1غربة2
سَأم من تعاقب الفصول ، قال : سأجمعها على طريقتي الخاصة في يوم واحد ، تناول شيئا خارج نطاق الخدمة ، وسار في الشوارع العامة يسخر من المارة في هيئة فصولهم الأربعة...
2
سَأم من تشابه الحكام وتعاقبهم جيلا إثر جيل ، ذهب إلى أبعد مكان في العالم ، ومازل يرطن بلغة لن تستقيم على لسانه الأعجمي، فقد استجاب دماغه أخيراً
وإلى اليوم لا يدري إن كانت العلة في عقله أو لسانه ...
3
سَأم من بحثه عن امرأة مختلفة ، فقد تشابهت كل النساء ، بعد الليلة الأولى من تعرق غزير...
تداول مع صديق يشاطره نفس المشكلة وحينما نظر أحدهما للآخر
طفقا يضحكان ملىء فوادهما في طريقهما إلى الجزع
حتى افترقا...
4
كان ينظر إلى الأطفال على أنهم أقلّ حيلة من كبار السن ، فشرع بتعليمهم أصول الحكمة
وبعد الحصة الدراسية الأولى ، استسهل المهمة ، لكن صغير ابنائه التف عليه في فترة الإستراحة بسؤال أذكى من سنه ِ:
بابا من خلق الله ؟
فأجابه بضميرٍ يرتجف بعد أن دق الجرس
ليست الطبيعة....
5
كان صغير العائلة يسألهُ كثيراً عن معنى الوطن ، وكلما أجابه يعيد تكرار نفس السؤال .
لم يجد حرجاً من سؤال نفسه :
لابد أن إجابتي لم تك وافية وإلاّ ما معنى تكرار نفس السؤال ؟
6
يتذكر حينما كان صغيراً ، كثيراً ما كان والده يُفضل الدواء الأجنبي على الدواء المحلي
أثناء مرضه ، وحينما كبر وسافر إلى دول أجنبية ، عرف العلة في ذلك :
كان المواطنون في بلاد الغربة لا يقيمون وزنا لأمرالحكام ، فتقلصت الفجوة أقرب ما يكون ، بعدما تلاشت الحيلة في صندوق الضمائر.
7
تناول قنينة الماء ليدلقها في جوفه دفعة واحدة ، كان صديقه الهندي ينظر اليه ، اقترب منه ولقنه بعض تعاليم بوذا بخصوص ضوابط الروح فيما يتعلق بشرب الماء
حينما رجع إلى بيته ، قص الحكاية على ولده الصغير باستغراب ، فما كان له غير جواب حاذق قصير :
بابا الم يخلق الله جميع البشر من تراب ؟
8
حينما ضاقت به السبل وقد طوقته صحراء روحه من كل حدب وصوب ، هرب إلى البحر
جلس أمام الأمواج الزرقاء المتلاطمة ، وما أن تنفس الصعداء لهنيئة التقاط الأنفاس حتى دفعت عيناه مئات الثعابين وهي تسعى في رمال البحر على شكل أسراب دموع...
9
سألهُ طفله الصغير عن سبب ملازمته البيت وامتناعه عن الخروج
فلم يجد غير جواب صغير
لكي لا تلوثني الرياح !
فعانقني وهو يبتسم ، كأنهُ فهم أمري...
10
بين الجامع والمسجد خمسون خطوة
فكرة أن يجمع بينهما في سابقة لم يسبقه اليها الكثير
كانت المسافة بين الحانة والكنيسة أقل من عشرين
لقد أعياه التعب في صراع الأخوة الأعداء حتى أعوج بِهم...
11
عاد إلى البيت قلقاً ، حاول الجميع إرضائه بشتى الوسائل ، لكن محاولاتهم باءت بالفشل
عندها قفز أصغر ابنائه ، أحضر قطتهُ الصغيرة ورماها في حجره
لم يستطع مقاومة دغدغة دفينة أخذت فعلتها لمساج ارتخت معه تشنجاته
نظر لطفله وكأنه يكلم نفسه :
إلى متى ياولدي تصرف وقتك في معاشرة الحيوانات دون البشر
انتبه لدروسك...؟
12
كانت القطة جالسة إلى جواره وتنظر إليه ، حين تلحظ عليه علامات السرور تأتي وتعبث معه كأي صديق لا يعرف معنى الجزع ، وحين تراه واجما تبتعد في سرها لكنها لا تخفي فضولها بذهاب الغمة ، تجلس قبالته كأم حنون تغمض عيناً وتُبقي أُخرى .
ما جعله يُخمن مصير العلاقات الاجتماعية بعد حين من الزمن...
13
- : بابا متى تشتري لي كلب ؟
- : عليك أن تقنع أمك أوّلاً
- : ومتى تشتري لي حصان
- : القوانين لا تسمح بذلك
أنهى جداله العقيم بكيدٍ عصبي :
بابا حينما تموت سوف اشتري كل شيء ...
14
لن أتزوج حينما أكبر .
سألته : لماذا ؟
أجابني وهو يتأمل السماء :
تعلمت منك الآ أتعلق بحب الوطن ، سأطوف العالم دون هوية الأحوال المدنية.
في اليوم التالي اقترح علي تبديل اسمه وكنيته
ففعلتها بضمير مُستأجَر...
خاطره..قصص قصيرة..كريم الثوري
22.10.2010