بقلم : المحامي بديع وسوف ... 30.04.2009
المرأة ليست نصف المجتمع فقط فهي التي تنتج نصفه الآخر أيضا. أي أن مركزها القانوني غاية الأهمية ويكفي لإعتبار مركزها هذا ركنا مهما في أساس الحق وفلسفته الذي تقوم عليه القوانين والتشريعات الوطنية عامة. لذلك يمكن اعتماد حجم الحقوق التي تتمتع فيها المرأة مقياسا لدرجة تطور المجتمع.
فالمرأة بحسب طبيعتها تعتبر (وظيفة عامة ) بالنسبة للمجتمع ويجب على الوطن أن يعطيها امتيازات الوظيفة العامة وحقوقها كي تتمكن من انتاج مجتمع صحيح معافى وهذا يتسق مع فلسفة الحق التي توازن الحقوق بما يتناسب مع أهمية كل مركز قانوني وكمية عطائه لتضع المجتمع على الطريق الصحيحة للتطور والرقي. والمجتع لهذه الناحية كخلية النحل فيه الذكور وفيه الملكة والعاملات واليرقات والعسل وكلها أساسيات في الخلية واعتلال أي مكون منها يعني اعتلال الخلية بالكامل. وهنا إذا اردنا أن نضع قانونا أو لائحة شكر لمكونات هذه الخلية فلا بد لنا من اعتماد قيمة مناسبة للقياس عليها كإنتاج العسل أو الدفاع عن الخلية أو استمرار التوزان بين مكوناتها... فالمرأة محور المجتمع كما عاملات النحل.
وعليه فعلى التشريعات أن تضمن الحالة الصحية للمرأة كي تقوم بدورها كإنسانة ليست بحاجة لوصاية أحد.
فلم يعد بامكاننا الاستمرار في الانغلاق والهروب من الحياة فالعالم أصبح قرية صغيرة ولا بد لنا من الاسهام في ثقافة العالم وعلومه وتقانته ولأجل ذلك علينا أن نبدأ بشكل سليم ونبني مجتمعا معافى من الأمراض والأوبئة التي تفتك بالكبير والصغير , ويحدث هذا عندما نحقق العدالة باعتماد أساس للحق مناسب ليتم عليه بناء القوانين وهذا الأساس حتما هو الأخلاق والفضيلة والضمير التي تحمل البناء القانوني.ومن المهم هنا أن نعلم بأن منظومة الأخلاق تموت موتا سريريا عندما تتحول إلى (اعتقاد نظري) أي تكون موجودة بمنظومتها كشعارات دون أن يكون لها فعل في المجتمع. فالأخلاق تعيش عميقا مع الضمير دون حاجة للتذكير الممل فيها وكأننا عندما نكثر الكلام للتمسك بأهدابها نريد إقناع الآخر فيها وكأننا قيمين عليه إضافة لاتهامه بضعف أخلاقه مع (ثرائنا بها). وهذا وأد لها في مجتمع لم ينسى وأد بناته.. لينظر كل منا إلى اعتلال الدخل وحالة الأرامل واليتامى والنساء والضعفاء في جماعة تهرب لبناء الفضيلة خارج المجتمع.. ولننظر إلى وطن اقام أعضاؤه منظومة الأخلاق أساسا لقوانينهم الوطنية إذ نجد فيه كل ما يسعف الضعفاء فالقانون نصيرا لهم والكل يعيش بكرامة وليس هناك على مستوى معيشة الفرد أزمة كالتي يعاني منها جماعة لم تهتد بعد إلى أساس واقعي لحقوقها. والأهم هنا أن القانون هو قيمة أخلاقية بمعناها العملي فمن الغريب أن نجد من يحارب القوانين الوضعية بحجة دفاعه عن الأخلاق.. فهذا تناقض يرفضه العقل والمنطق.. فمصلحة المجتمع تقضي بإلغاء التمييز بين أعضائه (فالجميع متساوون أمام القانون) رجلا كان أم امرأة فقيرا أم غنيا.... وبالتالي فكل ما يؤدي إلى الإخلال بهذه القيمة الأخلاقية باطل بطلانا مطلقا عندما يصبح طرحه عاما أما على سبيل الأفراد والاعتقاد فكل شخص حر في اعتقاده دون أن يضر بالمجتمع.
وللحساسية الخاصة لعلاقة المجتمع العربي بالمرأة فقد أصدرت الجامعة العربية الميثاق العربي لحقوق الإنسان ونص في العديد من مواده على أهمية إنصاف المرأة باعتبارها مواطنا كامل الأهلية القانونية. ولا نقول بأنه يتوافق مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لأن حقوق الإنسان واحدة بل ما نؤكد عليه بأنه تشريع عربي بكل معنى الكلمة وملزم لكافة الدول العربية ولم يعد من المقبول أن نقول بأن حقوق الإنسان غربية أو أممية فهذا تشريع صادر عن أعلى هيئة عربية. فالفقرة /3/ من المادة /3/ من الميثاق نصت:
3- ((الرجل والمرأة متساويان في الكرامة الإنسانية والحقوق والواجبات في ظل التمييز الايجابي الذي أقرته الشريعة الإسلامية والشرائع السماوية الأخرى والتشريعات والمواثيق النافذة لصالح المرأة وتتعهد تبعا لذلك كل دولة طرف باتخاذ كافة التدابير اللازمة لتامين تكافؤ الفرص والمساواة الفعلية بين النساء والرجال في التمتع بجميع الحقوق الواردة في هذا الميثاق ((.ونصت الفقرة /2/ من المادة /29/ منه على:
2- للدول الأطراف ان تتخذ الإجراءات التي تراها مناسبة وبما يتفق مع تشريعاتها الداخلية الخاصة بالجنسية في تمكين الأطفال من اكتساب جنسية الأم مع مراعاة مصلحة الطفل في كل الأحوال.
ونص بالفقرة /1/ من المادة 33 على حق المرأة والرجل بالتزوج وتكوين أسرة وفق رضائهما رضائا كاملا لا إكراه فيه..) وهذا الرضا يفيد ببطلان الزواج المبكر للفتيات التي لم يصبح لديهن رأي قبل بلوغهن سن الرشد سواء وافق الولي أم لم يوافق لآن النص واضح لجهة الرضا والرضا شخصي لا تجوز فيه الإنابة أو الوكالة أو الافتراض ممن لا يملكه بسبب نقص طارئ في مداركه.
ونصت الفقرة الثانية من المادة /33/ على حماية الدولة للأسرة وأفرادها وحظر كافة أشكال العنف وإساءة المعاملة بين أعضائها وبخاصة المرأة والطفل.
وحماية الأسرة هذه تعني حماية بناتنا القاصرات من عقد زواج غير متكافئ تكون فيه ضحية لحاجة الأهل المادية. سيما عندما يقبل علينا فصل الصيف بمصطافين انتفخت أخلاقهم بأموال النفط ويكون لديه هناك ببلده أسرة أو أكثر. ويشترط ليتزوج هنا أن يكون عمرها 13-14 عاما والمهر مقدم أربعمائة ألف مقبوضة أما المؤخر فقيمته عشرة آلاف ليرة سورية ويتم العقد. وقد يأخذها معه أو يتركها هنا تنتظره إلى الصيف القادم وعندما تهرم هذه الفتاة أي تبلغ السابعة عشر أو الثامنة عشر خريفا من عمرها ينفذ العقد يعطيها المؤخر وتذهب بحال سبيلها... حتما يكون عمر هذا الذكر أكثر من /55/ عاما.
ومن المناسب هنا معاقبة الولي الذي يعضه الندم ولكن بعد فوات الأوان وضياع مستقبل هذه القاصر التي هجرت طفولتها... ولدينا الكثير من هذه العقود الرسمية والتي تعتبر شرعية بنظر البعض أما الحقيقة فهي احتيال على الشرع والقانون توجب المسائلة القانونية.