بقلم : د. سعاد سالم السبع ... 22.11.2009
لاأدري لماذا كلما اقترب موعد عيد من الأعياد الدينية وجدت نفسي غارقة في ذكريات طفولتي والعيد؟!1
قد يحتاج الأمر إلى محلل نفسي، لكني حتى لو اكتشفت أن انغماسي في هذه الذكريات في هذا العمر لا يعد دليلا على الصحة النفسية، فلن أتخلى عن ذكرياتي مع العيد، وسأرحب بالمرض النفسي الذي يخفف عن القلب والعقل وطأة الواقع الذي يحاصرهما بالحزن والألم من كل اتجاه..
أتذكر أنني حينما كنت طفلة كنت أعتقد أن العيد جسم نوراني كبير يغطي السماء حينما يظهر، وأنه لا يظهر إلا لحظة شروق شمس يوم العيد ، وأنه يظهر للحظات ثم يعود إلى بيته وراء الجبل العالي الذي تظهر من خلفه الشمس أمامي، وكنت أتصور أن للعيد يدين كبيرتين تمتدان من السماء إلى الأرض لتحتضنا رأس كل الذين يراقبون ظهور العيد، وكنت أتخيل أن العيد يمد يديه ليطعم حلوى العيد أي شخص يشاهد طلوع شمس العيد، وكنت مقتنعة أن هذه الحلوى ليست مثل الحلوى التي نأكلها ، بل هي حلوى مختلفة لا يمكن أن أجدها إلا مع العيد، ولن يقدمها لي غير العيد، فكنت لا أنام ليلة العيد وإنما أقضي ليلة العيد كاملة متكورة في نافذة بيتنا الشرقية التي لا تتسع إلا لنصف جسدي الصغير راضية بانحناء ظهري، وسعيدة بهبات النسيم الملامسة لخصلات شعري كيفما كان الطقس، فقد كان شعوري بمجيء العيد يجعل الطقس ربيعا ينعشني في الشتاء و الصيف لا فرق بينهما عندي في ليلة العيد.
كنت لا أتخلى عن انتظار العيد حتى وإن نلت تأنيب أمي، فقد كنت أسد أذني عن أوامرها المتكررة أن أذهب إلى فراشي، ولا أستمع إلا لصوت العيد، فكنت أقضي كل ليلة العيد أرقب السماء وأغالب النوم، حتى لا يفوتني شروق الشمس، وحتى يراني العيد وأراه، وبالتالي أتذوق طعم حلوى العيد، وكنت زيادة في الحرص ألبس ثياب العيد الجديدة ليلة العيد، حتى أشد انتباه العيد إلي أكثر فأنال حلواه ، على أمل أن أحكي لأترابي شكل العيد وأطعمهم معي من حلوى العيد الذي التقيته وحدي، وهم نيام..
ولكن في كل عيد كان النوم يغلبني قبل شروق الشمس بدقائق، ولا أصحو إلا بعد شروق الشمس على أصوات الأطفال المحتفلين بالعيد في حارتنا الضيقة..
و توالت الأعياد عيد بعد عيد، لا رأيت العيد ، ولا يئست من انتظار العيد ، هكذا كنت أنا والعيد في الطفولة...
وكبرت وكبر معي معنى العيد، وتحولت توقعاتي التي أنتظرها إلى أمنيات ، وكلما جاء عيد زادت تلك الأمنيات واتسعت؛ فقد أصبحت انتظر العيد الذي لا يعنيني وحدي، لا زلت أنتظر العيد الذي يحتضن كل أبناء وطني، ولكني في كل عيد لا أجد ما أتمناه فأخاصم العيد، ويبتعد عني العيد أكثر،وسأظل أنا والعيد لا نلتقي، حتى أرى العيد في بيوت الفقراء والمحرومين والأرامل والأيتام، وفي عيون أطفال الشهداء ونسائهم وأمهاتهم وأخواتهم..
سأظل أنتظر طعم العيد في انتصار الحق على الباطل، وفي عودة اليمانيين إلى حكمتهم الضالة، سأظل أنتظر طعم العيد في سيادة النظام والقانون، وفي صحوة الضمائر، وفي سد منابع الفساد، سأظل أنتظر العيد في مستقبل يقتلع الحزن من قلوب الوطنيين، ويغرس الأمل في قلوب المحرومين، وينتزع الحقد من قلوب المحبطين، ويعيد تأهيل الشباب الضالين.
سأظل أنتظر العيد الذي يعيد إلى قلبي وعقلي الهدوء، وإلى عيوني لذة النوم الذي كنت أشعر به قبل شروق شمس العيد أيام الطفولة، فما أشد حاجتي إلى العيد هذه الأيام !! وما أصعب انتظار العيد في هذا العمر؟!!
فهل سأتذوق طعم العيد الذي أنتظره قبل أن أغادر هذه الدنيا؟! ، لن أيأس من انتظار طعم العيد، وأرجو من الله ألا يطول انتظاري ، وما ذلك على الله ببعيد.