
وسط أجواء تخلو من الأمان، تحول مقر "مدينة عرفات للشرطة" المعروف محليا باسم "الجوازات" وسط غزة، إلى مأوى لعشرات العائلات الفلسطينية التي فرت من حي الشجاعية والمناطق الشرقية للمدينة عقب إنذارات إسرائيلية بالإخلاء الفوري مؤخرا. حيث نصب النازحون خيامهم في ساحة هذا المقر وسط الذخائر والصواريخ غير المنفجرة ليغدو واحدا من حقول الموت المحتملة والتي تفتك بفلسطينيي القطاع.في هذه الساحة التي تمتلئ بركام المباني المدمرة، ثبت مجموعة من الأطفال حبالا على هياكل حديدية من مخلفات القصف ليحولوها لأرجوحة. إذ يحاول الأطفال انتزاع جزء من طفولتهم التي غيبتها الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وخلق مساحة للمرح في ظل الخوف الدائم المحيط بهم.ويواصل النازحون الذين وصلوا حديثا إلى هذا المكان عملية تثبيت خيامهم المصنوعة من القماش والنايلون لتكون مساكن مؤقتة لهم. ويشكو النازحون من شح الإمدادات الأساسية من المياه والغذاء كباقي فلسطينيي القطاع جراء مواصلة إسرائيل إغلاق المعابر أمام المساعدات والبضائع منذ 2 مارس/آذار الماضي. فيما تنعدم وسائل التدفئة لديهم، خاصة أنهم فروا من أماكنهم بلا أمتعة أو ملابس، حيث يواجهون لسعات البرد القارس مع ساعات الليل.وصباح الجمعة، أنذر الجيش الإسرائيلي الفلسطينيين في مناطق بأحياء الزيتون والشجاعية والتفاح شرق مدينة غزة بإخلاء منازلهم قبل مهاجمتها "بقوة"، وهو الإنذار الثاني خلال أسابيع حيث أنذر الشجاعية سابقا بالإخلاء. يقول الفلسطيني مروان عياد إنه نزح من الشجاعية مرتين في الفترة الأخيرة، وإنه توجه في الثانية إلى مقر "مدينة عرفات للشرطة" الذي لا يصلح للسكن. مضيفا أن المقر بات غير آمن، خاصة في ظل تناثر الذخائر والصواريخ غير المنفجرة بين ركام مبانيه المدمرة والتي أصبحت تتوسط خيام النازحين. موضحا أنهم اضطروا إلى النزوح برفقة أطفالهم لهذا المكان الذي تحول بفعل آلة الحرب الإسرائيلية إلى دمار وركام، في ظل عدم وجود بدائل أفضل. مطالبا بالضغط على إسرائيل لوقف حرب الإبادة الجماعية والمجازر الدموية التي يرتكبها الجيش في القطاع منذ أكثر من عام ونصف.بدوره، يقول سامي الغرابلي، إنه نزح من حي الشجاعية مؤخرا للمقر المليء بالقنابل غير المنفجرة، مبينا أنه وعائلته فروا من الشجاعية بعد نجاتهم من الموت جراء هجمات الجيش. مشيرا خلال حديثه إلى الصواريخ والقنابل غير المنفجرة المتناثرة في المكان قائلا إنه لا يعلم ما قد يحل بالنازحين في حال انفجارها فجأة.ولأكثر من مرة حذرت مؤسسات محلية ودولية من مخاطر الذخائر غير المنفجرة في مناطق مختلفة من القطاع، والناجمة عن القصف الإسرائيلي على مدار أشهر الإبادة. من جانبها، قالت نازحة فلسطينية من عائلة عياد (رفضت الكشف عن هويتها)، إنها باتت المعيل الوحيد لطفليها بعد استشهاد زوجها خلال حرب الإبادة. مضيفة أنهم باتوا يعيشون من نزوح إلى نزوح جراء إنذارات الإخلاء القسرية التي يرسلها الجيش الإسرائيلي. وأوضحت أنها بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية تعيش وأطفالها في خيمة مع عائلتها الممتدة (مكونة من الوالدين والأشقاء). وذكرت أنها تنام مع طفليها على غطاء واحد فقط تفرشه أرضا، دون وجود أغطية تحمي أطفالها من برد الشتاء.
عياد تصف الحياة بعد استشهاد زوجها بأنها "صعبة"، حيث تعجز عن توفير المقومات الأساسية لأطفالها. وقالت إن أطفالها يعانون من سوء في التغذية جراء عدم توفر الطعام أو عدم توفر العناصر الغذائية المهمة فيه حينما يتوفر لديها. إلى جانب ذلك، فإن الوضع الاقتصادي يعجزها عن توفير مستلزمات خاصة بنظافة الأطفال كـ"الحفاضات"، التي يندر وجودها ويرتفع ثمن المتوفر منها بسبب إغلاق إسرائيل للمعابر ومنع دخول المساعدات التي يعتاش عليها غالبية فلسطينيي غزة الذين حولتهم الإبادة إلى فقراء.وفي وقت سابق الجمعة، أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، اقتراب غزة من "الجوع الشديد للغاية" فيما شارفت الإمدادات الأساسية في القطاع على النفاد، جراء الإغلاق الإسرائيلي المتواصل للمعابر. وقالت مديرة الإعلام والتواصل في "الأونروا" جولييت توما: "مع استمرار حصار السلطات الإسرائيلية غزة لأكثر من 6 أسابيع، كل الإمدادات الأساسية على وشك النفاد". موضحة في بيان أن نفاد الإمدادات الأساسية يترافق مع "ارتفاع كبير في أسعار" البضائع المتوفر بغزة خلال مارس/آذار الماضي، منذ أن فرضت إسرائيل حصارها على القطاع. وتابعت: "هذا يعني أن الرضع والأطفال ينامون جائعين".وبدعم أميركي مطلق ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة خلفت أكثر من 167 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد عن 11 ألف مفقود.!!

