أحدث الأخبار
الأحد 06 تموز/يوليو 2025
غزة..فلسطين :غزة تموت عطشا.. المياه تختفي في لهيب تموز!!
06.07.2025

تحت أشعة الشمس الحارة التي تلهب تموز الملبد بالرطوبة الخانقة في قطاع غزة، يقف محمد نعيم وأطفاله من خلفه في طابور يمتد لعشرات الأمتار، وبه رجال ونساء من كافة الأعمار، أمام عربة كبيرة تقل على ظهرها صهريج مياه مخصصة للاستخدامات المنزلية، على أمل الحصول على كميات لتكفيه حتى عودة هذه العربة بعد خمسة أيام، ليشابه حاله أحوال غالبية سكان قطاع غزة، سواء النازحين أو المقيمين في منازلهم، بسبب تبعات الحرب التي دمرت البنى التحتية، وفي مقدمتها خطوط وآبار المياه.
محمد الذي يعمل صحافي حر، طاله الكثير من الكد والتعب في رحلات النزوح المريرة التي عاشها مع أسرته منذ بدايات الحرب، كما أثرت الحرب على حالته الصحية، فهو وشقيقه الأصغر يعانيان من مرض مزمن يصيب العظام والعمود الفقري، وقد حرما من العلاج منذ بداية الحرب، ويعانيان في هذا الوقت من تأثيرات المرض الذي يحتاج لجرعات دوائية منتظمة.ويقول للقدس العربي “مضطر للوقوف في هذا الطابور الطويل”، ويتابع “الماء الذي كان يتوفر بكل سهولة في غزة، بات الحصول عليه أمر في غاية الصعوبة”، ويقول وهو يشرح كيفية الحصول على الماء واستخداماته، إن الجميع في غزة اشتاق لمشاهدة الماء ينزل من الصنبور، حيث يضطر الجميع حاليا لاستخدام المياه بكميات مقننة، حتى يكفي مخزونة من الجالونات، الفترة التي لا تصل فيها امدادات المياه إلى منطقة سكنه.ومن أجل موائمة الأمر، تقوم السلطات المحلية بوضع جدول تقوم خلاله بإيصال خطوط المياه التي تعرضت لأضرر كبيرة جراء الغارات الإسرائيلية، لكل حي من أحياء قطاع غزة، مرة واحدة في الأسبوع، كما تضطر للدفع بعربات تقل صهاريج مياه لتزويد المناطق التي لا تصلها الخطوط الناقلة، وهو أمر يلاحظ كثيرا في المناطق الغربية لمدينة غزة، والتي يكثر فيها النازحون في هذه الأوقات، بناء على تهديدات النزوح التي أصدرها جيش الاحتلال الإسرائيلي.ويقطن محمد نعيم وأسر أشقاءه ووالديه في أحد مراكز الإيواء غرب مدينة غزة، بعد أن أجبر مجددا على النزوح من مسقط رأسه بلدة بيت حانون في يوم 19 مارس الماضي، أي في اليوم الثاني لتجدد العدوان، وقد عاد للبلدة في بدايات السماح لهم بالانتقال من مناطق النزوح جنوبي القطاع، وعاش في خيمة نزوح، حيث دمر منزل العائلة، ومن قبل كان يقيم في خيام نزوح في مواصي خان يونس، وقبلها في مدرسة إيواء في مدينة رفح، وخلال تلك الفترة عانى وأسرته والنازحون كثيرا من أجل الحصول على المياه.ويضيف “الحياة من يوم 7 أكتوبر تحولت رأسا على عقب”، ويضيف “ما كان لم يعد موجود، وما أضحينا عليه لم يكن في الخيال”، ويشير إلى أن السكان صبروا على الغارات وعلى الجوع وعلى المرض، لكن أحد لا يستطيع الصير على قلة المياه، ويشير إلى أنهم يضطرون أحيانا لقطع مسافات طويلة لتعبئة جالون مياه، للاستخدامات المنزلية، وقال إن العائلات اضطرت لتخصيص جزء بسيط من الكمية للاغتسال، وجزء أقل لغسل الأواني والملابس.ومؤخرا انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي سيدة مسنة، بدت في العقد الثامن، إضافة إلى أطفال صغار وهم يحملون جالونات مليئة بالمياه، من منطقة التوزيع إلى خيام النزوح، لتلبية احتياجات أسرهم اليومية.وتقول بلدية غزة التي ردت على استفسارات نقص المياه في المدينة، بأن الأمر يعود إلى تدمير الاحتلال لمحطة التحلية، إضافة إلى تدمير الآبار وخزانات المياه، وقد عادت البلدية واضطرت لتقليص خدماتها الأساسية بما فيها المياه، بسبب نقص الوقود المخصص لتشغيل مواتير الكهرباء المخصصة لتشغيل الآبار، وأعلنت أن الأزمة تتفاقم بعد منع جيش الاحتلال طواقمها الوصول لصيانة آبار المياه المتضررة جراء القصف، وحذرت من “أزمة عطش حادة”، مع ارتفاع درجات حرارة الصيف، واستمرار النزوح، وذكرت أن آلاف الأسر شرقي المدينة لا تصلهم المياه منذ أسبوع.
3 لترات يوميا
ويُقدر إجمالي حجم المياه المتوفرة حالياً ما بين 10 و20% من حجم المياه التي كانت متاحة في غزة قبل الحرب، وهذه الكمية غير ثابتة وتخضع لتوفر الوقود، وتقول سلطة المياه الفلسطينية، إن التقييمات الفنية تؤكد أن 85% من منشآت المياه والصرف الصحي في القطاع تعرّضت لأضرار جسيمة بسبب الحرب، وأكدت أن غزة أصبحت “منطقة تموت عطشا”.أما الأمم المتحدة، فذكرت نقلا عن شركائها المحليين، أنه جرى خفض إنتاج المياه بنسبة 20% إضافة للانخفاض السابق، بسبب عدم توفر الوقود، مما يؤثر على استخراج مياه الآبار الجوفية.وفي قطاع غزة ورغم ارتفاعات درجات الحرارة التي تصيب السكان بالتعرق، يحصل الشخص على كمية قليلة من المياه للاغتسال مرة واحدة في الأسبوع، وسابقا أعلنت سلطة المياه، أن كل مواطن في غزة بالكاد يصل إلى 3 لترات يومياً في ظل العدوان المستمر، وأشارت إلى أن كميات المياه تتباين بشكل كبير حسب الموقع الجغرافي، والمياه المزودة، والدمار الذي أصاب البنية التحتية، وعمليات النزوح المستمرة.وذكرت سلطة المياه أن الحد الأدنى من المياه للبقاء على الحياة يقدر بنحو 15 لتراً للفرد في اليوم، موضحة أن قطاع غزة يعاني من أزمة حادة في الحصول على المياه، حتى في ظل الظروف الطبيعية في فترة ما قبل الحرب.
انتشار القمل والمرض
وفي ذات مركز الإيواء المزدحم بالنازحين غربي مدينة غزة، اشتكت سماح وهي سيدة تبلغ من العمر (37 عاما)، من عودة انتشار القمل في شعر طفلتها ذات العشرة أعوام، وترجع السبب في ذلك إلى قلة الاستحمام، وتقول لـ”القدس العربي” إن هذا لم يعد أمرا مخجلا للسيدات، لان الأمر يصيب غالبية النازحين كبارا وصغارا، ورغم اجتهادها في تنظيف شعر طفلتها يدويا، إلا أن الأمر لم يفلح، لاحتياجها إلى منظفات خاصة، وغسل الشعر بشكل منتظم وهو أمر غير متوفر.وسألت “القدس العربي” أحد المشرفين في مركز الإيواء الذي تواجدت فيه السيدة سماح، عن إمكانية المساعدة في ذلك، فرد بالقول “بتنا غير قادرين على المساعدة في جلب الطعام ولا مياه الشرب للنازحين.. كيف يمكننا جلب مواد التنظيف”، وأضاف “المعابر والحصار دمر كل شيء”.وتقول وكالة غوث وتشغيل اللاجئين أكبر المنظمات الأممية التي تقدم خدمات إغاثة لسكان غزة، إن الحرب في غزة تتسبب يبتراكم كبير للنفايات، مما يُسهم في انتشار الأمراض.وهذا الأمر يشابه كثيرا ما يعانيه النازحون والسكان على حد سواء في جميع مناطق قطاع غزة، التي أبقاها جيش الاحتلال بدون أوامر عسكرية للإخلاء، ومساحتها أقل من 20% من مساحة القطاع الضيق، ويعاني هؤلاء أكثر عند محاولتهم الحصول على مياه صالحة للشرب، خاصة بعد تدمير الكثير من محطات التحلية، وتوقف أخرى بسبب نفاذ الوقود، ويظهر ذلك في التزاحم الذي يحصل عند وصول العربات التي تقل هذه المياه إلى مناطق السكن والنزوح، إذا لا يسمح لكل أسرة إلا بتعبئة جالون واحد فقط.
شرب الماء بقدر معين
ومع ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف يقول محمد المغاري من مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، حيث لا تعمل هناك إلا محطة صغيرة لا تلبي احتياجات عدد كبير من المقيمين من السكان والنازحين، إن الشرب أصبح بقدر معين، ويشير إلى أن السكان حاليا لا يشعرون بالارتواء، لشربهم ماء بكميات قليلة بدرجة حرارة الجو، بعد توقف المبردات عن العمل بسبب توقف امدادات الكهرباء، ويضيف للقدس العربي “الكل يتمنى شرب ماء بارد”، ويتابع “الأمر صار (أصبح) في الأحلام”.وفي قطاع غزة يجري إيصال المياه لمناطق السكن والنزوح لمدة لا تزيد عن الأربع ساعات في أحسن الأحوال، مرة كل أسبوع، وخلال تلك الفترة ينفذ مخزون الماء عند السكان، لعدم توفر عدد كافي من الجالونات، وقد تحدث المغاري عن مشقة انتظار يوم التوصيل، لتعبئة كل أواني المنزل البلاستيكية، على أمل أن يكفي استخدامها المقنن، المدة الزمنية التي تقطع فيها امدادات المياه، ويقول المغاري إن كثرة الاستخدام وتغيرات الجو في البرد والحر، أتلفت الأواني البلاستيكية، وأن جميع السكان يشتكون ذلك، فيما لا تتوفر في الأسواق هذه الجالونات لشرائها بسبب الحصار الإسرائيلي، ويقول شارحا الوضع “نعيش أزمات مركبة، كل أزمة يتبعها عشرات الأزمات.. وإسرائيل تقتلنا اليوم بسلاح الجوع والعطش!!
*المصدر : القدس العربي


1