أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
المومياء : مصر الذبيحه .. مصر الوليمه .. مصر العظيمه !!

بقلم :  د.شكري الهزَّيِّل ... 07.11.2009

في زمان غابر وفي ايام طفولتنا كانت الظروف قاسيه والحياة لا تشبه حياة اليوم الا بضرورتها وكينونتها وسيرورتها كحياة انسانيه وبشريه, وفي ذلك الزمن كانت اذاعة صوت العرب عاليه وطاغيه بالمفهوم الايجابي على غيرها من محطات واذاعات عربيه وفي ذلك الزمن كان المذياع وصندوق العجب والترانسيستور في بادية النور والظلام بضاعة نادره وكانت "البطاريات "التي تُشغل المذياع اكثر نٌدره وغير متوفره دائما في الاسواق ولربما كان ثمنها الغالي هو الذي يجعل من يملك مذياع يقتسط ويوفر" البطاريات" لسماع فقط نشرات الاخبار وخطابات الزعيم الراحل جمال عبد الناصر, وكُنًا لحسن الحظ نملك المذياع في المضافه[ الديوان] رغم شحة وصعوبة الحصول على البطاريات في ذلك الزمن الشهم , ولكن بالرغم من كل هذا كانت معازيب الديوان تتجمع كالنمل على سُكر خطابات عبد الناصر ويجري الا متناع عن سماع برامج اخرى[حتى تبقى البطاريات قويه] في صندوق العجب فور الاعلان عن موعد القاء عبد الناصر لخطاب ما, وما ان يحين الموعد حتى تتوافد العربان من كل الاتجاهات وبكل الوسائل الى المضافه يلتف الجميع حول سماعات الراديو وتلتف حولهم ومعهم دورات طقطقة فناجين القهوه وما ا ن يبدأ الخطاب حتى يصمت الصمت ولا تسمع حتى دبيب النمله..الكل مشدود لخطاب عبدالناصر الذي كان تصغي اليه الامه العربيه من المحيط الى الخليج, والناس في ذلك الزمن وبعفويتهم وبعروبتهم عالية الجوده تهلل وترحب بكل كلمه يقولها عبد الناصر, حتى نحن صغار القوم تصيبنا رهبة ورغبة الاستماع الى عبد الناصر,, ومرت الايام والسنين ونحن نستمع ل عبد الناصر الى حين وافته المنيه راحلا الى جوار ربه تاركا ذاك الرصيد الهائل لعروبة مصر العظيمه الام الكبرى للامه العربيه لابل تاركا العرب ومصر على وجه الخصوص يتيمه سقطت في ايادي غير امينه, وقبل ان ندخل في تسلسل ذبح عروبة مصر اشير اننا تربينا على حب مصر وعروبة مصر الناصريه والعربيه وظلينا اوفياء لوعد الوطن ووعد والدي الذي ظل مدمنا على سماع صوت العرب الى ان جاء زمن حسني مبارك وزمن التلفزه واذكر انه في بداية التسعينات صار يصغي لكل المحطات ماعدى تلفزة مصر واذاعة مصر مبارك.. صار يضيق ضرعا من نشرات اخبار مصر مبارك الى ان رحل الى جوار ربه في منتصف التسعينات من القرن الماضي بعد ان ذاق مرارة العدوان الاول على العراق ومشاركة حسني مبارك وجامعة عربان الرذيله في العدوان الامريكي على العراق... قصة مصر هي قصة مصر العظيمه مع العرب وقصة العرب مع مصر العروبه اللتي اعطت الكثير وتعرضت عام 1967 الى عدوان غاشم ودمار كامل لجيشها ومع كل هذا وقفت الشعوب العربيه لجانب مصر وعبدالناصر رافضه حتى فكرة استقالة جمال عبد الناصر انذاك,, لكن منذ وفاة عبدالناصر وحتى يومنا هذا جرت مياه عكره كثيره في مجاري وروافد وعروق مصر العروبه, ورغم ان عام 1973 وحرب اكتوبر كان عام الجيش المصري البطل بامتياز, الا ان فساد النظام الساداتي قد افسد فيما بعد ذلك النصر العظيم من خلال معاهدة كامب ديفيد 1979ومن ثم جاء حسني مبارك عام 1981 خلفا للسادات ليحرف بوصلة عروبة مصر الى 180 درجه نحو الغرب و الهاويه الوطنيه السحيقه القابعه بداخلها مصر اليوم!!
يحتار الانسان ويُصاب بالغثاء والغضب وهو يشاهد رئيس وزراء تركيا اردوغان[ مع احترامنا لمواقف اردوغان] يتحرك بحيويه وديناميكيه في العالم والعالم العربي ويتخذ الموا قف المشرفه من القضايا الاقليميه, بينما نظام العجوز العاجز في مصر لايفعل شيئا سوى مزيدا من السقوط ومزيدا من العجز ويزج بمصر الكبيره اكثر واكثر نحو التقزيم الوطني والاقليمي والعربي الى حد ان تصبح مصر مجرد باحه من باحات او حاره من حارات واشنطن وتل ابيب وبالتالي ما يثير العجب ان الاعلام العربي وغيره يتحدث عن ادوار اقليميه لتركيا وايران ولا يتحدث عن دور مصر المغيبه قسرا بينما ينشغل النظام الفاسد في مصر بفساده وبكيفية توريث الحكم الفاسد لمن هو منحدرا من صلب العجز والفساد ومتكأا تماما على عصا السياسه الامريكيه والاسرائيليه التي طالما سعت لتحييد مصر وتدمير عروبتها ومكانتها في العالم العربي, وهاهو حسني مبارك العاجز والدكتاتور العجوز ينجح بعد ما يقارب الثلاثين عام من حكم مصر من تدمير دور مصر الرا ئده عربيا وجعلها مجرد دولة عربيه هامشيه لا تهش ولا تنش حتى عندما يتعرض المسجد الاقصى الى خطر الهدم والتهويد لابل يتواطأ نظام الدكتاتور العجوز مع العدوان الاسرائيلي الاخير على غزه ويشارك بصمته في تدمير قطاع غزه الذي كان وما زال يشكل العمق الجغرافي والتاريخي لمصر العروبه الذي اختطفتها عصابات فساد حسني مبارك وحولتها الى مجرد ورشات ربح اموال واوكار عماله للاجنبي كما كان وما زال دور وكر شرم الشيخ الذي صار رمزا للتشائم والعماله في زمن الدكتاتور العجوز الذي دمر موقع مصر العظيمه والكبيره وجعلها مجرد دولة موز تتلقى الاوامر والمعونات من امريكا واسرائيل والغرب الامبريالي ... لقد بدأت معالم تدمير دور مصر العربي والاقليمي منذ بداية حكم هذا الدكتاتور العجوز وتحديدا ابان العدوان الاسرائيلي على لبنان عام 1982 ووقوف النظام العاجز موقف المتفرج من العدوان, ومن ثم جاءت احداث انتفاضة الحجاره الفلسطينيه عام 1987 واستمرارها حتى بداية التسعينات من القرن الماضي لتظهر بوضوح مدى تواطؤ النظام المباركي والجامعه العربيه مع العدوان الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني, حيث امتنع النظام ومعه جامعة الغربان العربيه عن تقديم المعونات الاقتصاديه للشعب الفلسطيني الثائر بالرغم من قرارات الجامعه العربيه بضرورة تقديم العون ودعم صمود ثوار انتفاضة الحجاره والشعب الفلسطيني, وظل نظام الدكتاتور وفيا لاسرائيل وامريكا على مدى سنوات انتفاضة الحجاره, ولكن ماجرى في عام 1990 و1991 كان واضحا وجليا حين شارك الدكتاتور العجوز في العدوان الامريكي و الثلاثيني على العراق وظل يشارك في حصار العراق ودعم الامبرياليه الامريكيه منذ عام 1991 وحتى احتلال العراق عام 2003 وتدمير عروبته وجعله موطنا لميليشيات ايران وعملاء امريكا, والغريب ان النظامين العجوزين في مصر و"السعوديه" الجزيره قد ساهما في احتلال وتدمير الدوله العراقيه ويتباكيان اليوم على العراق من النفوذ الايراني ولا يذكُران مدى اجرام الاحتلال الامريكي في العراق ومدى مشاركة حلف حفر الباطن في تدمير العراق وجعله لقمة صائغه للنفوذ الايراني والامريكي...لم يساهم الدكتاتور المصري العجوز في في تدمير واحتلال العراق فحسب لابل كان هو اول المهرولين للاعتراف بحكومات العملاء في العراق المدعومه من ايران , ولكن ما ان طنطنت اسرائيل وامريكا لهذا الدكتاتور العجوز بضرورة معاداة ايران الا واستجاب فورا وكأنه لايعرف اننا العرب من المحيط الى الخليج نعرف دور حسني مبارك في تدمير العراق واحتلاله وان معاداته لايران هي مطلب امريكي كما هو حال مؤتمرات شرم الشيخ اللتي جرَّمت المقاومه الفلسطينيه واللبنانيه والعربيه وجعلتها مجرد " ارهاب", وباركت غزو العراق ودعمت عملاء خضراء بغداد وتأمرت على لبنان وتواطأت مع امريكا والغرب حتى في السودان وكأن النيل ليست شريان حياة مصر!....يا عيب الشوم: ان يحكم مصر العظيمه عجوز عميل وخرف فاقدا لكل مقومات الذاكره والهويه العربيه ومتقمصا وداعما لكل سياسات امريكا واسرائيل في العالم العربي... مصر العروبه صارت في زمن الدكتاتور المومياء العجوز مصر الذبيحه ومصر الوليمه الذي نهشها وينهشها النظام الفاسد ومشتقاته في مصر.. في زمن الدكتاتور العجوز صار العرب ينشدون العون الاقتصادي والاعلامي من امارات خليجيه صغيره[عدد سكانها لا يتجاوز عدد سكان بعض حارات القاهره] ولا يعلقون املا على مصر الكبيره في زمن الانحطاط الذي فرضه الدكتاتور العجوز على مصر التاريخ ومصر العروبه ومصر الام الكبيره لكل العرب... في عصر الانحطاط الدكتاتوري في مصر صار العرب يعلقون املا على الموقف التركي وحتى على الايراني ولايأملون بذرة امل ودعم لقضاياهم من مصر ام الدنيا وام العرب الذي حولها الدكتاتور المومياء حسني مبارك لمجرد مطيه لامريكا واسرائيل من جهه وداعمه لكل اشكال العدوان الامريكي والاسرائيلي على العرب من جهه ثانيه وبالتالي وتحديدا منذ العام 1982 وحتى يومنا هذا ظل النظام الدكتاتوري وفيا لدوره العميل في تدمير دور وقوة مصر وجعلها رقم صفر كما هو حالها اليوم... كل ما في جعبة النظام العجوز هو النباح التقليدي اينما نبحت امريكا نبح النظام المصري.. تبعية المطلق من النبح الى القدح وحتى ذبح عروبة مصر!!!:: الدكتاتور العجوز شارك في حصار ووقف انتفاضة الحجاره 1987 و دعم اوسلو عام1993 ومن ثم شارك في تجويف المعاهده وعدم التزام اسرائيل حتى يومنا هذا بوقف الاستيطان في الضفه الفلسطينيه والقدس... الدكتاتور العجوز شارك ودعى عام 1996 لمؤتمر شرم الشيخ الذي جعل من النضال الفلسطيني ضد الاحتلال الاسرائيلي مجرد "ارهاب".... المومياء المصري شارك وتواطأ مع اسرائيل في قمع انتفاضة الاقصى عام 2000 وشارك في حصار ياسر عرفات حتى موته ومن ثم اقام له جنازه في مصر لاتليق بمقام عرفات... عرفات كان يسمي الدكتاتور العجوز : مبارك المبارك, ولعله كان يسخر من هذا الدكتاتور بهذه التسميه!!.. الدكتاتور العجوز صمت ويصمت على مايجري في فلسطين والقدس من تهويد لابل دعم الدكتاتور حرب اسرائيل التدميريه 2008على غزه مؤخرا وما زال يغظي ويؤجج الانقسام الفلسطيني بانحيازه لوكر رام الله,,,,...الدكتاتور العجوز صمت على عدوان اسرائيل ومجازرها المتكرره في لبنان وطق عرق حياه بالكامل حين دعم العدوان الاسرائيلي على لبنان عام 2006.... في زمن الدكتاتور العجوز صار وجود امارة الكويت اهم الف مره من وجود دولة العراق العريق والعراق التاريخ والعراق الذي كان يشكل البوابه الشرقيه للوطن العربي... الدكتاتور المصري العجوز ساهم في تدمير بوابات العراق وخلع ضباتها وجعل العراق ارض مشاع يسرح ويمرح فيها الاحتلال الامريكي والايراني, واليوم يبدو الدكتاتور في حالة تحنيط كامله وشامله لوجوده الروحي والجسدي.. نُرشح بان يكون او كان الدكتاتور دوما في الاونه الاخيره يقف مومياء مٌحنطا و مُجبسا امام الكاميرات حتى يثبت وجوده الغائب الحا ضر في غياهب غيبوبة العماله والنذاله والتبعيه لامريكا واسرائيل على حساب وجود وكرامة مصر الكبيره ومصر العظيمه الذي حولها الدكتاتور العجوز الى حارة خلفيه لواشنطن وحوَّل الشعب المصري الى شعب فقير ومعدم باكثريته...ملايين الفقراء في مصر... كان العرب في ستينات وسبعينات القرن الماضي لا يستمعون الا لصوت العرب والقاهره والاذاعات والتلفزه والاعلام المصري!!.. في زمن الدكتاتور العجوز وبعد ثلاثون عاما من العجز والفساد والخيانه صارت نسبة كبيره واكثرية ساحقه من العرب تستمع وتشاهد وتتابع كل الاخبار ووسائل الاعلام فيما عدى اخبار واعلام مصر في عصر المومياء الذي ذبح تاريخ مصر من الوريد الى الوريد..مصر الوليمه بدلا من مصر الكبيره ومصر العظيمه ومصر العروبه...
واخيرا وليس اخرا يعجب المرء بوجود واستمرارية هذا الدكتاتور العجوز والمومياء المُحنَّطه في حكم مصر وتدمير دورها العربي كدولة عربيه كبيره كان عليها وما زال فرضا ان تاخذ دورها الطبيعي كرائده وكقوه اقليميه يحسب لها حساب وليس كماهو حالها اليوم في زمن الدكتاتور العجوز المٌحنط والمشبص تشبيصا فرعونيا حتى يبقى في الحكم ويبقى الدمار والهوان هو قدر مصر الذي تحكمها اليوم "مومياء" مُحنطه رعتها وترعاه ترعاها الامبرياليه الامريكيه والصهيونيه العالميه حتى تبقى اكثر وقت ممكن في حكم مصر والسؤال اما ان لهذه المومياء الدكتاتوريه ومشتقاتها ان ترحل عن مصر العروبه... اما ان لقيد مصر العظيمه والكبيره ان ينكسر او يُكسًّر بسواعد مصريه؟ وعليه يتحتم القول والتذكير دوما بقول الشاعر الشابي اذا الشعب يوما أراد الحياة ..فلا بد أن يستجيب القدر ..ولا بد لليل أن ينجلي ..ولابد للقيد أن ينكسر ..ومن لم يعانقه شوق الحياة..تبخر في جوها واندثر ..كذلك قالت لي الكائنات ..وحدثني روحها المستتر ..ودمدمت الريح بين الفجاج ..وفوق الجبال وتحت الشجر:..إذا ما طمحت إلى غاية ..ركبت المنى ونسيت الحذر..ومن لا يحب صعود الجبال ..يعش ابد الدهر بين الحفر!!

*كاتب فلسطيني , باحث علم اجتماع, ورئيس تحرير صحيفة ديار النقب الالكترونية