نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريرا أعده كل من بنويت فوكون وسومر سعيد وجوي باركنسون قالوا فيه إن الإنقلابات في أفريقيا وصلت أعلى مستوياتها منذ نهاية عهد الإستعمار.
وقالوا إن الجنرال عبد الفتاح البرهان، الذي قاد عملية عسكرية أوقفت التحول الديمقراطي الشهر الماضي، قام بعدة تحركات جيوسياسية جريئة، فقد طمأن المبعوث الأمريكي للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان بأنه لا يريد التحرك عسكريا، وركب طائرة إلى مصر للحصول على دعم إقليمي لتحركه.
وأكد الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي سيطر على الحكم في عام 2013 بدعم من السعودية والإمارات لزميله الجنرال أنه يدعم تحركه، وعند عودته قام باعتقال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وعدد من الوزراء وألغى المجلس السيادي بالإضافة لقرارات أخرى أوقفت عملية التحول الديمقراطي الجارية منذ عامين. ولم يرد المتحدث باسم البرهان أو السيسي على أسئلة الصحيفة.
وتقول إن السودان هو رابع إنقلاب في أفريقيا هذا العام، مما يؤكد الخلفية الدولية المعقدة وبشكل متزايد والتي تسهم في زيادة استيلاء العسكر على السلطة والتي اختفت في الكثير من مناطق العالم.
وأضافت أن القادة العسكريين في مالي وغينيا قاموا بتحركات في الأشهر الماضية سيطروا فيها على السلطة من حكومات ضعيفة عرضة للتدخلات الخارجية وتعاني من سوء إدارة واقتصاد متدهور وغياب الأمن. وتم إحباط انقلابات في كل من مدغشقر وجمهورية أفريقيا الوسطى والنيجر. وكانت النتيجة ما وصفها الأمين العام للأمم المتحدة بـ”وباء الإنقلابات” وقال “يشعر بعض القادة العسكريين بأنهم محصنون” من العقاب.
وتأتي عودة الإنقلابات إلى دول الساحل والصحراء بعد عقد من الربيع العربي عندما حمل المحتجون أملا ببناء أنظمة ديمقراطية بعد سنوات من سيطرة العسكر على الحكم. وتأتي بعد ثلاثة عقود من تحول عدد من دول أمريكا اللاتينية وجنوب- شرق آسيا من الحكم العسكري إلى الديمقراطي.
وفي أفريقيا تضاعفت الإنقلابات أربعة أضعاف مقارنة مع العام الماضي الذي شهد انقلابا واحدا في مالي. وهو الأعلى منذ عام 1980 وأقرب من سنوات السبعينات من القرن الماضي بعدما حصلت عدة دول أفريقية على استقلالها، حيث استولى العسكر والساسة على السلطة، حسبما يقول جوناثان باول الأستاذ المشارك في جامعة فلوريدا المركزية والخبير في الإنقلابات.
وبرر العسكريون الأقوياء انقلاباتهم بسوء إدارة الساسة للحكم والفساد وانتشار الفقر. ويرى خبراء ومحللون أن زيادة عدد الإنقلابات نابع من استعداد القوى الدولية التعاون مع الحكام الديكتاتوريين، وخفف من كلفة تغيير الأنظمة التي حاولت الدول الغربية دعمها في عدد من الدول.
ولدى الصين سياسة “عدم التدخل” في أفريقيا حيث تعتبر القوة المهيمنة هناك، أما روسيا التي تزيد من توسيع تأثيرها عبر صفقات الأسلحة وخدمات المرتزقة من خلا شركة التعهدات الأمنية، مثل فاغنر ودعمت حاكم جمهورية أفريقيا الوسطى. وعرضت فاغنر خدماتها على حكومة مالي وموزامبيق، حسبما يقول مسؤولون غربيون وأفارقة. وتنفي موسكو أي علاقة بشركة فاغنر.
وهددت الولايات المتحدة وفرنسا- الدولة المستعمرة السابقة- والإتحاد الأوروبي بفرض عقوبات مالية وعواقب ضد قادة الإنقلابات. وبعد سيطرة العسكر على الحكم في السودان أعلن إدارة جو بايدن عن تعليق حزمة مساعدات بـ700 مليون دولار. ووجه الإتحاد الأوروبي توبيخا قويا لقادة الإنقلاب لكنه لم يتخذ إجراءات.
وتقول فيرجيني بودياس، الخبيرة بمنطقة الساحل في بمعهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام إن غياب التنسيق والرد القوي شجع القادة العسكريون على البقاء في السلطة. وبالمقارنة فقد واجه قادة الإنقلابات العسكرية بالنيجر في عام 1999 و2010 تخفيضا حادا في الدعم الدولي وأجبروا على التنحي عن السلطة.
وترى الصحيفة أن جذور الإنقلابات لم تتغير كثيرا: اقتصاديات تواجه مصاعب أضعفها سوء الحكم والفساد والتحديات الأمنية المستمرة. كما ولم تكن الديمقراطيات الناشئة في أفريقيا قادرة على مواجهات تداعيات انتشار كوفيد-19 والضغوط التي أحدثها على العناية الصحية بالإضافة لزيادة أسعار الطعام والإنكماش الإقتصادي. وعندما سيطر مامادي دومبويا (41 عاما) الكولونيل السابق في الفيلق الفرنسي على السلطة في غينيا استشهد بكلام جيري رولينغز، العسكري الغاني الذي سيطر على السلطة عام 1981 وقبل أن يشرف على عملية تحول للديمقراطية “عندما تسحق النخبة الشعب فالأمر بيد الجيش لمنحه حريته”.
ولكن القارة شهدت هذا العام، ورغم انتشار الإنقلابات حالات أخرى لتسليم السلطة بطريقة سلمية، في كل من ملاوي وزيمبابوي. وفي نيسان/ إبريل هذا العام قضى الرئيس النيجري محمد بازوم على محاولة انقلابية بعد الإنتخابات ووصل إلى السلطة في أول عملية نقل سلمي في تاريخ البلاد. وقال مامادو يوسوفو، سلف بازوم “لم نعمل على تقوية الرجال الأقوياء ولكن المؤسسات القوية”.
وجاء انقلاب السودان وسط ارتفاع التضخم إلى نسبة 400% ونقص المواد الغذائية والأساسية في بلد يبلغ تعداد سكانه 45 مليون نسمة.
وكان من المتوقع أن يسلم الجنرال البرهان هذا الشهر رئاسة المجلس الرئاسي إلى حمدوك، بحيث يضع المدنيين في المقدمة قبل انتخابات 2023. ودعم بعض المحتجين الجيش بعد تحميلهم الحكومة المدنية مسؤولية المشاكل الإقتصادية مما منح العسكريين المبرر للإنقلاب.
وفي الوقت نفسه تحاول مصر تعبئة الدعم الدولي ضد سد النهضة العظيم الذي تخشى مصر أن يخنق حصتها من مياه النيل. وقبل الإنقلاب، وصل مدير المخابرات المصرية عباس كامل إلى الخرطوم ومقابلة الجنرال البرهان لكنه تجاهل حمدوك.
ولم يكن المصريون مرتاحين لقيادة حمدوك، وبخاصة موقفه المنفتح على إثيوبيا في موضوع السد وتردده في تعميق العلاقات مع إسرائيل كحليف قوي بعد تطبيع العلاقات العام الماضي. وقال كامل للبرهان “يجب أن يذهب حمدوك”، وذلك بحسب مستشار للحكومة السودانية.
وقام فيلتمان بجولات محادثات مكوكية بين البرهان وحمدوك على أمل منع انهيار العملية الديمقراطية. وقال فيلتمان لاحقا “لم يكن هناك أي تلميح في المحادثات عن عملية استيلاء محتملة للجيش” على السلطة. وبعد رحيل فيلتمان قام البرهان بحل المجلس السيادي في وقت بدأت فيه الولايات المتحدة والإتحاد الأووبي نزع فتيل الأزمة وتعيين رئيس وزراء جديد، حسب مستشار الحكومة السودانية ومسؤول أمني أوروبي.
صحافة : وول ستريت جورنال: أفريقيا تشهد العصر الذهبي في الإنقلابات ومصر لم تكن راضية عن موقف حمدوك من السد والتطبيع!!
05.11.2021