بقلم : ريم عبيدات ... 30.10.2009
كعادتها مستعجلة وطائرة جاءت تحمل أفكارها، ومشاريعها وبقايا من أحلامها لا تزال متقدة وشاسعة كما كانت قبل التخرج، بلهفة لا معقولة، سلّت كمبيوترها وقالت سأريكِ فيلمي الأخير، رغم كونه في مراحله الفنية الأخيرة. صمتنا، وتبادلنا النظرات والمواقع، لنسافر عبر اللقطات والمعاني، وليأخذنا الفيلم الى قضية أزلية تشكل واحدة من أهم العقد الانسانية: البون الشاسع بين ما نقصد وبين ما يرشح عنا أو ما يصل الى الآخر، البون الفائض بين النوايا وبين ما يصل منها إلى الآخرين، والتي كثيراً ما تكون متباينة إلى درجة التناقض.
فبين العائلة التي تبنت طفلة لتمنحها أفضل ما تستطيع من فرص الحياة، وتقدم لها أجمل النوايا المفترضة، وتمنحها الحب المتخيل في مثل هذه الحالات، وبين الفتاة ذاتها التي اختلطت عليها المشاعر، ولم تعد ترى في عائلتها هذه الرغبة المستعرة في أرضاء وإسعاد الذات عبر الإحسان إليها، وعلى حسابها وليس من أجلها. حوار الفيلم وقضيته الإنسانية العميقة أتى على المنغمسين عميقاً في باطن التجربة الإنسانية، وبين الطبقات المختلفة للفهم، فيما يسافر كل منا عبر وجهة نظره، يسافر الآخر عبر رحلة أخرى من الفهم الخاص به، والتي قد تختلف أحيانا عن الرؤية الأساسية إلى درجة التناقض بل والتنافر أحياناً.
يصلح الموضوع منصة رائعة لتحليل السلوك البشري الذاتي والغيري...بمعنى طبقات السلوك والمعاني المختلفة بيننا، وكذلك طبقات السلوك وتبايناتها بيننا والآخرين.
فكثيراً ما نصدم بالتحليلات المفسرة لسلوكنا على أسس قد تبدو صادمة لنا، ومثيرة للاستغراب والحزن وربما للصدمة أيضا.
وفيما الجمهور المتعاطف مع إنسانيته، ليتأزم المشهد عاطفيا بين المذيع والزوج والزوجة والجمهور ولتتماسك الزوجة بمفاجأتها، وبأن أكثر ما آلمها من التجربة الزوجية غير المسبوقة، هو الرحلة بين النوايا والسلوك. إذ تنسل آلامها اللامحدودة من هذا السلوك الزوجي الرائع من وجهة نظرها، إنه ينبثق من رغبة الزوج في تحقيق هذا القدر من التعاطف والشعبية والإعجاب. ودليلها لذلك عدم متابعتها بذات الكيفية أثناء رحلة التعافي المريرة. ووصلت في تبيان خارطة الوجع إلى غربتها الشديدة الآن إثر عودتها للحياة الطبيعية. ويصل الأمر لإحساسها بعدم عنايته إطلاقا أوحتى الالتفات لهذا التعافي، لافتقاده بريق التعاطف والإحساس بالتميز.
التحليل وقع كالصخرة المهرولة، لكنها النفس البشرية التي لم تستطع هذه “البشرية” أن تفهم ولو شيئا يسيراً عنها، وستظل وإلى الأبد معجزة المعجزات، وقاهرة التوقعات.