بقلم : ريم عبيدات ... 13.07.2009
أظننا من أكثر خلق الله حديثاً وتناولاً للاختلاف وحقه وواجبه، وما أكثر الخطاب المؤيد والمشيد بالتعدد والاتساع والحرية في الخيارات، فيما التعنت والتصلب يتكاثرن من حولنا كالكائنات المفترسة. فأي ضيق هذا الذي يصيبنا إذا لاحت في الأفق ولو البعيد لائحة اختلاف أو رائحة إزاحة عما نريد أو نعتقد، وأي قدر من الهدوء أو العصبية تلك التي نتعامل بها مع الاختلاف.
الأطرف من ذلك، قدر الخطاب الفائض من حولنا بجماليات المرونة، وقدراتنا الإبداعية وبجمال الفسيفساء والتكوين الملون،لكن لماذا نستثار فردياً وجماعياً إزاء خيال أي اختلاف ممكن، لنمارس حياله إقصاءً فورياً وشديدا ومتطرفاً. ولماذا ننحاز لدواخل أفكارنا بكل هذا العنت. نمارس حياة متفردة متعصبة في انحيازها الخانق. ولماذا يعامل المختلفون في حياتنا أقسى معاملة، فننبذهم في العائلة إذا ما جاءت قرارات تعليمهم أو عملهم أو زواجهم تخالف قراراتنا، وننبذهم في المجتمع ونحولهم الى طرائد ننقض عليها كلما استفردنا بهم أو لاحوا لنا من قريب أو بعيد إذا سولت لهم أنفسهم أن يخرجوا قليلاً عن تقاليعنا، وناهيك عن الافتئات الشديد الذي يمارس على المختلفين في المؤسسات المختلفة، ما دمنا نؤمن بكل هذه الحرية في التفكير والمنجز والمساحة والحق.
أليس العقل في حياة البشرية مكتسباً تاريخياً ومنجز الاختلاف الأول الذي أنتج الحضارات بكل ما عنته وقدمته للبشرية من أمن وعلوم ومعارف وصحة وتنمية وثقافة ومتعة ورفاه.. قدراتنا المختلفة، وعلى رأسها العقلية، لا يمكنها أن تتطور إلا مع الآخر المختلف. وبفضلها تتسع الصورة لتتسع معها الحياة. إذن، لماذا ننأى عن هذا الآخر بكل ما أوتينا من صلف القوة، وقسوة الإمكان.وأليس التعصب حسب التقاويم والتعريفات أشد أنواع النوازع الإنسانية التي تصنع الفتنة داخل النفس.
وامتداد مثل هذا السلوك الى المجتمع في مؤسساته المختلفة كقيمة تفكيرية عليا، يدمر أواصر الفعل الإيجابي، ليفيض عنها الى المؤسسات المختلفة وصولاً الى أساليب القيادة الانفرادية والإقصائية التي تحيط بنا، مما يقوض وبصورة فظيعة البناء النفسي للإنسان أولاً ويحوله الى سلوك حيواني، كتشويهه للإنسان الآخر وإلحاق الأذى به، وبالتالي قلب معايير الحياة وتحويلها الى غرفة تضيق بصاحبها ليهجرها مرضاً أو انعزالاً أو انتحاراً.