أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
إسقاط الوصاية الأبوية عند الزواج يصطدم بالعرف الأسري!!
بقلم : أحمد حافظ ... 24.11.2024

تجاوزت دار الإفتاء المصرية التقاليد وأباحت للمرأة الزواج دون ولي أمر، حيث أقرت بأنه يجوز للمرأة أن تعقد زواجها بنفسها طالما كانت بالغة عاقلة وتُدرك ما تفعل. ويرى داعمون لهذه الفتوى أن إرغام الفتاة من جانب عائلتها على الزواج من شخص لم تختره أو تقبل العيش معه لمجرد الوصاية لن يؤسس لحياة أسرية مستقرة.
القاهرة - تخلت دار الإفتاء المصرية عن تحفظها وسمحت للمرأة بأن تتزوج دون ولي، في تغير لافت لموقف المؤسسة الدينية التي اعتادت فرض الوصاية الأسرية على الفتاة في المسائل المرتبطة بالزواج، لكنها اقتنعت أخيرا بحق كل سيدة أن تكون وصيّة على نفسها وتختار من يكون شريكا لها، وتُبرم عقد الزواج بلا تدخل أحد في حياتها.
أقرت دار الإفتاء بأن موضوع الولي في عقد الزواج لم يُحسم بشكل كامل من جانب الفقهاء، بالتالي يجوز للمرأة أن تعقد زواجها بنفسها إذا كانت بالغة عاقلة وتُدرك ماذا تفعل، ومن المهم أن تختار زوجا كفؤا ويكون المهر مناسبا لمستوى عائلتها، بما يحفظ كرامتها وحقوقها ويؤمن مستقبلها الأسري والاجتماعي.
ظلت المرأة التي تتزوج بلا ولي أمرها في مصر موصومة بتوصيفات قد تؤثر على سمعتها، وهناك من ينعتها بالمتمردة لأنها قررت الاستقلال بذاتها وتختار من يناسبها بعيدا عن تدخلات الأهل أو وصاية الأقارب والاستسلام للعرف والتقاليد.
ويرى داعمون للفتوى أن إرغام الفتاة من جانب عائلتها على الزواج من شخص لم تختره أو تقبل العيش معه لمجرد الوصاية يصعب أن يؤسس لحياة أسرية مستقرة، وكان لابد من تدخل شرعي في القضية طالما أن الكثير من الأسر المتدينة بالفطرة اعتادت الطعن في أي زواج لا تلجأ فيه المرأة إلى ولي أمرها.
ويبني هؤلاء وجهة نظرهم على أن العلاقة الزوجية تقوم على التفاهم والتوافق النفسي والعاطفي والاستعداد للتضحية من أجل حياة سعيدة، وهي معايير لا تتوافر عند إجبار المرأة على الزواج من شخص معين، أو يُترك خيار تحديده لأفراد أسرتها بعيدا عنها.
وأصبح يحق للفتاة أن تتزوج من الشاب الذي ترغب فيه ولو رفض وليها، أو الوصي عليها، وإن كان أحد أقاربها في عدم وجود الأب، بما ينسف مفهوم الوصاية الذي اعتادت الكثير من الأسر استخدامه لتبرير حرمان الفتاة من الزواج بشاب معين، بدعوى أنه لا يناسبها من حيث المستوى العلمي والاجتماعي والسن.
وظل تدخل الآباء في تحديد هوية شريك الحياة للفتاة أحد الطقوس العائلية المتوارثة، رغم ما يسببه ذلك أحيانا من انهيار للعلاقة الزوجية قبل أن تبدأ أحيانا، أمام تمسك أغلب الفتيات بإرضاء آبائهن ولو على حساب سعادتهن، حيث يكن مضطرات إلى القبول بشريك من اختيار الأسرة، ولو عن غير قناعة.
تزداد خطورة وجود ولي على الفتاة عند الزواج وقت الخلافات التي تقع بين الأب والأم، إذا وصلت العلاقة بينهما إلى طريق مسدود دون وقوع الطلاق الرسمي، حيث يرفض الأب المشاركة في زواج ابنته أو الوصاية عليها، وقد تتم عرقلة إجراءات الزواج بسبب غياب الولي أو امتناعه عمدا عن الظهور في الصورة.
وهناك فتيات يُرغمن على الطاعة العمياء لآبائهن بسبب ضغوط الأزمة الاقتصادية وعجزهن عن تجهيز أنفسهن للزواج دون مساعدة أولياء أمورهن، رغم التدخلات الفجة في اختياراتهن المرتبطة بشريك الحياة، وهي إشكالية تعاني منها بعض الفتيات، حيث صار الاعتماد على دعم الولي أساس إتمام الزواج.
وتكمن المعضلة في أن فتوى الزواج دون ولي من الصعب تطبيقها حرفيا في البيئات الريفية والقبلية والشعبية، لأنه ليس سهلا على أي امرأة أن تتمرد على رب الأسرة وتمضي في إتمام علاقة زوجية من دون رضاء الأب، بعكس المرأة التي تعيش في بيئة اجتماعية متحضرة لا تقدس العادات والتقاليد والأعراف.
وتبقى العبرة في استفادة المرأة من فتوى إسقاط الوصاية الأبوية عليها عند الزواج، بأن تكون أكثر شجاعة وجرأة في مواجهة نظرة العائلة والمقربين والمجتمع المحيط بها عموما، لتقرر اختيار راحة نفسها بعيدا عن النظر إلى الآخرين، وهي الثقافة التي لا تتمتع بها الكثير من الفتيات في مصر.
وحذرت مؤسسة الأزهر من تدخل الآباء في زواج الأبناء واعتبرته نوعا من العقوق تجاه أولادهم، وهناك من رجال الدين من أباح للأبناء الحق في رفض الضغوط الأبوية عند الزواج لأنها تؤدي إلى تأزم العلاقة بين الأبناء وأسرهم، وبينهم وبين شركاء الحياة.
وجزء من المشكلة أن البعض من أرباب الأسر في مصر يغيب عنهم أن اختيار الفتاة لشريك الحياة بنفسها يكرس التوافق الفكري والوجداني بين الطرفين، عكس رفض الزواج لأسباب واهية ترتبط بالمستوى الاجتماعي أو التعليمي، بما يقود إلى تدني مستويات سعادة واستقرار الابنة بعد الزواج من شخص لا تقبله.
ويعتقد متخصصون في العلاقات الأسرية أن تدخل جهة الفتوى لإنصاف المرأة في الزواج دون وصاية أبوية يضع حدا لتعنت بعض أرباب الأسر مع بناتهن وقت الزواج، المهم أن يقتنع كل أب بأن الفتاة لا يجب أن تظل طوال الوقت أسيرة لوصاية، أو غير مؤهلة للاختيار وتحتاج إلى من يرشدها أو يرسم لها الطريق الصحيح.
وإذا كان إرضاء ولي الأمر عند اختيار الفتاة لشريك حياتها أمرا مطلوبا، فذلك لا يُعطي للآباء الحق في فرض وجهات نظرهم أو وصايتهم بشكل يتعارض مع ثقافة الأجيال الجديدة من الفتيات، لأن الكثير منهن أصبحت لديهن القدرة على اتخاذ القرارات المناسبة التي تخصهن، وكل منهن لديها احتياجات محددة في الشريك.
وقالت الاستشارية الأسرية في القاهرة عنان حجازي إن زواج المرأة دون ولي ثقافة حديثة على المجتمع من الصعب تطبيقها على نطاق واسع لأنها تحتاج إلى شجاعة استثنائية من الفتاة، وهي تمثل رسالة لكل أسرة بمراجعة نفسها لتكون مرنة عند اختيار الابنة لشريك حياتها بعيدا عن الوصاية المطلقة.
وأشارت لـ”العرب” إلى وجود تدخلات أسرية فجة عند زواج الأبناء تجعل صلاحية العلاقة الزوجية لأبنائهم محدودة، وبالمثل، فإن عدم الأخذ برأي الأهل عند اختيار الشريك خطأ في أحيان كثيرة، فمثلا لا يجب أن تتزوج الفتاة عرفيا دون علم أسرتها بدعوى أنها لا تحتاج إلى ولي، مع أن الزواج العرفي يعرض مستقبلها للخطر.
ومن المهم استطلاع رأي الأسرة في الشريك لكن يكون الاختيار والقرار للابنة، لأنها أصبحت لها حسابات ومواصفات معينة في الشاب، ما يفرض على الآباء أن يقتنعوا بأن الوصاية على الفتاة عند الزواج خطأ، وتركها حرة تماما خطأ، فقد لا يكون لديها من الوعي الذي ينقذها من زواج محفوف بالمخاطر.
وبقطع النظر عن اقتناع الأغلبية الأسرية بموقف مؤسسة الفتوى من عدمه، لكنها دقت ناقوس الخطر من استمرار تعامل الآباء مع الوصاية أو الولاية بشكل خاطئ، دون مرونة أو وسطية تحفظ لهم مكانتهم كأرباب أسر، وتعطي بناتهم الحق في تقرير المصير، قبل التورط في زيجات غير مرغوب فيها وتنهار قبل أن تبدأ.

1