أحدث الأخبار
الجمعة 03 كانون ثاني/يناير 2025
تشريع لأقباط مصر يساوي في الميراث ويوسع قاعدة الطلاق!!
بقلم : أحمد حافظ ... 31.12.2024

**ينتظر أقباط مصر أول قانون للأحوال الشخصية للمسيحيين في تاريخ البلاد منذ أن طُرحت الفكرة الأولى له عام 1977. وسيعالج القانون الجديد الكثير من المسائل التي تخص حياتهم الزوجية والأسرية كالميراث والارتباط بدءا من مرحلة الخطبة مرورا بالزواج وانتهاء بالطريقة التي يمكن بها إنهاء العلاقة بالطلاق. وسيصبح بإمكان الأقباط الاحتكام إلى عقيدتهم بعيدا عن تسيير حياتهم الزوجية والاجتماعية وفق نصوص إسلامية.
القاهرة - انتهت الكنائس المصرية بالتنسيق مع وزارة العدل من إعداد قانون الأحوال الشخصية للأسر القبطية ليقترب أصحاب الديانة المسيحية في مصر من الاحتكام إلى عقيدتهم بعيدا عن تسيير حياتهم الزوجية والاجتماعية وفق نصوص إسلامية، في ما يتعلق بالميراث، حيث يقر مشروع القانون الجديد المساواة بين الجنسين في الميراث.
وأعلن مستشار الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وعضو مجلس النواب المصري منصف نجيب سليمان عن توقيع وزارة العدل والطوائف المسيحية المعترف بها في مصر، على مشروع قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين، ليكون الأول من نوعه في تاريخ البلاد منذ أن طُرحت الفكرة الأولى له عام 1977.
يمثل وجود تشريع يخص الأقباط وينظم أحوالهم الأسرية ضربة قاصمة لتيار متشدد اعتاد الوقوف ضد أي محاولة من جانب الحكومة والكنائس المصرية، لتحرير المسيحيين من الاحتكام إلى الشريعة الإسلامية في الكثير من القضايا، خاصة المرتبطة بالميراث، إذ يُحرم الإسلام المساواة بين الرجل والمرأة.
واستندت الحكومة إلى الدستور المصري في منح خصوصية للأحوال الشخصية للمسيحيين لمواجهة الأصوات المتشددة، لأن الدستور ينص على أن شرائع المسيحيين هي المبدأ الرئيسي في تشريعات الأحوال الشخصية الخاصة بهم، ولذلك تركت السلطة للطوائف المسيحية حق صياغة بنود القانون والاتفاق عليه.
*مشروع القانون الجديد يعالج الكثير من الأزمات التاريخية للأسر المسيحية (القبطية)، والتي أصبحت تثير منغصات عديدة للأزواج والأبناء
يحظى مشروع قانون الأسرة المسيحية بدعم من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وهو من كلّف الحكومة بالتعاون مع الكنائس لتشكيل لجنة تضم خبرات قانونية وقضائية متخصصة في قضايا الأسرة لإعداد التشريع الذي ينظم العلاقات الزوجية والاجتماعية للأقباط، استجابة لمطالبهم في هذا الشأن.
وأكد تسليط الضوء الإعلامي اللافت للنظر خلال الفترة الأخيرة على مشروع قانون الأسرة المسيحية رغبة الحكومة في تهيئة الرأي العام، من المسلمين والأقباط، لبدء مناقشة البرلمان للقانون، مع شرح مزاياه وأهدافه، وأنه لا يمس المسلمين في شيء، بل يستهدف تنظيم علاقات المسيحيين فقط.
ويعالج مشروع القانون الكثير من الأزمات التاريخية للأسر المسيحية (القبطية)، والتي أصبحت تثير منغصات عديدة للأزواج والأبناء، بدءا من مرحلة الخطبة مرورا بالزواج وانتهاء بالطريقة التي يمكن بها إنهاء العلاقة بالطلاق، بعيدا عن الاستناد إلى أسباب قديمة لم تعد مناسبة للعصر، وبعيدة كليّا عن طموحات العائلة المسيحية.
يتابع الأقباط مستجدات مشروع القانون عن كثب، لأنهم ضاقوا ذرعا بالتشريعات القديمة التي كبّلت حياتهم الأسرية، سواء أكانت مرتبطة بأحكام الشريعة الإسلامية أم تلك التي سبق وأن أقرتها الكنائس طوال سنوات مضت، وعلى رأسها تقييد الطلاق ووضع شروط تعجيزية لتحقيقه، وهناك طوائف لا تسمح بالانفصال من الأساس.
وليس سهلا على أي زوجين مسيحيين في مصر أن ينفصلا إلا وفق آليات تحددها كنيسة الطائفة التي ينتمي إليها الزوجان، فالكنيسة الأرثوذكسية تحظر الطلاق إلا بسبب الزنا أو تغيير الملة بالانتقال إلى طائفة أخرى تكون أكثر مرونة في مسألة الطلاق، أما الكنيسة الكاثوليكية فإنها تحظر الطلاق تماما.
التوسع في مبررات الطلاق يمثل انتصارا تاريخيا للأزواج المسيحيين، لأن هناك مسببات حديثة طرأت على العلاقات الاجتماعية
وإذا أراد زوجان كاثوليكيان أن ينفصلا، لا يكون أمامهما سوى الانفصال الجسدي، دون طلاق رسمي يسمح لهما بالزواج من جديد، كما أن إثبات الزنا كشرط للطلاق واجه صعوبات بالغة لتوثيقه كدليل يُعطي للطرف المتضرر الحق في أن يطلب الانفصال وتوافق له الكنيسة على ذلك.
وعالج القانون الجديد أزمة الطلاق بالمزيد من المرونة، حيث حل أزمة إثبات الزنا من خلال الأخذ بالرسائل والصور والمحادثات الإلكترونية التي تثبت ذلك للحصول على الطلاق، مع التوسع في أسباب بطلان الزواج، كأن يحدث غش في العقد، أو تعرض أحد الزوجين لخديعة ويكتشفها بعد العلاقة الزوجية.
وكما الحال بالنسبة إلى المسلمين، فإن الانفراجة في أسباب الطلاق طالت الأخذ باستحالة العشرة أو الهجر الزوجي، وإمكانية الطلاق بسبب الإلحاد، للزوج أو الزوجة، وهي مبررات معمول بها أيضا في قوانين الأحوال الشخصية عند المسلمين، ورأى مشاركون في إعداد القانون أنه لا يجب أن تظل هناك معاشرة بالإكراه.
يمثل التوسع في مبررات الطلاق انتصارا تاريخيا للأزواج المسيحيين، لأن هناك مسببات حديثة طرأت على العلاقات الاجتماعية، بينها المعنوي، بما قد يؤدي إلى جمود الحياة بين الشريكين، ورغم ذلك لا يُسمح لأي منهما بالانفصال، ما قد يدفعه إلى الهجر هربا من سجن الشريك، حتى انتشرت ظاهرة الطلاق الصامت.
واعتاد الكثير من أقباط مصر اللجوء إلى محاكم الأسرة للفصل في قضاياهم، لأنها أكثر مرونة من القواعد المعمول بها ولم تعد مناسبة للعصر، ويكفي أن عدد قضايا طلاق المسيحيين في المحاكم وصل إلى 270 ألف حالة طلاق، وفق تصريحات سابقة للمحامي القبطي نجيب جبرائيل عضو لجنة إعداد قانون الأسرة المسيحية.
وقال نجيب جبرائيل لـ”العرب” إن قانون الأحوال الشخصية للأقباط سوف يحل أغلب مشاكلهم المرتبطة بالطلاق تحديدا، حيث يتضمن شروطا أكثر مرونة تتناسب مع مستجدات العصر، كأن يُسمح للزوجين بالافتراق بعد ثلاث سنوات عند حدوث واقعة الهجر، ولم يكن لديهما أبناء، وخمس سنوات إذا أنجبا.
وأضاف عضو لجنة إعداد القانون أن شروط الطلاق القديمة، مثل علة الزنا أو تغيير الطائفة، تسببت في أزمات كثيرة، وأصبحت هناك مافيا لشراء الشهادات المزورة بادعاء تغيير الطائفة، لكن القانون الجديد ألغى الطلاق لسبب تغير الملة، ووضع بنودا جديدة لإثبات الزنا بإقرار “الزنا الحكمي”، وهو كل فعل يدل على الخيانة مثل الرسائل والمكاتبات الورقية وسفر الزوجة مع أحد الأشخاص والمبيت معه، كذلك الرجل.
ولفت إلى أن بطلان عقد الزواج كان لسببين فقط، هما الغش في بكارة الزوجة والعجز الجنسي، لكن التشريع الجديد استحدث أسبابا أخرى لبطلان العقد، وأقر بأن كل ما يحمل غشا يبطل الزواج، ولو كان الغش مرتبطا بالشهادة التعليمية، أو اكتشاف الزوجة إصابة شريكها بمرض مزمن، وكل ذلك سيحل إشكالية الطلاق.
ويرى مؤيدون للتشريع الجديد أنه يمثل صفعة للكثير من الذكور المسيحيين الذين كانوا ينهبون ميراث النساء ويتحججون بأنه لا مساواة في الإرث لأن الاحتكام في هذا الملف يكون للشريعة الإسلامية لغياب النص التشريعي الذي يحكم مواريث غير المسلمين، وإذا أنصف القضاء المسيحية ومساواتها مع أشقائها، يتم الطعن من جانب الإخوة بعدم دستورية الحكم ويتمسكون بالحصول على إرثهم بالشريعة الإسلامية.
وما أعطى دفعة قوية للاهتمام بقانون الأسرة المسيحية أن الطوائف القبطية نفسها بدت متوافقة أكثر من أي وقت مضى لإنجاز التشريع دون تعقيدات، لأن الحكومة تتمسك بعدم الدخول في تفاصيل القانون وتركت الطوائف تضع نصوصه بشكل توافقي، لكن الخلاف في بعض وجهات النظر كان سببا في تعطيل القانون.

1