بقلم : ريم عبيدات ... 23.11.2009
في القصة الشهيرة عن “قطرة الأوكسجين” لسقراط وأفلاطون يتجسد الدرس الأبلغ في قدرة الرغبة على تشييد أبنيتنا الإنسانية وصياغة واقعنا.
وتقول الحكاية: إن أفلاطون كان يسير وحده متأملاً قدرات سقراط العظيمة، وقائلاً لنفسه “إن سقراط هو أحكم رجل على وجه الأرض، وعلي أن أتعلم من حكمته كل ما أستطيع” واندفعت رغبته لحدود عظيمة وبدأ يلازمه ويسأله.
ذات يوم، وفيما كانا يسيران على الشاطئ وينغمسان في حديث مملوء بالأفكار والحكمة، توقف سقراط وقال لأفلاطون هل تمشي معي إلى داخل المحيط؟ فيما غير مساره بسرعة وبدأ يسير دخولاً إلى المحيط يتبعه أفلاطون.
لحظات وبدأ منسوب الماء بالارتفاع، حينها تساءل أفلاطون مستغرباً ما هو الدرس المستفاد من هذا العمل الذي نقوم به والذي يحاول المعلم سقراط أن يعلمني إياه؟ وحين بلغ الماء فوق الأكتاف، قام سقراط بسحب رأس أفلاطون وأدخله في الماء وبدأ يدفعه للأسفل. وبالطبع توالت أسئلة أفلاطون كالمطر كما مقاومته حول الفلسفة من وراء ذلك؟
وبعد برهة من الزمن، وإذ نفد الهواء المحتبس في صدر أفلاطون بدأ يقاوم بكل قواه ليخرج رأسه من الماء. لكن سقراط ببنيته القوية ظل ثابت القبضة عليه حتى أغمي على أفلاطون لقلة الأوكسجين. عندها سحبه سقراط إلى الشاطئ وقام بإنعاشه.
حين استعاد أفلاطون وعيه توجه بغضبه الشديد لسقراط متهماً إياه بمحاولة إغراقه.. فيما رد الأخير بحقيقة بسيطة مفادها: “لو كنت أريد ذلك لما أخرجتك من الماء” ليعاود أفلاطون سؤاله: إذاً ما الذي دعاك لفعل ذلك؟
حينها رد سقراط بكل هدوء وثقة: عندما تكون رغبتك في تعلم ما عندي كما وصلت رغبتك للهواء ساعة غرقت، عندها ستحصل على كل علمي.
في القصة العظيمة معاني مركبة، ففي الرغبة تكمن الكثير من معاني الحياة، وفيها أيضا نتخلق، وعبرها نصبح ونختلف ونتميز. لكن كثافتها وصدقيتها وقوة وضوحها ووجودها لدى أصحابها هي التي تصنع امتيازهم بها. والرغبة منوطة بالإصرار والتخطيط لضمان صيرورتها، وملازمة نتائجها لحياة صاحبها. وصحيح أيضاً أن للرغبة الإنسانية مستويات عدة، كما أن تواليها بصورة عجيبة قد يصعب تفسيرها أحياناً، لكن الثابت أبداً حول أنها الوجه الأول للاستمتاع، والوليدة الأولى لمنتهى المتعة. كما أنها تتويج للمبتغى الإنساني وانعكاس واضح لتوقنا الدائم للتأثير. وليس آخر بحثنا الأزلي عن ذواتنا عبر خرائطها وتضاريسها المتشابكة وغاباتها اللانهائية.