أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
الموساد: أنظمة الإستبداد تساعدنا على تجنيد العملاء العرب!!

بقلم : صالح النعامي ... 15.11.2009

يرى قادة الأجهزة الإستخبارية الإسرائيلية أن هناك علاقة وثيقة بين هيمنة الانظمة الديكتاتورية على العالم العربي وبين استعداد المواطنين العرب على السقوط في حبائل المخابرات الاسرائيلية وقبول عدد كبير منهم للعمل لصالح هذه المخابرات. ويقول رافي ايتان الذي شغل منصب قائد وحدة تجنيد العملاء في جهاز الموساد المعروفة ب " قيساريا " في حديث مع التلفزيون الاسرائيلي أن وجود انظمة حكم شمولية في العالم العربي سهل على الموساد تجنيد العملاء من العرب. ويفسر إيتان ذلك بالقول أن وجود أنظمة حكم قمعية تقتل الشعور بالإنتماء لدى المواطن العربي، وهذا يوفر البيئة المناسبة لتجنيد العملاء من أوساط العرب. ومن بين أسباب أخرى يشدد إيتان على مساهمة أنظمة الطغيان في العالم العربي على إيجاد بيئة إجتماعية وسياسية واقتصادية تدفع الكثير من العرب للموافقة على أن عيون لإسرائيل في قلب العالم العربي.
**الفزع من الديموقراطية
وقد تبين أن أكثر ما يرعب إسرائيل هو أن يترك الخيار للعرب في اختيار من يرونه مناسباً لإدارة شؤون الحكم لديهم. وأنه كان لأمر بالغ الدلالة ما كشف عنه التلفزيون الاسرائيلي باللغة العبرية بتاريخ 10/10/2005 حول تفاصيل اجتماع عقده رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون وعدد مقلص من وزرائه مع كبار قادة الجيش وأجهزة الاستخبارات الاسرائيلية حول تصور العلاقات المستقبلية مع العالم العربي. فقد كان من اللافت أنه ساد هناك إجماع بين شارون وقادة اجهزته الأمنية على أن مصلحة " إسرائيل " تتمثل في الإبقاء على أنظمة الحكم الشمولية في العالم العربي. ليس هذا فحسب، بل أن المجتمعين توصلوا إلى استنتاج مفاده أن التحول الديموقراطي في العالم العربي وبالذات في الدول التي تحيط بالكيان الصهيوني يفاقم المخاطر الاستراتيجية على وجود الدولة العبرية نفسها. المجتمعون الذين استمعوا الى تصورات قدمها عدد كبير من المستشرقين الصهاينة وعدد من كبار قادة أفرع المخابرات الذين تعاطوا مع الشؤون العربية خلصوا الى نتيجة مفادها أن التحول الديموقراطي في العالم العربي سيفضي بالضرورة إلى وصول نخب سيكون من المستحيل على الدولة العبرية التوصل معها لتسويات سياسية وفق بوصلة المصالح الاسرائيلية. ولم يكن هناك ثمة خلاف على أن وصول الاسلاميين للحكم يعني فيما يعني أن الصراع بين العرب و " اسرائيل " لن يحل إلا عن طريق الحسم العسكري، الأمر الذي يعني أن على الدولة العبرية ألا تعيد سيفها الى غمده أبداً، كما يقول المؤرخ الصهيوني بنتسيون نتنياهو والد رئيس الوزراء الصهيوني الاسبق بنيامين نتنياهو.
**الديموقراطية تعني التشبث بالحقوق
وينضم ما توصل اليه صناع القرار في الدولة العبرية من سياسيين وعسكريين من استنتاجات قاطعة، إلى فيض من الأحكام التي توصل إليها عدد من كبار الباحثين الصهاينة حول خطورة تحول العالم العربي نحو الدمقرطة. البرفسور يحزكيل درور الذي يوصف بأنه " أبو الفكر الاستراتيجي والسياسي " يقول في صحيفة الصفوة " هارتس " بتاريخ 4/3/2005 " أنا مع الديمقراطية، ولكن هيا نتخيل ديمقراطية في مصر او في الاردن، فهل هذا سيعزز سلامهما مع اسرائيل؟ بالطبع لا. النخب الحاكمة تفهم الحاجة للسلام، ولكن الجمهور في الشارع، الجماهير في الاسواق، بالتأكيد لا. استطلاعات الرأي العام في مصر تظهر بوضوح بان الجمهور لا يؤيد السلام مع اسرائيل". ويضيف درور انه على مدى تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي فقد كان للجماهير العربية دوما توجهات " لاسامية " اكثر من الحكام العرب الذين كانوا في حاجة لليهود. ويخلص درور إلى القول أن التحول الديموقراطي في العالم العربي يعني اندفاع العرب نحو للتشبث بحقوقهم.
**التعلق بإسرائيل
ويصل بن كاسبيت المعلق الصهيوني البارز في صحيفة " معاريف 8/2/2005" الى نفس الاستنتاج حيث يقول أن اسرائيل لا يمكنها أن تعيش في ظل تحول العالم العربي نحو الديموقراطية، حيث أن الرأي العام العربي معادي للسلام معها، في حين تعي الديكتاتوريات العربية أهمية علاقاتها بإسرائيل.وفي " مزايا " الانظمة الديكتاتورية التي يشدد عليها كبار الباحثين الصهاينة هو حقيقة ارتكاز هذه الأنظمة على موقف الادارة الامريكية كمصدر لشرعية بقائها، في حين أن الأنظمة الديموقراطية تستند الى شرعية نتائج الانتخابات النزيهة التي يمليها الشعب،كما يرى المستشرق جاي باخور الباحث البارز في مركز " هرتسليا متعدد الاتجاهات " في صحيفة " يديعوت احرنوت " بتاريخ 18/1/2004. وينوه باخور الى أن حقيقة حرص الأنظمة العربية الشمولية على موائمة سياستها مع السياسة الأمريكية طمعاً في البقاء، جعلها ترى في مغازلة اسرائيل والتودد لها بمثابة " جواز السفر " لقلب صناع القرار في واشنطن. ويجزم باخور أن مبادرة أنظمة الحكم العربية للتطبيع مع اسرائيل تأتي فقط لعدم استناد هذه الأنظمة الى شرعية الانتخابات، حيث أن كل ما يهم هذه الأنظمة هو بقاؤها، وليس مصالح شعوبها. ومن المفارقة أن باخور يصل لاستنتاج مثير حيث يوصي صناع القرار في الدولة العبرية بتجاهل مبادرات التطبيع التي تبديها الأنظمة العربية.
**البقاء كأولوية
ويشير الجنرال المتقاعد داني روتشيلد الذي شغل في السابق منصب رئيس قسم الابحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية " أمان " الى حقيقة استفادة اسرائيل دوماً من حقيقة حصر الانظمة الشمولية في العالم العربي اهتمامها فقط بالحفاظ على استقرارها، وعدم ارتباطها بمصالح شعوبها الوطنية والقومية. واضاف في حديث مع الاذاعة الاسرائيلية باللغة العبرية بتاريخ 23/7/2005 " الحكومات التي يتم فرزها ديموقراطياً تكون ملتزمة بالعمل على تحقيق المصالح الاستراتيجية لدولها، لذا فأن هناك مصلحة اسرائيلية واضحة وجلية في بقاء أنظمة الحكم العربية الحالية". ويضرب روتشيلد مثالا على ذلك بالتطورات الدرامتيكية على سياسة معمر القذافي، وانقلابه على شعاراته القديمة بعد أن تملكه الفزع من مصير كمصير صدام حسين، ومسارعته للاعلان عن التخلص من الاسلحة الكيماوية، وخروجه عن طوره من أجل استرضاء امريكا.من ناحيته يرى الكاتب والمعلق السياسي الشهير الوف بن أنه ليس من مصلحة اسرائيل تحول العالم نحو الديموقراطية وذلك لأن اسرائيل في هذه الحالة ستفقد خصوصيتها ك " واحة " للديموقراطية في منطقة تحكمها الديكتاتوريات، وبذلك تفقد تل ابيب الحق في الزعم بأنها الدولة الوحيدة في المنطقة التي تربطها قواسم مشتركة مع حضارة الغرب. ويعتبر الاسرائيليون أن الديكتاتوريات في العالم العربي افرزت مع مرور الوقت قادة ضعاف، وبوجود هؤلاء القادة تصبح اسرائيل هي التي تمنح السلام لهم، لا ان تصنعه معهم، كما يقول بنيامين نتنياهو ( هارتس 18/4/2005).ويؤكد عكيفا الدار أن اسرائيل وجدت فرصتها الذهبية في ممارسة الضغوط على القادة العرب الضعاف، حيث أن هؤلاء ابدوا دوماً قدراً كبيرة للاستجابة للضغوط التي مارستها عليهم تل ابيب. ولا يساور الدار شك في أن اسرائيل ستفقد هذه القدرة في حال تم استبدال الانظمة الشمولية في العالم العربية بأنظمة ديموقراطية.
أنه ازاء هذا الموقف الصهيوني الواضح والجلي من قضية دمقرطة العالم العربي فأنه يبدو حجم مساهمة الديكتاتوريات العربية في تحقيق مصالح الدولة العبرية بشكل مباشر وغير مباشر، وأنه يتوجب التخلص من هذه الانظمة والانتقال للانظمة الديموقراطية ولو من أجل تحسين ظروف العالم العربي في المواجهة مع " اسرائيل ".