انطلاقا من قناعاته بأن اتفاقية أوسلو صارت ميتة، يقول ديفيد هيرست، رئيس تحرير موقع ميدل إيست آي البريطاني، “إنه من الواضح بشكل مؤلم أن احتمال إنشاء دولة فلسطينية إلى جانب دولة تعرف نفسها على أنها يهودية، هو صفر”.
ويشير هيرست إلى وجود 700 ألف مستوطن إسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية، ويرى أنه ليس هناك في الأفق السياسي الإسرائيلي أي استعداد لإزالتهم ، بل على العكس تماما، فإن عمليات الضم متسارعة سواء من جانب ما تؤيده مجموعة واسعة من النخبة السياسية الإسرائيلية من الوسط إلى اليمين، أو على النحو الذي يعتزم القيام به الحزب الديني الموجود حاليا في دفة القيادة.
هذا الواقع أدى، برأي الكاتب، إلى فقدان السلطة الفلسطينية شعبيتها ومعناها. ويضيف أن تحقيق حل الدولتين صار بعيد المنال رغم الدعوات الدولية المتكررة لذلك بما فيها مواقف الأمم المتحدة والولايات المتحدة والصين والهند، وروسيا وكل دولة أوروبية.
أما السبب برأيه فهو أن اتفاقية أوسلو تستخدم كآلية لدعم الدولة الواحدة (إسرائيل) التي تستمر في الوجود والتوسع، حيث تم ترسيخ سياسة دعم الحق الحصري في السيادة لشعب واحد فقط في هذا الصراع عبر إجراءات مثل الجدار العازل والطرق وحواجزها التي تقسم الضفة الغربية إلى عدد لا يحصى من السجون.
اتفاقية أوسلو تستخدم كآلية لدعم الدولة الواحدة هي إسرائيل التي تستمر في الوجود والتوسع حيث تم ترسيخ سياسة دعم الحق الحصري في السيادة لشعب واحد فقط
سلطة فلسطينية مشلولة
ويضيف هيرست أنه بالمقابل يتم الإبقاء على السلطة الفلسطينية المشلولة على قيد الحياة، من قبل إسرائيل التي ليس لديها نية لاستئناف المفاوضات. ولأنه من مصلحة الدولة اليهودية الآخذة في التوسع أن تكون السلطة الفلسطينية باقية في مكانها، فطالما السلطة موجودة، ستبقى الحدود الشرقية هادئة، حيث إسرائيل هناك هي الأكثر ضعفا… وليس من مصلحة إسرائيل أن تحل السلطة الفلسطينية لأن لها دورا رئيسيا في الحفاظ على أن يكون الاحتلال غير مؤلم للمحتل قدر الإمكان.
ويضيف ديفيد هيرست في مقالته قائلا: “كان اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل في عام 1993 بمثابة كارثة للقضية الوطنية الفلسطينية. ومع وجود أوسلو، لا يمكن أبداً أن تكون هناك حكومة وحدة وطنية تتألف من ممثلين عن كافة الفصائل الفلسطينية”.
لكن بالنسبة لإسرائيل فإن العكس هو الصحيح إلى حد ما. فقد ارتفع عدد الدول التي تعترف بإسرائيل من 110 دول عام 1993 إلى 166 دولة اليوم، ويمثل ذلك 88% من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. وقد زاد عدد المستوطنين في الضفة الغربية أربعة أضعاف، من 115 ألفاً إلى 485 ألفاً، باستثناء القدس الشرقية … لقد اختفى حق العودة كمطلب”.
ويسأل الكاتب “هل كان من الممكن أن تؤدي أوسلو إلى إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة؟” ثم يجيب “أشك في ذلك”.
جيل جديد من المقاومة يتشكل بسرعة
ليس من مصلحة إسرائيل أن تحل السلطة الفلسطينية لأن لها دورا رئيسيا في الحفاظ على أن يكون الاحتلال غير مؤلم للمحتل قدر الإمكان
وبرأي الكاتب، أنشأت أوسلو نموذجا لجعل الاحتلال غير مؤلم قدر الإمكان للمحتل. السؤال هو كم من الوقت سيبقى الوضع كذلك، في حين أن النار تحت أقدام المحتل تستعر بقوة كما كانت دائما.
ويضيف أن “جيلا جديدا من المقاومة يتشكل بسرعة، وهو أيضاً رد فعل على اتفاقية أوسلو التي لم تعط أي دور للفلسطينيين الذين لم يغادروا عندما تم إعلان قيام إسرائيل كدولة. لقد أصبح فلسطينيو عام 1948 الآن جزءا لا يتجزأ من القضية الوطنية الفلسطينية، وكذلك سكان القدس أيضا. واعتبارا من عام 2021، أصبح الشعب الفلسطيني واحدا مرة أخرى.
ويوضح ديفيد هيرست رؤيته هذه بالقول “لقد تعلم الذين لم يكونوا قد ولدوا عام 1993 أن أوسلو لن تحررهم، وهم ينخرطون اليوم في مقاومة مباشرة وهم على علم تام بأنهم تعرضوا للخذلان من المجتمع الدولي والقيادة التي أخذتهم إلى أوسلو.
ثم يسجل الكاتب أنواعا أخرى من المقاومة عندما يقول “ولا تقل أهمية عن ذلك المقاومة السلبية التي أبداها المزارعون في تلال جنوب الخليل، أو شعفاط في القدس، أو في أي مكان يرفض فيه الفلسطينيون مغادرة أراضيهم تحت ضغط لا يطاق من المستوطنين والجيش (الإسرائيلي). ولا يهم عدد المستوطنات الموجودة إذا رفض الفلسطينيون المغادرة.
ويشير الكاتب، بالمقابل، إلى استعار الصراع الإسرائيلي الداخلي على السلطة. ويقول إنه “مع تعمق الاحتلال، تظهر انقسامات عميقة بين المحتلين، إذ إن أتباع إسحق رابين يفقدون السيطرة على المجتمع الإسرائيلي.
ثم يختم بالقول “إنه قبل أوسلو، كانت هناك روايتان: واحدة فلسطينية والأخرى إسرائيلية، ولكن الآن هناك ثلاث روايات على الأقل إذ هناك معركة مميتة تدور بين الصهيونية الليبرالية والحركة الدينية القومية وهذا صراع على السلطة من أجل السيطرة على إسرائيل.
موقع بريطاني: اتفاقية أوسلو ماتت.. وجيل جديد من المقاومة الفلسطينية يتشكل بسرعة!!
07.09.2023