بقلم : نقولا ناصر* ... 16.11.2009
(**مركز الولايات المتحدة في العراق يمكنها من إملاء الشروط على منافسيها الأوروبيين والآسيويين، ووسط التوترات المتصاعدة بين القوى العظمى، يمكنها من القدرة على التهديد بقطع إمدادات النفط)
إن من يطلع على تفاصيل ما آل إليه حال النفط العراقي هذه الأيام لا يمكنه إلا أن يرى في استجواب برلمان المنطقة الخضراء ببغداد لحسين الشهرستاني، وزير نفط الحكومة المنبثقة عن الاحتلال الأميركي، في الأسبوع الماضي مسرحية هابطة فشلت في التغطية على العملية الواسعة الجارية منذ الغزو عام 2003 لنهب هذه الثروة الوطنية الاستراتيجية قبل أن يتم إضفاء الصفة القانونية على مصادرة هذه الثروة لصالح الغزاة بقانون جديد للنفط فشل الاحتلال حتى الآن في تمريره بسبب تنازع الكتل السياسية الطفيلية التي جاء الاحتلال بها على من يكون الوكيل المحلي الأكبر للاحتكارات النفطية الدولية وبالتالي على من يستأثر بالحصة الأكبر من الفتات النفطي الذي ستتركه لهم، بالرغم من أهمية أوجه الفساد التي كشفها الاستجواب والجدل الساخن حولها الذي قاد بعض هذه الكتل إلى التوجه للمحاكم لحسم جدلها، بينما هي جميعها مسؤولة عن الوضع الراهن نفطيا ووطنيا وقد لا يكون اليوم بعيدا عن محاكمة وطنية كبرى لها جميعا.
والتقرير التالي الذي نشره جيمس كوغان في الموقع الإلكتروني للاشتراكية العالمية (دبليو إس دبليو إس دوت أورغ) في الحادي عشر من الشهر الجاري بعنوان "نهب نفط العراق" يعطي لمحة سريعة لعملية النهب الجارية، وهو غني عن البيان، لذا أكتفي بترجمته في ما يلي دون تعليق، مكتفيا بتعليقات كاتبه:
"يؤكد منح حقوق تطوير حقل نفط القرنة الغربية الضخم في جنوب العراق لشركتي إيكسون – موبيل ورويال داتش شل يوم الخميس الماضي مرة أخرى الطابع الإجرامي للاحتلال المستمر الذي تقوده الولايات المتحدة. وكنتيجة مباشرة لحرب العراق، فإن كبرى الشركات الأميركية وغيرها من شركات الطاقة العابرة للحدود القومية تكسب السيطرة الآن على بعض أكبر الحقول النفطية في العالم.
"فقد أثبت حقل القرنة الغربية وجود احتياطيات قدرها (8.7) مليار برميل من النفط. ويقدر إجمالي احتياطيات العراق في الوقت الحاضر ب(115) مليار برميل، مع أن العشرات من الحقول المحتملة لم تستكشف بصورة مناسبة بعد. قبل الغزو الأميركي في سنة 2003، منح نظام صدام حسين البعثي الحقوق على القرنة الغربية لشركة النفط الروسية لوكأويل. غير أن النظام العميل المؤيد للولايات المتحدة في بغداد مزق كل عقود ما قبل الحرب.
"وكانت إيكسون – موبيل العملاق النفطي الذي يتخذ من الولايات المتحدة مقرا له هي المستفيد الأول. وطبقا لبنود عقد مدته عشرون سنة تخطط إيكسون – موبيل وشل لزيادة الإنتاج اليومي في القرنة الغربية من أقل من (300) ألف برميل إلى (2.5) مليون برميل في اليوم خلال السنوات الست المقبلة. فإلى جانب قيام الحكومة العراقية بتعويض الشركتين عن كلفة تحديث الحقل – بمبلغ قد يرتفع إلى (50) مليار دولار أميركي – سوف يدفع لهما (1.9) دولار عن كل برميل يتم استخراجه، أو حوالي (1.5) مليار دولار سنويا. وتملك إيكسون – موبيل حصة (80) في المئة بينما تملك شل حصة العشرين في المئة الباقية.
"وهذا العقد هو الثاني فقط الذي يوقعه نظام بغداد مع شركات طاقة أجنبية. ففي يوم الثلاثاء الماضي، أبرمت الحكومة العراقية صفقة مع بريتيش بتروليوم (بي بي) ومؤسسة البترول الوطنية الصينية (سي إن بي سي) ، لتعطيهما حقوق تطوير حقل الرميلة الشاسع الذي تبلغ احتياطياته (17) مليار برميل. وتملك بي بي حصة (38) في المئة وسي إن بي سي حصة (37) في المئة. والخطة هي رفع الانتاج من مليون برميل يوميا إلى (2.85) مليون برميل، لتحقيق أرباح تزيد على (2) مليار دولار أميركي في السنة.
"وخيبة الأمل الوحيدة للشركات العابرة للحدود القومية هي أن العقود ليست على أساس نموذج اتفاقية الشراكة في الانتاج (بي إس إيه)، التي تمكنها من الوصول إلى (40) في المئة من إجمالي عائد أي حقل نفطي. فحتى العناصر المشتراة بالمال التي تتكون منها الحكومة العراقية رفضت تسليم حقول النفط الأكبر في البلاد بمثل هذه الشروط. وبدلا من ذلك، صنفت الصفقتان باعتبارهما اتفاقيتي "خدمة"، مما مكن رئيس الوزراء نوري المالكي ووزير نفطه، حسين الشهرستاني، من تجاهل البرلمان وعدم وجود قانون للهيدروكربون (النفط والغاز) يحكم صناعة الطاقة.
"وتوجد صفقات أخرى هي قيد وضع اللمسات النهائية عليها. فقد وقع كونسورتيوم يتكون من الشركة الايطالية إيني وأوكسيدنتال التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها والشركة الكورية الجنوبية كورغاس اتفاقية غير نهائية لحقل نفط الزبير باحتياطياته الأربع مليارات برميل. كما تتنافس إيني والعملاق الياباني نيبون أويل والشركة الاسبانية ريبسول على حقل في الناصرية ذي حجم مماثل من الاحتياطي. وفي شمال العراق، تتفاوض رويال دوتش شل على عقد لتطوير مناطق لم ينقب فيها من حقل نفط كركوك الكبير، الذي يعتقد بأنه يحتوي على احتياطيات تقدر بحوالي (10) مليارات برميل بالرغم من الانتاج فيه مستمر منذ عام 1934.
"بعد أن طالبت في البداية بشروط أفضل، فإن شركات الطاقة توافق الآن على تحديث الحقول القائمة آملة في أنها ستكون في مركز أفضل عندما تعرض في المزاد في وقت لاحق من العام الحالي أو العام المقبل عقود مجزية أكثر، أساسها نموذج اتفاقية الشراكة في الانتاج على (67) حقلا لم ينقب فيها بعد. وبينما استغرق الأمر فترة أكثر مما كان متوقعا، فإن شركات الطاقة الكبرى تحسب الآن بأن العراق مستقر كفاية حاليا للبدء في ضخ الأموال من أجل توسيع إنتاج البلاد من النفط إلى حد كبير. وقد اتخذت الخطوة الأولى بفتح صناعة النفط العراقية، التي أممت في سنة 1975، أمام المستثمرين الأجانب.
"ومما يؤكد الطبيعة النيوكولونيالية لهذه العملية، أن مسؤولين كبيرين سابقين في إدارة بوش يقومان الآن بتسهيل صفقات الشركات في العراق. إن جاي غارنر، أول رئيس لإدارة الاحتلال الأميركي في العراق بعد الغزو، هو الآن مستشار شركة الطاقة الكندية فاست إيكسبلوريشن، التي تملك حصة (37) في المئة في حقل نفطي في الشمال الكردي. أما زلمان خليل زاد، السفير (الأميركي) السابق في أفغانستان والعراق والأمم المتحدة، فقد أسس مؤسسته الخاصة لتقديم المشورة للشركات الكبرى في مدينة أربيل الكردية.
"لقد كان الغزو والاحتلال الأميركي للعراق دائما حربا على موارد الطاقة. وقد ذبح أكثر من مليون عراقي، وأصيب ملايين آخرون بالإعاقة الجسدية والنفسية، ودمرت مدن وبنى تحتية، وقتل أو جرح عشرات الآلاف من الجنود الأميركيين من أجل تحقيق السيطرة الأميركية على احتياطيات النفط الضخمة في العراق كجزء من أطماع أوسع في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.
"لقد فشلت الولايات المتحدة في تحقيق أهدافها الإقليمية الأوسع بعد حرب الخليج الأولى في 1990-1991. فنظام (صدام ) حسين بقي في مكانه وبالرغم من العقوبات المتواصلة للأمم المتحدة كان يوقع عقودا مع شركات مثل العملاق النفطي الفرنسي توتال ولوكأويل. ومنذ أواخر عقد التسعينات من القرن العشرين الماضي فصاعدا، كانت روسيا وقوى أوروبية تضغط من أجل رفع العقوبات للسماح لهذه الشركات بجني الفوائد. وأصبحت الحرب هي الوسيلة الوحيدة لمنع استبعاد مصالح الشركات الأميركية.
"ولم تكن شركات الطاقة الأميركية الكبرى متفرجة سلبية. فقد شارك ممثلون رفيعو المستوى لإيكسون – موبيل، وشيفرون، وكونوكو – فيليبس، وبي بي أميركا، وشل في محادثات جرت في أوائل عام 2001 مع "قوة مهمات الطاقة" التي أنشاتها إدارة بوش برئاسة نائب الرئيس ديك شيني. ومن الوثائق التي أعدت للمباحثات خريطة تفصيلية لحقول النفط العراقية، وموانئها، وخطوط أنابيبها وقائمة بالشركات الأجنبية غير الأميركية التي كانت تستعد للدخول. وأعلن تقرير لقوة المهمات في أيار / مايو 2001 بفظاظة هدف الولايات المتحدة: "سوف يكون الخليج نقطة التركيز الأساسية لسياسة الطاقة الدولية للولايات المتحدة".
"واستغلت هجمات 11 أيلول / سبتمبر الإرهابية عام 2001 لتوفير حجة للحرب. فالأكاذيب حول أسلحة الدمار الشامل العراقية اقترنت بمزيد من الأكاذيب عن صلة عراقية مع القاعدة. وفي التحضير للغزو، التقى المدراء التنفيذيون لصناعة النفط تكرارا مع مسؤولين في إدارة بوش. وكما علقت صحيفة الوول ستريت جورنال في 16 كانون الثاني / يناير عام 2003: "بدأت شركات النفط الأميركية تستعد لليوم الذي قد تحصل فيه على فرصة للعمل في واحد من أغنى بلدان العالم في النفط".
"وبعد أن أغرقت الشعب العراقي في الدماء، فإن القلة المالية الأميركية المهيمنة والساعية وراء منافعها الذاتية في الشركات تعتقد الآن بأن ذلك اليوم قد حل أخيرا. وبينما الشركات الأميركية الكبرى ليست هي المستفيد الوحيد من العقود، فإنه لا يوجد أي شك في من له القول الأخير الفصل حول نفط العراق. فبوجود قواعد عسكرية ضخمة في البلاد ونظام في بغداد مرتبط بواشنطن، تكون الولايات المتحدة في مركز يمكنها من إملاء الشروط على منافسيها الأوروبيين والآسيويين، ووسط التوترات المتصاعدة بين القوى العظمى، يمكنها من القدرة على التهديد بقطع إمدادات النفط – وهذه عقيدة عمرها طويل للسياسة الاستراتيجية الأميركية".