بقلم : منى الحبانين* ... 06.12.2009
يّمه...يّمه...يّمه
وانتفضت كأن عفريت تلبسها ,أفاقت من نومها مذعورة ..الحجة سليمة أفاقت منذ ساعات الفجر المبكرة ...فهي كذاك الرسام الوّله..الذي ينتظر بحرارة بزوغ شمس اليوم..لتقوم ريشته بنقشها على لوحته..من أعالي هضبة أختارها تعبق رئتيه بنسيم الصباح وترسم أنامله تلك السهام التي انبعثت من الشرق..,ارتطامها باشياءها يحدث جلبة وحال لسانها يرّدد استغفر الله العظيم ...سبحان الله وبحمده ,تتعثر بخطواتها من داخل بيتها إلى الخارج لتتفقد ألقن تخرج دجاجاتها بانتظام وكأنها في طابور دراسي......,وتستعجل بعصاها آخر دجاجاتها التي تختبئ في زوايا ألقن "اطلعي كشك" فتصّر الدجاجة على عنادها بانزوائها في ركن أخر من ألقن فتشد على أسنانها وتكشر أنيابها ..." كشك ششش ,برى ..برى" ثم تهوي عليها بعصاها فتقفز الدجاجة وهي تصيح بأصوات مزعجة كأنها تشتم الحاجة سليمة,ثم تنحني لتزج برأسها وأعلى جسدها داخل ألقن بحثا عن البيض ورويدا رويدا يعود جسدها إلى الوراء وقد كشف عن شعرها قليلا قليلا فتحاول أن تعيد غطاء شعرها بسرعة وهي تزيل بقايا القش الذي علق بشعرها ,تنتفض كقائد تلقى إشارة فهي فارعة الطول تخبط بيداها القويتين الخشنة ثوبها يمينا وشمالا ...كأنها تحاول إخراج عفريت من ثنايا ثوبها...تطاير الشرر من عيناها التي جبلت بياضها بصفار باهت وهي تنظر إلى الدجاجة التي ابتعدت واعتلت كوم من الأخشاب بجوار المنزل صفقت بجناحيها فما كان من الحاجة سليمة التي خاب ظنها بوجود ولو بيضة واحدة بقذفها بحجر..أصابها في رجلها ..وها هي اليوم تسير وهي تجر وراءها تلك ألقماشه البيضاء التي ربطتها الحاجة سليمه في رجلها لترسم بها خطوط ملتوية وكلمات مبهمة كأنها تسجل بها سجل اتهام لما فعلته بها...
أيقظها صوت ابنها من إغفاءتها وقت الضحى ...فبزقت في صدرها تسمي وتستعيذ بالله من الشيطان الرجيم
-خير ..ايش صار
جلس ابنها يلتقط أنفاسه بجانب فراشها
-اليوم شفت جيب عند دار أبو زعل فيه بوليسيه وتراكتار كبير اخذوا غرظانهم وهدموا صريفهم
-بتقول ايش هي فوظى
-بقولوا مش مرخص ولازم يرحلوا
-ويش هن التراخيص
-بقولوا لازم أمر من الحكومة
نهض احمد من جانب والدته وانطلق نحو الجيران وهي تهتف
-ارجع يا ولد ما بخصنا في حد
تثاءبت بفيها الكبير ..وطرقت كف بكف,جابت أنظارها في زوايا بيتها...نظرت الى سقف الخشب ,وتلك الأشغال التي حاكتها يداها معلقة على ألواح بيتها المكون من الصفيح ,ثم نظرت إلى تلك الزاوية ..تلك الحقيبة, اعتلت على برميل وتناولت الحقيبة التي يعلوها تراب وسواد,نفضتها بيدها ...,وأسرعت بتقليب محتوياتها أوراق بالعبرية...مرهم...أدوية للسعال...جهاز صغير لضيق التنفس ......أوراق لا تعلم ما تحمله ...وفي اخر الحقيبة زاوية خاطتها لكي تحافظ عليها ..أخرجتها تشممتها ..قبلتها ..لمعت عيناها وتمتمت"أوراق أبوي ..هذي التراخيص" رجعت الى فراشها وضعتها تحت وسادتها وغطت في النوم ثانية حين قفزت مذعورة على صوت ابنها
-يمه..بوليس عندنا
قامت من فراشها وران ذالك الجيب الملعون بجانب باب بيتها..
-"خجه أنت لازم اهدم بيتك وروخ من هون"
مدت يداها بجراءة بتلك الأوراق وكل العيون تحوطهم عيون الجيران..والمرافقين للدورية
برقت عينا الخواجة بخبث ونظر حوالبه
-كلوا يروخ من هون
تفرق الجميع ولم تبقى إلا الحاجة سليمة والخواجة
-عندك قهوة سادة خجه
ركضت نحو إبريق قهوتها المرة وأحضرت فنجان
-خجه..آنت لازم يروح على المكتب وأنا اخذ الأوراق مشان أصور
شعرت الحاجة سليمة بالارتياح حين سلمته تلك الأوراق ..التراخيص
وقع صرير عجلات ...ابتعد الموكب مع الأوراق,وعادت الحاجة سليمه إلى فراشها وغطت في نوم عميق...لن يهدم بيتها ..سيبقى ..أخشابها...دجاجاتها..لن يهدم كبيت أبو زعل ...
في اليوم التالي ذهبت إلى المكتب ,شعرت بأنها مليكه في ذالك اليوم ..الخواجة يكرمها ..قهوة ..خضروات...وفي النهاية توقيع
-اضغط خجه بقوه ..ايوه..
قفلت عائدة إلى بيتها الذي تحول إلى ركام لم تبقى عليه سوى دجاجتها ذات القماشة البيضاء تجرها...وترسم حدود وأوديه , أمسكت الخجه سليمه بحجر أصابت رجلها الثانية وقعت الدجاجة صريعة وفوقها جثمان الحاجة سليمة وهن يلتقين شاخصات البصر..