أحدث الأخبار
الاثنين 25 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
1 2 3 47737
« نابلس سيدات بيتا» يدعمن «حرّاس الجبل» رغم شحّ الإمكانيات!!
02.10.2021

كتب سعيد أبو معلا..«وجبة اليوم متقشفة، رغيف لبنه مع مرتديلا» بهذه الكلمات تخبرنا السيدة غادة أبو حمدان من بلدة بيتا جنوب نابلس أثناء حديثها عن الوجبة التي تعمل على توفيرها نساء البلدة لحراس الجبل الذين يقاومون منذ أكثر من 150 يوما إقامة بؤرة استيطانية على قمة «جبل صبيح».
و«حراس الجبل» هو الاسم الذي أطلقه ناشطون ومراقبون على الجهد الذي يبذل ضمن فعاليات المقاومة الشعبية في بلدة بيتا ضد إقامة بؤرة استيطانية تحمل اسم «أفتيار». وعن الأمور التي تفكر بها النساء المتخصصات في إعداد وجبة غداء الجمعة ضمن مبادرة «أقل واجب» التي تقوم عليها سيدات من البلدة تضيف أبو حمدان: «أهم شيء أن تكون الوجبة سهلة التوزيع لكون شباب البلدة موجودين في كثير من نقاط المواجهة والتماس وبالتالي نريد ان تصل بسهولة ويسر».
*من «العرايس» إلى «المرتديلا»
وتتابع أبو حمدان التي عملت ما بين 2013 ـ 2017 عضوا في المجلس البلدي في بيتا» جرت العادة أن نعد ساندويتشات باللحمة التي تسمى محليا «عرايس» لكونها مفيدة ومغذية أيضا، ويسهل توزيعها، أما اليوم فنحن نعاني من شح في الإمكانيات بعد طول فترة المقاومة الشعبية التي ما زالت قائمة حتى اللحظة».
أبو حمدان التي تدير محل أدوات منزلية وهدايا وهي خريجة تخصص لغة عربية من جامعة النجاح الوطنية في مدينة نابلس تقول إن على نساء المبادرة إعداد (الجمعة) أكثر من 450 سندويشة يتم توزيعها على حراس الجبل ورجال البلدة الذين يبقى جزء منهم على قمة الجبل المقابلة لجبل صبيح، فيما جزء آخر يصعد بعد أداء صلاة الجمعة في البلدة أو في منطقة قريبة من الجبل أيضا.
وحسب دكتور الإعلام والمصور نادر صالحة، المعجب بنموذج بلدة بيتا، فإن النساء لطالما كن شريكات في النضال أينما حللن، إما بالمواجهة المباشرة، أو تشكيل الحاضنة الشعبية، أو بالدعم المعنوي واللوجستي.وتستمر المواجهة في البلدة وقد وصلت الى 150 يوماً وهي فترة طويلة كان للنساء فيها الدور الأبرز في إسناد ودعم الأهالي والمتضامنين على الجبل المهدد بالمصادرة، ومن أشكال هذا الإسناد توفير وجبات الغداء والماء والعصائر لجماهير المقاومة الشعبية.يؤكد صالحة أنه «خلف كل شاب بيتاوي سيدة بيتاوية تقاتل بقلبها وروحها. خلف كل لحظة مواجهة على الجبل، كل تلويحة مقلاع، كل صرخة، كل إشعال إطار، كل صاعدٍ وكل نازلٍ على الجبل خلف كل منهم قلب امرأة يخفق بشدة، معلق بين الأرض والسماء».*وكانت مبادرة ضيافة الجبل قد بدأت بمبادرة نسوية بيتاوية من اجل إسناد مقاتلي الجبل، حيث يرسلن ما يُعددن من طعام في منازلهن إلى الجبل لإطعام الحراس، وعندما أصبح الأمر أكبر مما توقعن، وبحاجة لتنظيم وإدارة أوسع بعدما اتضح أن المئات من شباب البلدة لن ينزلوا عن الجبل قبل تحريره قررت تحويل الجهد من فردي إلى جماعي منظم.
*
*على نفقتهن الخاصة
أبو حمدان تؤكد أن النساء أطلقن المبادرة على نفقتهن الخاصة، فعملن على توفير مستلزمات الإطعام، فهناك من وفرت صالة أفراح تملكها عائلتها، وأحضرت نساء أخريات كل الأدوات التي تلزم لإنجاح المبادرة.وتتفاوت الجهود التي تبذلها النساء حسب الشباب المشاركين في النضال الشعبي الأسبوعي، ففي بعض الأسابيع تطبخ النساء أكثر من 150 كيلوغراما من اللحمة الحمراء، واستخدمن أكثر من 3000 رغيف خبز. أي يخرجن من مطبخهن المتواضع ما يقارب ثلاثة آلاف وجبة في كل يوم جمعة.وكانت العملية تمارس برمتها من خلال تبرعات النساء وتبرع أصحاب المحلات بالمنتجات وفي أحيان أخرى يخصمون من ثمن فاتورة المواد اللازمة وهو أمر يكلف السيدات ما بين 5 ـ 10 آلاف شيقل (3 آلاف دولار أمريكي).
*دعوة للشركات الوطنية للمساهمة في جهد المقاومة الشعبية
سألنا أبو حمدان عن النساء اللواتي صمدن في المبادرة حتى اللحظة، فردت قائلة نحن اليوم 12 سيدة، صديقات سابقات أو جزء من منا تعرفنا على بعضنا البعض ضمن المبادرة، التي بدأت بجهود مني ومن صديقتي آمال أبو شمسة، وعندما نشرنا دعوة للتطور في المبادرة انضم إلينا أكثر من 200 امرأة، اليوم خفت الجهود وهناك من شعر بالملل.وعن مشاعرها كأم إزاء الشباب الموجود على الجبل المشتبك مع الجنود قالت الناشطة أبو حمدان إن زوجها يصعد للجبل أسبوعيا، أما ابنها ذو الـ15 عاما فإنه لا يقتنع أن يبقى في البيت أو داخل حدود البلدة، وانه «يصمم على الصعود وانا لا أتمكن من منعه».
*لحظات من وجع
وعن اللحظات الصعبة التي عاشتها نساء المبادرة قالت: «أصعب الأيام يوم ارتقاء شهيد إلى السماء، هذه لحظة قاسية ولا يمكن وصفها، نغرق بالبكاء والحزن». وتضيف: «أغلب الشهداء يسقطون بعد صلاة العصر، وفي كل جمعة نقف منتظرات على وجع، نخاف من الأخبار القادمة من الجبل، وأصعب لحظة عندما يرن الهاتف المحمول، إنها لحظة قاسية لا يعلمها إلا الله، فهذا دليل على أخبار سيئة مقبلة».وتشير الى أنه في اليوم الذي يسقط فيه شهيد أغلب النساء يكن لديهن إحساس ما، مؤشر على أخبار سيئة، «جميعنا ندخل في حالة من الخوف والترقب، نتابع الصفحات على الإنترنت، ونتمنى ألا تأتينا الأخبار الحزينة».وتحمل المبادرة التي تستمر بزخم أقل حاليا اسم «أقل واجب،» في إشارة إلى أن فعل النساء التطوعي والخدمي للشبان الذين يقومون بحراسة الجبل ليس إلا واجبا قليلا بالمقارنة مع الشهداء والجرحى والأسرى من أبناء البلدة.آمال بني شمسة صديقة أبو حمدان فأكدت الفكرة السابقة.وأضافت في تصريحات صحافية: «إذا كان الإنسان يقدم روحه والأم تقدم ابنها فما نقوم به نحن هو أقل واجب». وتابعت: «كل إنسان يجاهد ويقدم بالطريقة التي تناسبه، الشباب على الجبل، ونحن جهدنا يتمثل في إعداد الطعام لهم وهذا أقل شيء نقدر عليه».
*شحّ في الإمكانيات
وعن الدعم المالي الذي بدأ ينفد من النساء اللواتي صنعن المبادرة تشدد أبو حمدان: «لدينا رغبة أن نتكفل بما نقوم به، لكن الأمر طال وربما يطول أكثر مما نتوقع، لقد تلقينا دعما من هيئة مقاومة الجدار والاستيطان مقداره 10 آلاف شيقل، وهناك دعم جاء وتبخر، وهناك دعم جاء وذهب في مسارات لا نعرفها، ونحن نمر بمرحلة… اليوم نعاني منها من قلة الإمكانيات».
يذكر أن مجلس الوزراء الفلسطيني في جلسته المنعقدة بتاريخ 5 يوليو/ تموز الماضي أقر تلبية احتياجات بلدة بيتا التنموية اللازمة لدعم صمود المواطنين، لكن سكان البلدة شعروا أن هذا الدعم لم يذهب إلى القطاعات والمجالات التي تدعم صمودهم ونضالهم. ويخوض شبان بلدة بيتا «حراس الجبل» من مختلف الخلفيات الحزبية والفكرية نضالا شعبيا ملهما ومستمرا رغم تصاعد حجم الخسائر التي يكبدها الاحتلال للنشطاء والمقاومين على الجبل وتحديدا مع تزايد أعدد الشهداء (8 شهداء) والجرحى أكثر من (4000 جريح) والمعتقلين (50 معتقلا).
ومن الجدير بالذكر أن حكومة الاحتلال توصلت إلى اتفاق مع المستوطنين في بؤرة «أفيتار» يقوم على مغادرتهم للبؤرة، على أن يباشر جيش الاحتلال بمسح الأراضي في المنطقة من أجل إعادة المستوطنين إليها، إلا أن أهالي بيتا واصلوا احتجاجاتهم رفضا للاتفاق، وللمطالبة بتفكيك البؤرة بالكامل وإعادة الأراضي لأصحابها، وهو أمر يتعاهد عليه أهالي البلدة التي يبدو أنها ستستمر في مقاومتها المحلية وحيدة وبجهود أبنائها وبناتها أيضا.
*المصدر : القدس العربي

1