أحدث الأخبار
الاثنين 28 تموز/يوليو 2025
1 2 3 41378
التعلق بالأبراج حاجة نفسية لا تعترف بالدراسات العلمية!!
28.07.2025

ساد اعتقاد شائع بأن تاريخ الميلاد قد يؤثر على الشخصية والاختيارات في الحياة والمصير رغم توالي الدراسات التي فندت هذا الاعتقاد، غير أن التعلق بالأبراج والطالع يبدو أكثر ارتباطا بالكثير من الناس من العلم بسبب احتياجاتهم النفسية وتعلقهم بأي أمل.
** تشغل ملاحقة الأبراج ومتابعة الطالع الكثير من الأشخاص على أساس علاقتها المباشرة بتاريخ الميلاد الدقيق وتأثيرها على الشخصية والمصير والمستقبل، غير أن دراسة حديثة تنسف هذه الفرضية ومعتقدات الكثير من المؤمنين بالأبراج وعلم الأعداد، الذين غالبا ما يلجؤون إليها لحاجة نفسية.منذ زمن بعيد، انتشرت أغنية شعبية إنجليزية تعرف بـ”طفل الاثنين” تربط بين يوم ميلاد الشخص ومصيره، حيث زعمت أن مواليد كل يوم من أيام الأسبوع يتمتعون بصفات محددة. فبحسب الأغنية التي تعود للقرن التاسع عشر، يكون طفل الاثنين حسن المظهر، وطفل الثلاثاء أنيقا، بينما يوصف طفل الأربعاء بالتعاسة، وطفل الخميس بأن أمامه طريق طويل. أما مواليد الجمعة فيتميزون بالكرم، ومواليد السبت بالاجتهاد، في حين يوصف مواليد الأحد بالسعادة والطيبة.وظل هذا الاعتقاد ينتقل عبر الأجيال، ما دفع باحثين من جامعة يورك إلى التحقق من صحته علميا. وكشفت دراسة علمية حديثة نشرتها مجلة “جورنال أوف بيرسوناليتي” عن حقيقة مدهشة تنسف اعتقادا شعبيا ظل راسخا لأكثر من قرنين من الزمان يربط بين يوم الميلاد ومصير الإنسان وشخصيته.واعتمدت الدراسة على تحليل بيانات أكثر من ألفي طفل، في محاولة لاكتشاف أي علاقة حقيقية بين يوم الميلاد وسمات الشخصية أو المظهر أو النجاح في الحياة، لتكشف النقاب عن حقيقة مثيرة تنسف هذا الاعتقاد القديم.وأظهرت نتائج الدراسة أن هذه المعتقدات القديمة لا أساس لها من الصحة. فطفل الأربعاء ليس أكثر عرضة للحزن من غيره، كما أن طفل الاثنين ليس بالضرورة أكثر جمالا. وتحيل الدراسة مباشرة إلى عالم الأبراج الذي يعتمد على تاريخ الميلاد ويجد الكثير من المغرمين به، خصوصا في العالم العربي.
وهناك اعتقاد شائع بأن تاريخ الميلاد له علاقة ببعض جوانب الشخصية، ويُعرف بعلم الأعداد أو علم الأبراج. ويعتمد على فكرة أن الأرقام والتواريخ لها دلالات رمزية وأنها قد تؤثر على سمات الشخصية والسلوكيات والاتجاهات الحياتية.ويربط علم الأعداد بين الأرقام وتاريخ الميلاد وبين صفات الشخصية. فعلى سبيل المثال، قد يرى البعض أن الشخص المولود في يوم محدد يتميز بصفات معينة مثل القيادة أو الإبداع أو الدبلوماسية، بينما يربط علم الأبراج بين تاريخ الميلاد وعلامة الأبراج الفلكية، والتي يُعتقد أنها تؤثر على الشخصية. وعلى سبيل المثال، قد يرى البعض أن الأشخاص المولودين تحت علامة برج الحمل يتميزون بالشجاعة والمبادرة، بينما يتميز مواليد برج الثور بالصبر والعملية.ويعتقد البعض أن تاريخ الميلاد قد يؤثر على اختياراتنا في الحياة، مثل اختيار المهنة أو شريك الحياة. وقد يميل الشخص إلى اختيار أشياء تتوافق مع أرقامه المفضلة أو مع صفات برجه. وهناك أيضا اعتقاد بأن ترتيب الشخص بين إخوته (الأكبر، الأصغر، الأوسط) قد يؤثر على شخصيته. وقد يختلف توقعات المجتمع ودور كل شخص داخل الأسرة باختلاف ترتيب الميلاد.
لكن على الرغم من أن هذه الاعتقادات قد تكون ممتعة ومثيرة للاهتمام، إلا أنه لا يوجد دليل علمي قوي يثبت وجود علاقة مباشرة بين تاريخ الميلاد والشخصية. وقد تكون هذه المعتقدات مجرد تفسيرات ثقافية أو نفسية لتجاربنا الحياتية، ولا يجب أن نعتمد عليها بشكل قاطع في تحديد شخصيتنا أو شخصيات الآخرين.وفي الواقع، خلص الباحثون إلى أن أغنية “طفل الاثنين” المرتبطة بهذه المعتقدات ليست سوى “ترفيه” دون أي تأثير حقيقي على حياة الأشخاص.وتعود أصول هذه الأغنية إلى عام 1836 على الأقل، عندما نشرتها الكاتبة الإنجليزية آنا إليزا براي في كتابها “تقاليد ديفونشاير”. وعلى الرغم من مرور نحو قرنين من الزمان، لا تزال هذه الأبيات الشعرية عالقة في الأذهان إلى درجة أن الناس ما زالوا يصفون مواليد أيام معينة بناء على ما ورد في الأغنية. لكن الدراسة الجديدة تؤكد أن يوم الولادة في الأسبوع لا علاقة له بتحديد شخصية الفرد أو مستقبله.وللوصول إلى هذه النتائج، اعتمد الباحثون على بيانات شاملة جمعت من أكثر من 1100 عائلة لديها توائم في إنجلترا وويلز، حيث تم تتبع نمو الأطفال من سن الخامسة حتى الثامنة عشرة. وقام الفريق بتحليل يوم ميلاد كل طفل وربطه بسمات الشخصية المختلفة التي قد تتوافق مع أبيات الأغنية.وعلى سبيل المثال، فسروا “المحبة والعطاء” على أنها السلوك الاجتماعي الإيجابي، بينما ربطوا “العمل الجاد” بالاجتهاد في الدراسة والحياة العملية. أما الجمال الخارجي (“حسن الوجه” كما ورد في الأغنية) فقد تم تقييمه بشكل مستقل من قبل أشخاص غير مرتبطين بالدراسة.
وبعد تحليل شامل، لم يجد الباحثون أي دليل علمي يدعم الفكرة القائلة بأن يوم الميلاد يؤثر على شخصية الفرد أو مظهره أو نجاحه في الحياة. فالعوامل الحقيقية التي تؤثر على تطور الطفل، كما تبين من الدراسة، هي أمور مثل المستوى الاجتماعي والاقتصادي للأسرة، وجنس الطفل، ووزنه عند الولادة، وليس اليوم الذي ولد فيه. ومع ذلك، يعترف الباحثون بأن دراستهم لم تغط جميع التفسيرات المحتملة لأبيات الأغنية. فبعض العبارات مثل “مليء بالنعمة” يمكن فهمها بعدة طرق، سواء كانت تشير إلى النعمة البدنية في الحركة أو النعمة الأخلاقية في التعامل مع الآخرين. كما أن عبارة “طريق بعيد أمامه” قد تعني إما مستقبلا واعدا أو رحلة شاقة في الحياة.ويرى متابعون أن هذه الدراسة لن تؤثر على الكثيرين الذين يجدون عزاءهم في ملاحقة مستقبلهم وحظوظهم في الأبراج لأن “الغريق يتعلق بقشة” فيلجأ هؤلاء إلى متابعة ما تقوله أبراجهم يوميا، وكأنهم بانتظار معرفة تفاصيل مجريات الأمور المتوقعة لليوم بطوله، إما تفاؤلا أو تشاؤما، ثم ربط الأحداث التي أخبرها بهم برجهم في هذا اليوم، ومنهم من يترقبون معرفة حظهم طوال العام، متابعين صدور كتب علماء الفلك المفضلين لديهم بداية كل سنة.
ويشتكي العديد من الناس من سوء حظهم بالمجمل، سواءً في كسب المال، أو الحصول على فرص العمل، أو الحب والزواج، وغيرها من الأمور، مرجعين هذه النتائج إلى تاريخ ميلادهم وإلى أي الأبراج ينتسبون، وأن الفلك هو من يسيّر حياتهم ويعطيها من الحظوظ إما الوفرة أو القلّة، والفتيات والنساء هم الأكثر تعلّقا وقراءة للأبراج أكثر من الرجال.وقبل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، كان قسم الأبراج مقدسا في معظم الصحف اليومية، ويُقدَّم في صورة جدول صغير يعطي نحو نصف سطر لكل برج، لذلك كان اهتمام معظم الناس مُنصبا فقط على هذه الفقرة القصيرة جدا، ومن أراد التعمق منهم، كان عليه شراء أحد كتب الأبراج من باعة الجرائد.لكن مع انتشار الإنترنت، وما تلاه من ثورات التواصل الاجتماعي، أصبح الأمر على درجة من العمق، وبدلا من نصف سطر تمكّن كل الناس من أن يتعلّموا صفحات كاملة عن صفات أبراجهم الطبية والسلوكية وموقفهم في العلاقات مع الأصدقاء أو الأقارب والأحباء، كذلك انتشرت تطبيقات الأبراج على الهواتف الذكية، التي تُقدِّم لك تفاصيل برجك الفلكية أو ما يسمى “خارطة المولد”، وتُنبِّهك بتنبؤات يومية مُفصَّلة مبنية على مواضع النجوم والكواكب، ومن جانب آخر انتشرت الاستشارات المتعلقة بهذا الأمر عبر الرسائل في منصات عدة بداية من واتساب إلى ماسنجر.
وهذا كان سببا في انتشار أكبر للأبراج اليوم، خاصة أن الجرائد الورقية كانت عادة نطاق اهتمام فئات عمرية تبدأ من الثلاثينات، أما الآن فتوجد صور مناسبة لكل الأعمار تقريبا من توقعات الأبراج، خاصة فترة المراهقة، وفي هذه الفئة العمرية الحائرة تحديدا فإن عالم الأبراج هو وسيلة مثالية للتعرف على ملامح الشخصية، وعلى الجنس الآخر كذلك، حديث بسيط يبدأ بـ “ما برجِك؟” يمكن أن يطول لساعات، خاصة لو كانا البرج نفسه.لكن على الرغم من ذلك فإن طبيعة العصر الرقمي تُتيح الأبراج وخدماتها بشكل أكبر للناس مقارنة بالجرائد والمجلات، لكن هذا لا يُفسِّر إقبالهم عليها. ويطرح ذلك ظاهرة غريبة في الحقيقة، عمر الأبراج نحو 2500 سنة وما زالت تلقى قبول الناس بصورة أكثر كثافة من ذي قبل، وعلى الرغم من أن العلماء فنّدوا هذه الظاهرة في أكثر من موضع، فإن ذلك لم يُقلِّل من انتشارها.
وسبق أن أجريت دراسات عديدة عن علاقة الشخصية بتاريخ الميلاد وأثبتت جميعا عدم وجود أي ارتباط بينهما، فعلى سبيل المثال، تجربة شون كارلسون، الفيزيائي بمعمل لورنس باركلي للفيزياء، سنة 1985، وانضم إليها 28 مُنجِّما من ذوي الشأن، وتقوم التجربة على فكرة دراسة 100 حالة بتحديد مواعيد ميلادهم بدقة ورسم الخارطة التنجيمية الخاصة بتموضع الشمس والقمر والكواكب لحظة ميلاد كلّ منهم، بعد ذلك أُجريت اختبارات نفسية مُفصَّلة لشخصيات هؤلاء الأفراد المشاركين في التجارب.ووضعت هذه البيانات، بدون أسماء عليها، أمام المُنجِّمين، وطلب إليهم توفيق أبراج الأشخاص مع الاختبارات النفسية الخاصة بهم. نُشِرت الدراسة في الدورية الشهيرة “نيتشر” لتؤكد أن ادعاءات المُنجِّمين لم تكن نتائجها في كل حال من الأحوال أكبر من نتائج المصادفة البحتة. لم يستطع المُنجِّمون أن يُوفِّقوا بين ملفات الاختبارات الشخصية وتواريخ الميلاد.وفي تجربة أخرى قام بها متخصص علم الاجتماع الكمِّي ديفيد فاوس، حينما قرّر أن يبحث عن أي أثر لأهمية الأبراج في نتائج 10 ملايين حالة زواج في بريطانيا، سواء بالاتفاق أو التنافر، حسب ما تقوله كتب التنجيم وتتفق عليه عن الأبراج التي يُفضَّل أن تتوافق في العلاقات مع بعضها، لكنه للأسف لم يحصل على شيء، أنثى الأسد إذن قد تصلح أو لا تصلح للزواج من رجل العقرب، الأمر يتوقف على الكثير من الأشياء بالطبع، لكن الأبراج ليست أحدها.
من جانب آخر، فإن الجوانب النفسية يمكن أن تعطي فهما أقرب للحقيقة حول انتشار الأبراج، كما أن أول ملاحظة في عوالم الأبراج هي الكلام الواسع أو الفضفاض، إذ تقول على سبيل المثال إن الحمل له قلب طيب لا يستطيع الكُره، حيث يمكن أن يُسامح أعداءه بعد سلسلة من الضرر المتكرر، وأن الأسد مبدع وعاطفي وإيجابي في تعاملاته، وأن العذراء وفيّ وحكيم وعاقل، وكلها صفات يمكن أن تنطبق على أي شخص بدرجة ما سواء كانت كبيرة أو صغيرة، لكنْ هناك حيلتان نفسيتان تجعلان الأشخاص يؤمنون بأن تلك هي فعلا سماتهم.الأولى هي تأثير بارنوم، أو تأثير فورير، ويقول إن معظم الناس يميلون إلى قبول أي وصف فضفاض للشخصية على أنه يصفهم بدقة، دون أن يُدركوا أن هذا الوصف نفسه يمكن أن ينطبق أيضا على أي شخص آخر.أما الحيلة النفسية الثانية فهي “النبوءة المُحققة لذاتها”، وتعني التنبؤ الذي يجعل من نفسه صحيحا بشكل مباشر أو غير مباشر، مثل أن تقول لزميل لك قبل اختبار القدرات في إحدى الجامعات مثلا إنك تعرف أنه سيرسب، هنا سيتولّد لديه شعور شديد بالخوف من الرسوب، فيتسبّب ذلك في حالة توتر تمنعه من الانتباه في الاختبار فيرسب بالفعل. رسوبه لم يكن بسبب أنك توقّعت ذلك، لكن لأنك دفعته لكي يرسب بالفعل.وصدرت دراسة صغيرة قديمة في دورية “بيرسوناليتي آند إندفيدوال ديفرانسز” أشارت إلى أن الناس يميلون إلى اللجوء إلى المُنجِّم وتنبؤاته أثناء مرورهم بدرجات من القلق الناتج عن مشكلات في العمل أو العلاقات، وبالتالي يمكن أن نتوقَّع أن الأمر – على مستوى اجتماعي كلي – يمكن أن يرتبط بالظرف المجتمعي الراهن.


1