوير الحرفة التقليدية من خلال إدخال عدد من التحسينات اللازمة، واستقطاب الورد من مزارعهم الخاصة، ومن الأهداف أيضا إبراز المنتج العماني في الأسواق العالمية خارج السلطنة.
وأشار الصقري، إلى أن مزرعته التي تضم مصنع التقطير تحتوي الآن على 800 شجرة ورد في مرحلته الأولى، منها، الورد العماني، والبلغاري، والسلطاني، والجوري، والشامي، بالإضافة إلى بعض أنواع أصناف الورود التي تصنع منها باقات الورد الجميلة، لتلبية الاحتياجات الفعلية للفنادق والمنشآت السياحية.
وبدأ اسم الجبل الأخضر خلال السنوات الأخيرة يبرز بشكل أكبر مع إنشاء العديد من المرافق السياحية التي تبناها القطاع الخاص، ويحوز اهتماما متزايدا يوما بعد يوم، ويستقبل اليوم الزوار بهدف الكشف عن أسرار هذه البقعة السياحية من أرض عمان المترامية!!

1