أحدث الأخبار
الثلاثاء 10 كانون أول/ديسمبر 2024
الصلح الأسري يجعل ريف مصر بلا طلاق!!
بقلم : أحمد حافظ ... 05.11.2024

**تحظى الأسرة الموسعة بمكانة خاصة في الريف المصري ما يجعل تدخلاتها للصلح بين الزوجين فعّالة. وقد ساعدت التدخلات على الحد من نسب الطلاق في الأوساط الريفية، أين يرتقي الانفصال إلى مرتبة المحرمات الأسرية، فلا يجوز للرجل أن يفعل ذلك دون العودة إلى أهله وتقديم مبررات موقفه. ومن النادر في البيئات الريفية أن يقع الطلاق بين الشريكين دون تدخل مسبق من عائلتي الزوج والزوجة.
القاهرة - عكست إحصائية حكومية في مصر عن معدلات الطلاق بين الريف والحضر مدى مساعدة التدخلات العائلية وجلسات المصالحة على تحجيم نسب الانفصال في المناطق الريفية إلى الحد الأقصى ما ترتبت عليه ندرة أحكام الطلاق في تلك البيئات وانخفاضها لتكون بنسبة 1.5 في المئة، مقابل 98.5 في المئة بالحضر.
لم تقدم الإحصائية الرسمية أسبابا ودراسات ميدانية حول تراجع أحكام الطلاق في المناطق الريفية إلى هذا الحد، لكن الواقع على الأرض يشير إلى جملة من المسببات على رأسها أن العائلة ترفض بشكل مطلق أن تصل العلاقة بين الزوجين إلى حافة الهاوية باتخاذ قرار الانفصال بين الزوجين إلا للضرورة القصوى.
ومن النادر في البيئات الريفية أن يقع الطلاق بين الشريكين دون تدخل مسبق من عائلتي الزوج والزوجة والسير في طريق إبرام عدة مصالحات يقودها أشخاص موثوق بهم، من الأقارب أو حتى الغرباء الذين يُنظر إليهم بقدر كافٍ من التوقير والتقدير والاحترام، بحيث يقودون عملية المصالحة وترميم العلاقة الزوجية.
ورغم أن محمود السيد، وهو شاب يقيم في ريف محافظة البحيرة شمال القاهرة، كان على حافة الطلاق ووصلت علاقته بزوجته إلى طريق مسدود فإنه لم يكن بوسعه أن يفعل ذلك دون استشارة أسرته وأقاربه، وقادت جلسات الصلح المتكررة إلى وقف الطلاق وعودة الزوجين إلى حياتهما الطبيعية دون منغصات.
قال الشاب لـ”العرب” إن “العائلة، من هنا وهناك، اجتمعت بشكل عاجل لتبحث المشكلة وطرق حلها، واستمعت إليه وزوجته، وبعد فترة من الخلافات بدأت العلاقة تترمم من جديد، واقتنع الزوجان بعدم الوصول إلى مرحلة الانفصال مهما كانت الأسباب، ومن وقتها لم تتكرر المشكلة التي كادت تنسف العلاقة”.
الطلاق في المناطق الريفية يرتقي إلى مرتبة المحرمات الأسرية، فلا يجوز للرجل أن يفعل ذلك دون العودة إلى أهله وتقديم مبررات موقفه
وأضاف السيد أن “الطلاق في المناطق الريفية يرتقي إلى مرتبة المحرمات الأسرية، فلا يجوز للرجل أن يفعل ذلك دون العودة إلى أهله وتقديم مبررات موقفه، ولا المرأة نفسها يحق لها طلب الطلاق دون الذهاب إلى أسرتها وشرح أسباب ذلك، وفي الحالتين لا تقتنع العائلة هنا وهناك بأن الحل في الانفصال مهما كانت طبيعة المشكلة”.
على النقيض من ذلك قادت الاستقلالية الواضحة لدى شباب وفتيات المناطق الحضرية إلى اتخاذ قرارات الانفصال بعيدا عن العائلة، وقد يحدث الطلاق أولا ثم يتم إبلاغ أسرة الزوج والزوجة بما حدث، وهو عكس ما يحدث في البيئات الريفية حيث يُترك قرار الطلاق للعائلة بعد استنزاف طرق الحل الودية.
وبناء على تلك الحالات يمكن استنتاج أن جميع التدخلات الأسرية في حياة الزوجين ليست كلها شر أو تقود إلى تسريع وتيرة المشكلات، بقدر ما تكون التدخلات بمثابة المنقذ الحقيقي للعلاقة الزوجية من الانهيار لأسباب أغلبها لا ترتقي إلى وصول حياة الشريكين إلى الانهيار وتظل العبرة في توقيت وآلية التدخل وأهدافه الحقيقية.
ويرى متخصصون في العلاقات الأسرية بالقاهرة أن انخفاض أعداد الطلاق في الريف يعود إلى الترابط الاجتماعي الموجود بين سكان تلك المناطق، حيث يعرف الناس بعضهم البعض إلى درجة جعلت الطلاق غير موجود في قاموسهم الأسري، عكس بعض سكان الحضر الذين يمارسون الاستقلالية العائلية التي تحول دون التدخل لإنقاذ حياة الزوجين من الانهيار.
ولفت هؤلاء المتخصصون إلى أن انحسار دور العائلات في حل المشاكل والنزاعات الأسرية بين الأزواج في الحضر يوسع دائرة الطلاق، ويصعب فصل ذلك عن تفكك الكثير من العائلات وعدم الاعتراف بعقلائها وكبارها، على عكس المناطق الريفية التي تظل تلك العادات والتقاليد معمولاً بها، ما ينعكس على انخفاض نسب الطلاق.
سكان الريف المصري يتعاملون مع استمرار العلاقة الزوجية كفريضة مجتمعية، ولا يمنحون الرجل والمرأة رفاهية الطلاق
وقالت عنان حجازي الباحثة المختصة في شؤون العلاقات الأسرية بالقاهرة إن “أهم ما يميز العائلة في المناطق الريفية أنها تتعامل مع العلاقة الزوجية بنوع من القدسية، وهو ما يظهر في ارتفاع معدلات الزواج في الريف مقارنة بالحضر، لذلك من الصعب للغاية أن تسمح للشريكين بأن تصل بينهما العلاقة إلى حافة الانهيار مهما كانت الأسباب”.
وأكدت في تصريح لـ”العرب” أن “هناك تشويها لتدخلات العائلة في حياة الزوجين، لكن لا بديل عن وجود عقلاء من الأسرة للفصل في النزاعات التي تقود إلى الطلاق، ولا يعني ذلك أن التدخلات العائلية كلها سلبية، بقدر ما يبرز دورها عند وجود مشكلة عصية على الحل، ويفترض أن يكون ذلك ثقافة أسرية لا تقتصر على الريف فقط”.
ولفتت إلى أن سكان الريف المصري يتعاملون مع استمرار العلاقة الزوجية كفريضة مجتمعية، ولا يمنحون الرجل والمرأة رفاهية الطلاق، وهذه ميزة لا تتعلق بمستوى التعليم أو الظروف المعيشية، لكنهم نشأوا على أن الرجل لا يستطيع أن يعيش دون امرأة والعكس صحيح، وهذا الفهم غير موجود بالقدر ذاته عند بعض سكان الحضر.
وبناء على ذلك يمكن استنتاج أن كل تدخل عائلي وقت المشكلات الزوجية مهما بلغت درجته، يساعد على الحد من أزمة الطلاق، لأن الخلاف قد ينتهي بزوال السبب نفسه، أو يكون الشريك بحاجة إلى من يتحدث إليه ومعه، ويسعى لحل المشكلة بطريقة سهلة وبسيطة بعيدا عن التعقيد.
وهناك أزواج في الريف أو الحضر، لاسيما في السنوات الأولى من العلاقة، يكونون بحاجة إلى تدخل عائلي من العقلاء لتعريفهم بكيفية التعايش وعبور الأزمات دون الوصول إلى الطلاق باعتبار أن الانفصال لن يكون حلا، بل بداية لأزمات أخرى أكبر، وهو ما يستهدفه المصلحون في الأسرة داخل الريف تحديدا.
وتظل الميزة الأهم في التدخلات العائلية التي يُستعان خلالها بعقلاء الأسرتين أن كل طرف منهما لا يكون حريصا على مصلحة قريبه، بقدر ما يهتم أولا باستمرار الاستقرار الأسري وإن أدان هذا القريب، لأنه يُعلي من قيمة العلاقة ويتجنب أن تصل إلى طريق مسدود، عكس بعض الأسر في الحضر التي تنتصر لمن يخصها، سواء الشاب أو الفتاة، وإن انهارت العلاقة.
ومهما بلغت المشكلات الأسرية مداها، فإن انخفاض معدلات الطلاق في ريف مصر يقود إلى حقيقة هامة مفادها أن النسبة الأكبر من الراغبين في الانفصال يرفضون الوصول إلى مرحلة انهيار الأسرة، لكنهم بحاجة إلى تدخل من أطراف لها ثقة ومصداقية وبلا مصلحة لتعديل قراراتهم وإنارة بصيرتهم إلى الصواب، ما يفرض تحول تدخلات العائلة وقت الخلافات من حالات تقتصر على الريف لتصبح ثقافة أسرية في المجتمع، لأن حلول الحكومة للأزمة لم تفض إلى نتائج ملموسة.

*المصدر : العرب
1