بقلم : ريم عبيدات ... 15.12.2009
كتبت إليها تقول: “صحيح أن الاغتراب يبدأ مسيرته من ذواتنا وسرعان ما يبعدنا عنها، لنسارع لمغالبة هذا الاغتراب بعد ذلك بالمزيد من الاغترابات الأخرى التي نستغرق فيها حياتنا” .
بهذا بدأت رسالتها لصديقة لم ترها منذ أكثر من عشرين عاماً، لتجد نفسها تحلل في شروط الاغتراب الذي صار عنواناً كبيراً لحياة البشر، وظروف الانتقال الدائم والسفر المتواصل وما يتبعه من تغير نمط الحياة كنتيجة لتغير الأعمال وأماكن السكن، والعناوين، والمدن والأحياء، وربما الأصدقاء وطريقة الحياة .
وبقدر ما ينطوي عليه هذا التغيير من إشراقات مختلفة، أهمها الفرصة المختلفة في الحياة، والاطلاع على جوانب جديدة من التجربة الإنسانية الحية، لكنه وفي الآن ذاته يضع البشر وتفاصيل حياتهم بأسرها تحت ضغوط وتحديات، لم تكن لتتخيل قبل عقدين أو ثلاثة على الأكثر .
في الغربة والاغتراب وكافة مترادفات القائمة، شروط حياتية مختلفة تدفع بالبشر لنحت أسباب وجودها بصورة منفصلة عن طرق غادروها، وألفة أحجموا عنها وأحجمت هي أيضاً عنهم .
وفي الإبداع يدرج الاغتراب بصفته شرطاً يحتاج إليه الكاتب مثلما يحتاج إلى الحب والرؤيا، كما البعد عن الأوطان يحتاج إلى مسافة للتأمل في رحلة تخلق أفكارها ومنتجاتها وصياغاتها الجديدة .
في الاغتراب المهني، وبالذات في الحواضر العالمية الأكثر تنافسية مهنياً ومعيشياً، الكثير من التباينات والانعكاسات المتفاوتة، كمفهوم “النجاح بمعناه الحقيقي”، أو “النجاح بمعناه المهني الشاهق”، إذ نغادر حياتنا إلى أخرى قد تكون أكثر صعوبة ودقة ومهنية .
عندها يشعر الكائن بقسوة ترابه ليجد نفسه ينفك بعيداً، إذ تفشل الأرض الصلدة عن التمسك بجذور أشجار الحيوات البشرية المتطلعة التي تقطنها، لتفر بالمتبقي من أوراقها الخضر وتنمو بعيداً على أن تقف مكتوفة إزاء أفعال الجفاف التي تقصفها وتتركها لتجف أو تموت أو تعيش حياتها مصفرة تقتلها الأمراض والمتاعب ومواسم الصيد الجائرة .
الجميل أيضاً هو تأثيرات النجاح وفق المقاييس والشروط الصعبة له، على تجلياتنا ككائنات، وما تضفيه من قدرة فذة على التسامح .
أما اعترافنا بنجاحاتنا الذاتية كما والآخرين وسط برك اغتراباتنا المختلفة، فتلك أيضاً قضية اغترابية بامتياز، وبحاجة إلى تأمل مراياها بموضوعية.