ايتها الغاليه... كنت اعتقد , ايتها الغاليه, ان الايام حين تمر سوف تبلسم قليلا من الجرح... ولكن يبدو لي الان انني اشتد تهاويا كشئ أفرغ من تماسكه على حين فجأه فهو لايعرف ماذا يقيمه. ان كل يوم يمر يحفر في صمودي صدعا لا يُعوض, وكل لحظه تصفع وجهي بحقيقة امر من حقيقة.. اليوم صباح صعدت الدرج راكضا وحين شارفت نهايته احسست بقلبي ينشد على ضلوعي ويتوتر حتى ليكاد ينقطع.. اي شباب هذا ؟ اية قيمه تبقى يا عزيزه؟ اية قيمه؟ لماذا اسير اكثر الى الامام ؟ اي شئ يلوح كالشبح في ظلمة سوادها اقتم من ضمير طاغيه, اي شئ افدته من حياتي كلها ..نعم , اي شئ ؟... ولكنني كنت اعيش من اجل غد لا خوف فيه.. وكنت اجوع من اجل ان اشبع في ذات يوم .. وكنت اريد ان اصل الى هذا الغد.. لم يكن لحياتي يوم ذاك اي قيمه سوى ما يعطيها الامل العميق الاخضر بان السماء, لايمكن ان تكون قاسيه الى لا لحدود. وبأن هذا الطفل , الذي تكسرت على شفتيه ابتسامة الطمأنينه, سوف يمضي حياته هكذا , ممزقا كغيوم تشرين, رماديا كأودية مترعه بالضباب, ضائعا كشمس جاءت تشرق فلم تجد افقها ..!![ غسان كنفاني.. *في جنازتي .. دمشق 1959.. " القصص القصيره : الاثار الكامله .. المجلد الثاني.. بيروت 1987"].
خاطره ... طائر ألافق ...
24.03.2009