في طفولتي الاولى كنت احلم ان يصبح لنا بيتا واسع وحقول كثيره وانعام ومال كثير وحين دخلت الى الحياه اصبحت احلم بموت السوادي. اذكر انني كنت اتي الى امي باكيا واسألها بحرقه: لماذا السوادي يمتلك كل شئ والقريه لا تملك شيئا؟! فتضمني الى صدرها وتمسح شعري وتسرح بعينيها بعيدا وعندما الح عليها بسؤالي تنفث في محاوله للتخلص من اسئلتي المتلاحقه:.. الذي يمسك بالقلم لايكتب اسمه في زمرة الاشقياء!!.. من يومها قررت ان اتعلم, وان اختم المصحف فانتظمت في حلقة قراءة القرأن عند السيده امنه وكنت احاول جاهدا ان اتفوق على اقراني الا ان قدوم يوم الخميس يشعرني دائما انني لن امسك القلم في يدي . ففي ذلك اليوم تقف "سيدتنا" فوق رؤوسنا قبل بدء الدرس وتُطالب ب "الخميسيه"[ الخميسيه: هي يوم الخميس ومن كان يقرأ في الكُتاب فغنه يدفع لمعلمه او معلمته مبلغا ماليا في نهاية كل اسبوع والذي يوافق يوم الخميس], ومن لم يأتي بنقوده معه يغادر الحلقه بصمت ولا يعود الا بها .. وكان معظم زملائي اللذين لا يقدرون على جلب الخميسيه يغادرون الحلقه دون ان يتفوه احد منهم بشئ الا انا اقف امامها متوسلا:اكسبي ثوابا بتعليمي فنحن فقراء ليس لدينا نقود. ...كانت تدفعني كل مره الى خارج الحلقه وحين تكرر وقوفي امامها اشترطت عليَ ان اعمل عندها مقابل تعليمي فانهمرت دموعي فجأه, واخبرتها.. وهي تعرف ذلك...انني وما ان اخرج من الحلقه حتى التحق بالسوق للحصول على لقمة لاخوتي المنتظرين في البيت, فتناولت عصاها الغليظه وقرعت رأسي بشده وامرتني ان اغادر الحلقه, ولكنني بقيت واقفا انثر دموعي, واترحمها ان تبقيني. واقترحت عليها ان اعمل عندها اثناء الدرس*.. فوافقت بعد ان امطرتني بشتائم لا قبل لي بها وكنت ما ان انهي قراءتي حتى اخرج للتعليف برفقة من لايقدر على دفع " الخميسيه" وكان الويل لنا إن عدنا بعلف لا يكفي لبهائمها اللتي لا تمل من المضغ, وكان العقاب يختلف حسب اهمية اسرة كل مننا, ووفق ارتباطها مع امهاتنا...[عبده خال.. رواية : الموت يمُر من هنا..ص 154 ..2007 ]!!
خاطره .. " الخميسيه"...سند..
22.09.2009