أحدث الأخبار
الأحد 04 أيار/مايو 2025
1 2 3 41147
القرنفل الإندونيسي يواجه التغيرات المناخية!!
03.05.2025

تواجه زراعة القرنفل في تيرناتي تحديات كبيرة نتيجة للتغيرات المناخية التي أدت إلى تغييرات مفاجئة في أنماط الطقس، مما يسبب هطول أمطار غزيرة وغير منتظمة تؤدي إلى تدمير الزهور غير الناضجة، فضلاً عن تذبذب درجات الحرارة الذي يؤثر على نوعية الإنتاج وتذبذب الأسعار.
تيرناتي (إندونيسيا) ـ بدأت آثار التغير المناخي تطال أيضًا القرنفل، الذي كانت القوى الاستعمارية تتنافس عليه لفترة طويلة، وتنتجه إندونيسيا بكثرة في جزر مالوكو (أو جزر الملوك)، حيث موطنه الأصلي. ومن شأن هذا الواقع الجديد أن يهدد محاصيل هذا النوع من التوابل.
وبات جوهر محمود يشعر بالقلق رغم تمسكه بأشجار القرنفل التي يملكها عند سفوح بركان جبل غمالاما الخصبة في جزيرة تيرناتي. ويوضح المزارع البالغ من العمر 61 عامًا أن “الأمطار اليوم تهطل بغزارة، وهي مناسبة للزراعة، لكنها تجعل المحصول غير مضمون، وغالبًا ما يصعب توقُّع حجمه.”
فالتغير المناخي أدى إلى تراجع محاصيل القرنفل، الذي يحتاج إلى درجات حرارة ورطوبة معينة لتحفظ رائحته وطعمه. وإذا كان الموسم جيدًا، قد يصل ما تنتجه أشجار القرنفل البالغ عددها 150 إلى 30 كيلوغرامًا من هذه التوابل العطرية المربحة، التي تستخدم في الطب والعطور والسجائر أو نكهات الطعام.
لكنّ أسعار هذه التوابل، التي تُستخرج من براعم أزهار شجرة القرنفل، تتراوح بين 5.25 و7.35 دولارات للكيلوغرام الواحد، تبعًا لأحوال الطقس. الإندونيسيون هم المستهلكون الرئيسيون للقرنفل، إذ يستهلكون نحو 50 في المئة من الإنتاج العالمي. ولا يستخدمونه في الطهي والشراب فحسب، بل أيضًا للتدخين؛ فالسجائر بنكهة القرنفل منتشرة جدًا في إندونيسيا، وتفوح رائحتها الشبيهة برائحة البخور في جميع الأماكن في هذا البلد.
ويقول جوهر، الذي يمثل 36 مُنتِجًا، “في الواقع، نحن نتكبد خسارة مالية. فالأشجار لا تُثمر كل عام. الأمر يتوقف على الموسم.” وخاضت البرتغال وإسبانيا وهولندا معارك للسيطرة على تيرناتي خلال ذروة تجارة القرنفل العالمية بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر. ولجأ السكان المحليون إلى مواجهة المستوطنين الهولنديين، الذين كانوا يمنعونهم من زراعة أشجارهم الخاصة بهدف الإبقاء على احتكار هذا المنتج الذي صنع ثروة شركة الهند الشرقية الهولندية.
لكن المنتجين مضطرون اليوم إلى إيجاد عمل ثانٍ لتغطية نفقاتهم بسبب انخفاض المحاصيل. وجوهر، مثلًا، يبيع مشروبات مصنوعة من التوابل، إلّا أن بعض زملائه يفكرون ببساطة في صرف النظر عن زراعة القرنفل. وتلاحظ منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) أن هناك فرقًا كبيرًا في محاصيل القرنفل في إندونيسيا خلال العقدين الأخيرين، يفوق ذلك الذي شهدته الدول المنافسة، وخصوصًا مدغشقر.
وبالتالي، فإن العائد من هذه المحاصيل عام 2023 كان أقل بنحو الربع من الذروة التي بلغها في عام 2010. ولا تزال إندونيسيا مصدرًا لأكثر من ثلثي إنتاج العالم من هذه التوابل التي يُستهلك قسم كبير منها محليًا. لكن منذ عام 2020، لم يعد الأرخبيل المُصدر الأكبر في العالم، إذ انتزعت منه مدغشقر هذه الصفة.
وتتطلب زراعة القرنفل الصبر، حيث تستغرق الأشجار أكثر من عقد من الزمن حتى تنضج. وأدى الاحترار المناخي الناجم بشكل رئيسي عن الوقود الأحفوري كالفحم، الذي يُستخدم على نطاق واسع في إندونيسيا، إلى تغيير الظروف الجوية التي تساعد في نمو القرنفل.
ويتسم المناخ في تيرناتي بأنه أكثر جفافًا عموما، لكنّ الاحترار بات يؤدي إلى احتباس أكبر للرطوبة، فتهطل الأمطار غالبًا على شكل زخات مدمرة جدًا للأزهار. ويقول لاكينا (52 عامًا): “في السابق، كنت أستطيع ملء خمسة إلى ستة أكياس في موسم حصاد واحد،” لكن هذا المزارع بات يكتفي اليوم بكيسين أو ثلاثة على الأكثر. أما إمبا، وهي مزارعة في الثانية والستين تملك 70 شجرة، فتشرح أن تجفيف القرنفل بات يستغرق خمسة أيام على الأقل بسبب الأمطار، في مقابل ثلاثة أيام ونصف في الماضي.
وتؤكد البيانات العلمية هذه الملاحظة الميدانية. ففي عام 2023، لاحظ باحثون من جامعة باتيمورا في أمبون أن إنتاج القرنفل آخذ في الانخفاض في جزيرة هاروكو، الواقعة جنوب تيرناتي، بسبب زيادة هطول الأمطار وظواهر الطقس الأكثر تطرفًا. ويوضح آري رومباس من منظمة “غرينبيس” أن “المجتمعات التي تعيش في المناطق الساحلية والجزر الصغيرة معرضة للخطر بشكل أكبر.”
في ورشة لفرز التوابل، تنتشر رائحة القرنفل النفاذة بينما ينهمك العمال في ملء الأكياس. ومن ثم يُنقل القرنفل إلى مستودع يُجري فيه فرز ميكانيكي لإزالة الأوساخ والأوراق غير المرغوب فيها، تمهيدًا لتصدير الإنتاج إلى الصين. تم اللجوء إلى فوائد القرنفل في جميع الممارسات الطبية الطبيعية، مثل الطب الهندي القديم والطب الصيني القديم، منذ مئات السنين بفضل خصائصه المضادة للبكتيريا والميكروبات.
وفي القرن السابع عشر، وصف عالم النبات الألماني جيري جوزيف كامل القرنفل بأنه مضاد حيوي قوي للغاية، وله فوائد عديدة ومتنوعة طبية وتجميلية وغذائية. بفضل الفيتامينات والمعادن ومضادات الأكسدة التي يحتوي عليها، يحارب الكثير من الأمراض الخطيرة مثل السرطان والسكري، ويقوي الجهاز المناعي ويوصى به لتسكين الألم.
ويمتزج القرنفل جيدًا مع التوابل الأخرى مثل القرفة والفلفل الحار وجوزة الطيب، وهو يستخدم في جميع أنحاء العالم، وغالبًا في الأطباق المالحة. ويشرح التاجر رومين ذا أن “المحصول يكون سيئًا إذا كان الجو حارًا جدًا، أما إذا هطلت أمطار غزيرة، فلا محصول. هذا العام، هطلت أمطار غزيرة.” ويشير إلى أن الأسعار انخفضت إلى النصف تقريبًا منذ العام الماضي.
وفي ضوء تضاؤل المحاصيل، يطالب جوهر بتقديم المساعدات لأولئك الذين شغلوا هذه الأراضي في الماضي. ويقول: “أدعو الدول المحبة للتوابل إلى أن تفكر في قضايا المناخ العالمية.” ويضيف: “من دون هذه الثروة الطبيعية (…) لن تستفيد الدول الغربية. لذا علينا أن نفكر في الأمر معًا.”

1