بقلم : أحمد أبو صبيح ... 09.12.2009
إذا كانت ألوان الطيف السبعة التي تظهر في السماء عقب نزول المطر، والتي تعرف بقوس قزح، من أبدع المناظر الطبيعية التي يشاهدها الإنسان بالعين المجردة، فإن فضاءات قزح لزياد جيوسي الصادرة عن دار فضاءات للنشر والتوزيع في عمّان، جاءت بخمسة ألوان لتشكل فضاءات جديدة في الدراسة وشمولية المواضيع، فقد جمع المؤلف في كتابه السينما وتحدث عن ثمانية إبداعات، والمسرح حيث تناول خمسة أعمال، والفنون وقدم في هذا القسم عشرة أعمال، والموسيقى وقدم فيها ثمانية أعمال، والأدبيات وقدم فيها تسعة عشر عملاً، وقد عكست العمال التي قدمها الكاتب رهافة الإحساس وحسن الإبداع.
لا شك أن زياد أراد من العنوان أن يضع القارئ في أجواء المعنى الإيحائي وفق آلية تعتمد على التنوع في التقديم والعرض؛ يخرج زياد بفضائاته من صلب الحياة الإنسانية عبر حروبها وأزماتها وثقافاتها ومعتقداتها وأيدلوجياتها ليشكل عبر ذلك إناء الألوان الثقافية المتعددة المشارب، فالكاتب يطرح المواضيع تاركاً للإبداع نفسه تلوين المفردات الحسية لتصل بدورها حد الدهشة مستلهمة دهشتها من قدرتها على تحفيز المتلقي للدخول إليها بمجسات متعددة.
وقدرة زياد على ذلك لم تأتي مصادفة، فهو مبدع منذ الصغر إذ بدأ الكتابة شاباً يافعاً، وتنقل في مواقع قيادية عديدة في عوالم الثقافة المرئي منها والمقروء. لذلك نراه يشرك العين والعقل والحس الإنساني في كتاباته عن طريق تقديم بعض النصوص وخاصة تلك المتعلقة بالسينما والمسرح بطريقة الريبورتاج الصحفي عبر لغة بسيطة وسهلة، بحيث تصل للقارئ بيسر وسهولة، وفي الوقت نفسه قادرة على حمل المعاني الإنسانية، وكأنه يقول "إن الكتابة مشروع وأداة حضارية لتجدد الفرح".
يقف الكاتب على إبداعات وتجارب عديدة مدججة بالحب وعشق الأرض والإنسان محاولاً رغم كل الظروف الصعبة التي تعيشها تلك الأعمال إيصالها إلى العالم، فيأخذ على عاتقه التفسير والتقصي ليفتح أبواباً جديدة للتشاكل الفني والثقافي على حد سواء، ولذلك نراه قد اقترب كثيراً مما هو مسكوت عنه فنياً ومضمونياً، فأعاد في قراءة النتاج لخلق جسم ثقافي متكامل البناء.
وإن عكست الإبداعات التي وقف عليها زياد جيوسي في مجملها الهم الفلسطيني باعتباره مشارك حيوي في الواقع الثقافي الفلسطيني، إلا أنه لم يغفل المدن العربية الأخرى، فهو يقول في مقالة "إبراهيم العبدلي بين بغداد وعمّان والقدس": (ثلاث مدن تجلت الرؤى فيها عبر تاريخ طويل كل منها كانت لها أثر ما في تاريخ حافل في حركة تاريخ المنطقة).
لا شك في أن زياد جيوسي قد زود بكتابه فضاءات قزح المكتبة الفلسطينية بكتاب سيظل يحتل مكانة بارزة على رفوف المكتبة العربية، فزياد توسع في تحليل وتفكيك أعمال عدد كبير من المبدعين، ولم يكتفي بالشرح والتحليل والتفكيك بل وضع القارئ في الظروف المحيطة بالأعمال التي قدمها، فنراه قد أحاط بالنص إحاطة تامة لا تقل عن إحاطته بكاتبه.
لقد برهن زياد في كتابه أن الثقافة والأشكال الجمالية التي تحويها تشتق من التجربة الحياتية التي يعيشها المجتمع، وقد أغنت تجاربه المتعددة العمل وأخرجته بهذه الصورة الجميلة.