أحدث الأخبار
الخميس 21 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
متى نتحرر من عقلية البسوس؟!
بقلم : د. فيصل القاسم ... 14.09.2024

للأسف الشديد لم يتغير شيء في عادات العرب منذ حرب البسوس عام 534 ميلادي، ولمن لم يسمع بتلك الحرب، فقد تداولت كتب التاريخ أنّ سبب اندلاعها هي ناقةٌ؛ حيث كانت هذه الناقة ترافق ابنة منقذ في زيارةٍ لمضارب بني بكر وكانت قد توجّهت إلى بئرٍ يعود لقبيلة تغلب لتروي ظمأها، وكانت هذه اللحظة بمثابة شرارة للحرب؛ حيث قام كُلَيب بقتل هذه الناقة كونها شربت دون إذنه. عند بلوغ النبأ إلى خالة جسّاس «البسوس بنت المنقذ» غضبت غضباً شديداً لمقتل ناقتها، وأمرت ابن أختها الجسّاس بأخذ ثأرها من قبيلة تَغلُب وذلك بقتل ملك القبيلة كُليب، وبالفعل أقدم الجسّاس على قتل كُليب ليأتي الزّير سالم أبو ليلى المُهلهل ويقود حرباً جديدةً انتقاماً لمقتل أخيه كُليب وتمكّن من الفوز، واشتدّ القتال بين القبيلتين لمدة أربعين عاماً. كل ذلك بسبب ناقة. ولو نظرنا اليوم إلى العقلية العربية بشقيها السياسي والاجتماعي نجد أن العرب لم يبرحوا بعد عقلية «البسوس» في تصرفاتهم السياسية والاجتماعية، إذ يكفي أن يختلف عربيان حول قضية سياسية معينة حتى يتحول الخلاف إلى حرب شعواء بين الطرفين، مع أن العرب أنفسهم يرددون دوماً القول المأثور الجميل: «الخلاف لا يفسد للود قضية» لكن الحقيقة أن أبسط خلاف بين العرب يتحول إلى «بسوس» جديدة.
لا أدري لماذا يقدس العرب الرأي السياسي وكأنه مُنزل، ويدافعون عنه بنواجذهم كما لو أن الباطل لا يأتيه من بين يديه ولا من خلفه. ولو أردت أن ترى «حرب البسوس» بأبشع صورها اليوم، فقط متّع ناظريك بالصراعات الهائجة المائجة بين العرب على مواقع التواصل الاجتماعي. قلما تجد حواراً هادئاً موضوعياً رزيناً بين المعلقين، فهم مستنفرون دائماً لامتشاق سيوفهم الصدئة للرد على تعليق بسيط بوابل من الشتائم والمسبات والكلمات النابية. حاول اليوم أن تكتب تغريدة أو منشوراً في منصة (X) حول قضية ما وستنهال عليك عشرات لا بل مئات الردود أحياناً لمجرد أن رأيك لا يطابق تماماً الرأي المطلوب ترويجه وتعميمه على المواقع. وإذا مثلاً كان لديك ملاحظة بسيطة على هذه القضية أو تلك، فتصبح فوراً في ردود المعلقين صهيونياً عميلاً خائناً جاسوساً مندساً مرتزقاً تقبض بالدولار من (الموساد) و(السي آي أي).
*مما يزيد ويؤجج الخلافات والصراعات اليوم على الأثير الإلكتروني دخول ما بات يُسمى «الذباب الإلكتروني» على الخط فيشن حملات شعواء محقونة بكل أنواع البذاءة والرداءة والسقوط الأخلاقي على المختلفين بالرأي والمستهدفين
ما أسهل أن يخرجوك من الملة بلمح البصر فقط لأنك تختلف معهم في الرأي وفقط لأن لديك بعض التحفظات على هذه القضية أو تلك أو ذلك المسؤول أو ذاك. لا تنتظر منهم غير التخوين والتكفير إذا لم تجار رأي القطيع بالكمال والتمام، حتى لو كتبت من قبل ألف تغريدة ومنشور لصالحهم، فبمجرد أن خرجت شعرة واحدة عن وجهة نظر القطيع تصبح مرتداً وخائناً، ويجب التعامل معك على أنك عدو مبين. وتبدأ حملات الردح والشيطنة والتشويه، مع العلم أن المهاجمين أنفسهم كانوا قبل أيام فقط يعتبرونك من «عظام الرقبة». لكن بمجرد أنك اختلفت معهم بالرأي بشكل طفيف جداً، فأنت الآن في خانة الأعداء. واحمد ربك إذا لم تصلك تهديدات بالقتل. ومما يزيد ويؤجج الخلافات والصراعات اليوم على الأثير الإلكتروني دخول ما بات يُسمى «الذباب الإلكتروني» على الخط فيشن حملات شعواء محقونة بكل أنواع البذاءة والرداءة والسقوط الأخلاقي على المختلفين بالرأي والمستهدفين. هل يا جماعة الخير يحتاج الأمر إلى كل هذا التجييش والتحشيد والتشهير والاستعداء بسبب خلاف بسيط جداً في وجهات النظر؟ لماذا لا نتعلم من الأمم التي تعمل فعلاً بالقول العربي المأثور: «الخلاف لا يفسد للود قضية»؟ والمضحك في الأمر أن العرب وضعوا ذلك القول وتركوا الغير يعملون به، فلو مثلاً استمعت إلى المناوشات والصراعات بين أعضاء وممثلي الأحزاب داخل البرلمانات الغربية، لظننت أنهم سيذبحون بعضهم بعضاً بعد الخروج من قاعة البرلمان، لكن الجميل أنهم يخرجون معاً إلى حانة المجلس ليشربوا البيرة معاً، وليتبادلوا النكات والأحاديث الودية، وكأن شيئاً لم يحدث، مع العلم أنهم مختلفون سياسياً حتى النخاع، وبينهم ما صنع الحداد من خلافات حادة ليس في وجهات النظر فحسب، بل في السياسات أيضاً. أما (الهوشات) التي نشاهدها في بعض الجمعيات الوطنية، فهي غالباً ما تحدث في بلدان محسوبة على فسطاط التخلف. ماذا تستفيدون بربكم من استعداء المعلقين وإرهابهم لأتفه الأسباب؟ هل تعتقدون أنكم بذلك ستردعونهم وتؤدبونهم، أم ستستفزونهم ليتحولوا فعلاً إلى أعداء حقيقيين لكم؟
وبالطبع لا يمكن أن نلوم الغوغاء في مواقع التواصل وهم يكفرّون ويخوّنون ويتهمون بعضهم بعضاً بالعمالة للصهاينة وغيرهم دون أن نتذكر أن قادتهم وزعماءهم هم من نفس الطينة الفاسدة المتخلفة، وكما هو معروف فإن «الثلم الأعوج من الثور الكبير». وكلنا يعلم ماذا يحدث عندما يقع خلاف بين نظامين عربيين، فينشران غسيلهما الوسخ على الملأ فوراً، ويقطعان العلاقات ويوقفان التعاملات التجارية والاقتصادية ويمنعان مواطنيهما من زيارة البلد الآخر، بينما تجد الكثير من الخلافات بين الدول التي تحترم نفسها، لكنها لا تلجأ إلى أية إجراءات تعسفية صادمة، بل تُبقي الخلاف في دائرته الضيقة، كي لا يتحول إلى حرب من نوع ما.
متى سنتحرر من عقلية داحس والغبراء وعبس وذبيان وبكر وتغلب يا ترى؟

1
ياسر ابو مريفة
16.09.2024 - 17:19 

يخرب بيتك اكثر من اثار حروب البسوس و داحس والغبراء هو انت يافيلص باتجاهك المعاكس