في صباح أحد الأيام الجميلة-وكعادتهن- خرجت النحلات من المملكة بحثا عن رحيق الأزهار، وكان من تقاليد هذه المملكة أن تبقى بعض النحلات لأعمال التنظيف والحراسة وترتيب شؤون المملكة. وكانت النحلات يتبادلن الأدوار من وقت لآخر.
السرب الذي خرج في ذلك اليوم تجاوز السهول والوديان بحثا عن الأزهار، حيث وصلوا إلى سهل فسيح مليء بالورود من كل نوع، انتشرت النحلات بنشاط وحيوية في هذه الطبيعة الساحرة تتنقلن من زهرة إلى أخرى.
في المساء عادت النحلات باتجاه المملكة التي كانت مبنية في كهف جبلي وسط الغابة الغناء، كانت النحلات منهكات من التعب، وما أن اقتربن من الكهف شاهدن سربا من الدبابير الحمراء تحاصر مملكة النحل وتغير عليها، وفي الجوار تنتشر جثث بعض النحلات. في هذه اللحظة أصابهن الفزع والخوف:
-"إلهي ماذا نفعل مع هذه المصيبة؟!" قالت إحدى النحلات.
وقالت أخرى:
_" هذه الدبابير ستقتلنا نحلة نحلة."
وبدأت بعض النحلات بالبكاء، وسيطر الخوف على أخريات، أما النحلة الذكية فانتفضت وقالت بلهجة قوية:
-" إن البكاء لا ينفع وإن الخوف لا يفيدنا بل يزيدنا جبنا.. يجب أن نمنع هذه الدبابير من الاقتراب من مملكتنا."
فقالت نحلة متحمسة:
-" نعم يجب أن ندافع عن مملكتنا."
وقالت أخرى:
-كيف؟
فأجابت ثالثة:
نجمع شملنا ونهاجمهم الآن.
فردت إحدى النحلات الكبيرات في السن:
-" ولكن هذا انتحار لأنكن تعلمن أن الدبابير أقوى منا."
فردت إحدى النحلات الشابات:
-"وماذا نفعل إذاً؟!"
فقالت النحلة الكبيرة:
-"نتحدث معهم ونطلب منهم أن يتركوا الخلية مقابل قليل من العسل.. خاصة وأن الخلية فيها صغارنا وعسلنا وإذا هاجمناهم سوف نخسر كل شيء."
فقالت النحلة الذكية:
-"وإذا كانوا سيتركونها بهذه البساطة فلماذا غزونا أصلا؟!..اسمعي يا صديقتي أنا أعرف الدبابير، إنهم لا يقبلون بأقل من العسل كله!"
ومع ذلك كانت تدرك أن محاربة الدبابير أمر ليس سهلا، فهي تعرف مدى قوتهم وبطشهم. وهنا قالت الذكية بلهجة حزينة:
-"حسنا سوف نرسل بعض النحلات وعلى رأسهن النحلة الكبيرة ليتفاوضوا مع الدبابير."
ارتفعت بعض الأصوات احتجاجا:
-"إما أن نعيش بكرامة وإما أن نموت دفاعاً عن مملكتنا."
اختلفت الآراء وتفاوتت بين النحلات..لكن الذكية قاطعتهم:
-" اسمعوا .. الموت في سبيل المملكة شيء جميل لكن الأجمل أن نعيش من أجلها.. أنا أرى أن نفاوض الدبابير أولا، فإذا لم تنجح هذه المفاوضات فلكل حادث حديث."
أعجبت النحلات بالفكرة، وتطوعت النحلة الكبيرة مع مجموعة أخرى من النحلات وطرن باتجاه المملكة المحاصرة لمفاوضة الدبابير. قال الدبور القائد:
-" سنترك لكم الخلية مقابل ما فيها من عسل."
ردت إحدى النحلات:
-" لقد أمضينا وقتاً طويلاً وسهرنا الليالي في جمع الرحيق وصنع العسل..لتأخذوه بكل هذه السهولة!"
رد الدبور:
-"هذا لا يهمني..المهم العسل..كل العسل"
قالت نحلة:
-"ولكن هذا يتعارض مع قوانين الغاب!"
امتعض الدبور من فلسفتها فرد متعجرفا:
-"وهل القوانين تنص على أن تنعموا أنتم بالعسل ونحن محرومون منه؟!"
ردت النحلة وهي تحاول أن تخفف من شدة الموقف:
"ما رأيكم لو تنازلنا لكم عن نصف العسل وتغادروا؟"
فهز الدبور رأسه وقال:
-" مؤقتا وسننظر في الأمر غدا."
أخذ الدبابير نصف العسل وغادروا، وقال كبيرهم:
-"سنعود في الغد."
وهكذا انتهى الموقف في ذلك اليوم، ونامت النحلات مكدودات من التعب، أما النحلة الذكية فلم تذق طعم النوم، وهي تفكر في كيفية مواجهة الأمر، كانت تعرف أن المفاوضات مع الدبابير مضيعة للوقت، وبالمقابل كانت تعرف أن المواجهة معهم أمر عسير، فهم أقوى وأسرع وأكثر عدة وعددا.
في الصباح تجمعت النحلات في ساحة المملكة حول النحلة الذكية، كانت كأنها اتخذت قراراً فوقفت على قمة عالية وقالت:
-"إذاً ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة. .ولكن يجب أن نفكر بطريقة ذكية .. نحن أصحاب الحق كما أننا نتصف بالصبر والذكاء والمثابرة.إننا سنفاوض ولكننا في نفس الوقت سنحارب."
خاطره .. قصه: الدبابير تريد العسل كله...أنس أبو عريش
13.01.2010