أحدث الأخبار
الجمعة 29 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
1209 210 211 212 213 214 2151135
الفلسطينيون يستعملون المناديل الورقية من سعف النخيل !!
16.10.2019

قليلة هي مصانع الورق في العالم التي تراعي البيئة، كما يقوم بها مصنع “بيبربال” في فلسطين الذي يساهم في التخلص من مشكلة بيئية كبيرة باستخدام سعف النخيل الذي كان يشكل في السابق عبئا ثقيلا على المزارعين، فتركه يضر بالنخلة وحرقه يضر بالإنسان. المصنع ينتج الورق من الجريد باعتماد آلية ميكانيكية بدلا من الكيمائية، وهي الطريقة الأقل ضررا على صحة الإنسان وعلى البيئة بشكل عام، ويوفّر مصدر رزق للمئات من سكان أريحا.
أريحا (فلسطين) – لن يكون مصير مخلفات سعف النخيل في مدينة أريحا شرقي الضفة الغربية المحتلة، حاويات النفايات أو الحرق، فالفلسطيني طارق سعادة نجح في تحويلها إلى منتجات مختلفة من المناديل الورقية.
ويعتمد الأربعيني سعادة على طرق ابتكرها بنفسه لاستخلاص مادة السليولوز من سعف النخيل ومخلفاته واستخدامها في صناعة المناديل الورقية، بعد أن تدخل في سلسلة عمليات تتطلب وقتا وجهدا كبيرين.
ويقع المصنع، الذي يقول مالكه إنه “الوحيد في العالم الذي ينتج الورق من سعف النخيل”، في مدينة أريحا (شرق القدس)، التي تشتهر بزراعة النخيل ويوجد في مزارعها نحو 300 ألف نخلة.
يقوم المصنع اليوم على نهج بيئي شامل من خلال تدوير المخلفات الورقية التي يجمعها من نحو 30 مؤسسة مختلفة، وتدوير سعف النخيل الذي كانت تخلّفه عمليات تقليم الأشجار بالأطنان، وكان يتم التخلص منه بالحرق أو برميه على الطرقات ليصبح بيئة خصبة للحشرات والآفات الزراعية بما فيها ذبابة أريحا الخطيرة.
فكرة صناعة المناديل الورقية من مخلفات أشجار النخيل، بدأت عام 2012، عندما أعد سعادة دراسة عملية حول ذلك، لكن لم يكن الأمر في البداية مجديا لأن الدراسات توصلت إلى أن نسبة السليولوز التي سيتم استخراجها من مخلفات النخيل قليلة مقارنة بتكلفة استخراجها.
عام 2013 تم استكمال البحث على العينات بالتعاون مع بعض الجامعات في شرق آسيا، وأظهرت النتائج بأن سعف النخيل يحتوي على 53 بالمئة من السليولوز، فعاد الأمل من جديد، خاصة وأن 67 بالمئة من مكونات الورق الخام عبارة عن سليولوز.
واستطاعت جامعة شنغهاي تحديد معدل الحرارة والضغط وسرعة الدوران اللازمة لتليين مادة السليولوز في سعف النخيل، وارتفعت نسبة السليولوز مع استخدام الورق لتصل إلى 76 بالمئة، ما شجّع سعادة على خوض تجربة الإنتاج.
وسجل سعادة براءة اختراع لدى الجهات الفلسطينية المختصة عن مشروعه الذي بدأ فعليا بإنتاج الورق عام 2014، بعد أن تمكن من استخلاص مادة السليولوز من سعف النخيل وخلفاته بنسبة 76 بالمئة حاليا.
النتائج لم تكن مرضية فيما يخص مظهر الورق وملمسه في الأول، ما استدعى إيقاف العمل للبحث عن حلول، وتمت الاستعانة بفريق صيني وخبرات الجامعات الفلسطينية، ليتوج المصنع بذلك نجاحا لا تشوبه شائبة، ويتفرّد بإنتاج الورق من سعف النخيل.
عملية إنتاج الورق من الجريد تأخذ جهدا ووقتا كبيرين، حيث يتم غسل مخلفات النخيل وطحنها ومعالجتها تحت درجات حرارة عالية قبل أن تصبح عجينة ورقية
ومنذ عام 2010 حتى 2014 كان مصنع سعادة في أريحا يعتمد في صناعة المناديل الورقية على إعادة تدوير مخلفات الأوراق فقط، قبل أن يبدأ باستخدام مخلفات أشجار النخيل بصناعته.
ويعتبر اعتماد المصنع على مخلفات سعف النخيل، حلّا لمشكلة بيئية يسببها بعض أصحاب المزراع في أريحا والأغوار وهي؛ الحرق وما يخلّفه من آثار صحيّة جراء استنشاق الدخان والرماد اللذين يتسللان إلى صدورهم، فمصنع سعادة لإعادة التدوير يساعد في التخلص من هذا الخطر الصحي.
ويعمل العشرات من العمال اليوم على جمع سعف النخيل ومخلفاته من مزارع أريحا بدلا من حرقها وإتلافها، حيث يشتري سعادة الطن الواحد منها بمبلغ 100 دولار أميركي من المزارعين، ويعتمد المصنع حاليا على ما تجمعه العائلات، إذ يمكن لأصغر أسرة أن تجمع طنّين يوميا خلال أربع ساعات عمل في كل موسم مدته شهر.
يقول سعادة إن المصنع يوفر 60 ألف يوم عمل سنويا بنظام المياومة في مجال نقل المخلفات الورقية وتجميعها من حوالي 30 مؤسسة تعليمية.
وتعمل مجموعة من المزارعين بنظام المياومة أيضا في جمع سعف النخيل، حيث أسهم المصنع في تشغيل عائلات بكامل أفرادها، يسهمون في إنتاج 8 طن يوميا من الورق بأصناف مختلفة خاصة ورق المطبخ للتجفيف والتوالي. ويسعى المصنع مستقبلا إلى تصنيع ورق الطباعة، بالإضافة إلى ورق الكرافت.
وتخضع مخلفات النخيل لـ19 مرحلة صناعية، أهمها معالجتها تحت درجة حرارة عالية بواسطة جهاز طرد مركزي لاستخراج مادة السليولوز منها، قبل استخدام هذه المادة بصناعة المناديل الورقية في صورتها النهائية.
يقول محمد حميدان، مدير الإنتاج بمصنع المناديل الذي يحمل اسم “بيبريال”، إن “عملية الإنتاج تأخذ جهدا ووقتا كبيرين، ويتم خلالها غسل مخلفات النخيل وطحنها ومعالجتها تحت درجات حرارة عالية قبل أن تصبح عجينة ورقية”.
ويضيف “ما يميّز الإنتاج في مصنعنا أننا لا نستخدم أي مواد كيميائية في مراحل الصناعة المختلفة”.
ونتجت عن مصنع الورق مشكلة تمثلت في صعوبة التخلص من المخلفات الورقية للمصنع، بعد أن منعت البلدية إلقاءها في الحاويات نظرا إلى كمياتها الضخمة، إضافة إلى العبء المادي لإتلافها، فقام المصنع بكبسها على شكل مكعبات مضغوطة واحتفظ بها في مخزنه، على أمل الاستفادة منها مستقبلا بطريقة ما.
ووفق مدير الإنتاج بالمصنع، فإن الطن الواحد من مخلفات النخيل ينتج 700 كيلوغرام من عجينة الورق، مشيرا إلى أن سعف النخيل يمتاز بصلابته وجفافه، الأمر الذي يشكّل صعوبة في إنتاج المناديل الورقية.
ويأمل القائمون على المصنع أن يتم توسيع الإنتاج ليتم استيعاب جميع المخلفا. يقول سعادة “نستهلك 35 بالمئة من حجم سعف النخل الموجود في منطقة أريحا، ونتمنى أن نستوعب جميع الكميات الموجودة”.
ويقول إبراهيم دعيق، رئيس مجلس مزارع النخيل، “أملنا أن تزيد طاقة استيعاب كميات كبيرة من الجريد لصناعة الورق والصناديق الورقية التي نعتمدها في تعبئة التمر”.
ويسوّق المصنع منتجاته في الأسواق الفلسطينية، ويواجه صعوبات تتعلق بتوفير الطاقة والمياه، وبالمنافسة الكبيرة من المنتجات الإسرائيلية.
ويستورد الفلسطينيون أغلب حاجتهم من المياه من إسرائيل التي تسيطر على90 بالمئة من مصادر المياه الجوفية، وتمنع السكان في مناطق أريحا والأغوار شرقي الضفة الغربية المحتلة من حفر آبار مياه، دون تقديم أسباب للمنع.
كما يعاني المصنع من مشكلة الكهرباء، بسبب رفع شركة كهرباء القدس سعر الكيلوواط إلى ثلاثة أضعاف في وقت الذروة، الأمر الذي اضطر المصنع إلى العمل ليلا، ما تترتب عليه تكاليف إضافة بسبب زيادة رواتب العاملين.
هذه التحديات لم تثن صاحب المصنع ولم تحبط حماسته في المضي قدما، حيث يخطط إلى توسيع المصنع ليكون بمساحة 30 ألف متر خلال السنوات القليلة القادمة، ويشغّل المئات من العمال، ويتوسع في تصدير منتجاته خارج فلسطين.

1