أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
هل يخدم حكم حماس المصلحة الوطنية ؟

بقلم : صالح النعامي ... 01.12.2009

بات في حكم المؤكد أن تجربتي كل من فتح وحماس في الحكم قد انتهتا إلى فشل كبير ومدو، وسواءً أسفرت الانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة عن فوز حركة حماس أو حركة فتح، فإن المصلحة الوطنية في الحالتين مرشحة لمزيد من التراجع. لا يمكن لحركة فتح مواصلة الحكم بعدما أفلس البرنامج السياسي الذي على أساسه خاضت انتخابات عامي 1995 و2006، وتهديد أبو مازن بالإستقالة هو خير دليل على ذلك. لقد كانت حصيلة 16 عاماً من التفاوض هو قضم المزيد من الأرض الفلسطينية عبر الاستيطان والتهويد، وفي المقابل لا يتوقع أن تغير كل إسرائيل والإدارة الأمريكية من سلوكها، وبالتالي ستبقى الأسباب التي حدت بعباس للتهديد بالاستقالة قائمة. من هنا سواءً استقال أبو مازن في النهاية أو ترشح مرة أخرى فإن حركة " فتح " لن تكون قادرة على تحمل المسؤولية الوطنية في هذه الفترة تحديداً، حيث أن جميع الأسماء التي يتم تداولها داخل حركة " فتح " لخلافة عباس تتبنى نفس توجهاته السياسية، وبالتالي فإن تبوؤ أي منها مقاليد الأمور خلفاً له سيكون وصفة لتكريس الوضع القائم، وفتح المجال بالتالي أمام إسرائيل لمواصلة فرض سياسة الأمر الوقائع على الأرض، سيما وإن ذهنية كل من عباس والمرشحين لخلافته تستبعد من حيث المبدأ فكرة التصادم الواضح مع السياسة الإسرائيلية، ولا مجال هنا لحصر الأمثلة الكثيرة التي تؤكد ذلك. ويفتقد أبو مازن والمرشحون لخلافته الأهلية للحكم ليس فقط لاستلابهم لخيار المفاوضات العبثية، بل بسبب جملة الارتباطات المصلحية لهؤلاء مع إسرائيل والإدارة الأمريكية التي تقلص من قدرتهم على اتخاذ قرارات مستقلة في صالح الشعب الفلسطيني.
من ناحية ثانية فإن حركة " فتح " طورت نموذجاً في الحكم يقوم على الفساد والمحسوبية، وهو ما لم تتمكن من التخلص منها رغم أن فشلها في الانتخابات الأخيرة كان بسبب هذا النموذج الفاسد.
وفي المقابل، ومن أسف، فإن حصيلة ثلاثة أعوام في الحكم لا تدلل على نجاح تجربة حركة حماس في الحكم. لقد شاركت حماس في الانتخابات وشكلت حكومتها الأولى بناءً على فرضيات خاطئة ثبت زيفها، ودفع الشعب الفلسطيني لقاء ذلك ثمناً باهظاً. ونحن هنا بصدد مناقشة هذه الفرضيات:
أولاً: لقد سوغت حماس مشاركتها في الانتخابات على اعتبار أنها لا تجري في ظل قيود أوسلو سيما بعد تطبيق خطة " فك الإرتباط " وإعادة الجيش الإسرائيلي تموضع قواته في محيط القطاع، وإن كان هذا الزعم غير صحيح ابتداءً، فأن تجربة الحركة في الحكم دللت بشكل واضح على أن قطاع غزة لا يخضع فقط بشكل تام لقيود " أوسلو "، بل إن إسرائيل بإمكانها ابتكار قيود أخرى أشد وطأة، وتتحكم تل أبيب في كل شئ في قطاع غزة براً وجواً وبحراً. وخير دليل على ذلك الحصار المفروض منذ أكثر من عامين ونصف.
ثانياً: انطلقت الحركة من افتراض مفاده أنه بالإمكان الجمع بين الحكم والمقاومة، وأن مشاركتها في الإنتخابات سيعمل على حماية خيار المقاومة. وقد كان الإفتراض خاطئ من أساسه، لأن الحكم يفرض على الجهة الحاكمة السعي لتأمين متطلبات الحياة الكريمة لمواطنيها عبر تقديم الخدمات المختلفة، ولما كانت القدرة على تقديم الخدمات تعتمد بشكل أساسي على الإرادة الإسرائيلية ونوايا تل أبيب " الحسنة "، فقد مثل حكم حماس فرصة بالنسبة لإسرائيل لممارسة الإبتزاز، فردت على عمليات المقاومة بتعطيل الخدمات التي يمكن للحكومة في غزة أن تقدمها، وهو ما أجبر حماس عملياً على وقف المقاومة.
ثالثاً: افترضت حماس أن وصولها للحكم سيقلص من هامش المناورة المتاح أمام فريق أوسلو لتقديم تنازلات لإسرائيل، لكن ما حدث كان العكس تماماً. فبعد أن نجحت حماس في احباط محاولة الإنقلاب التي خطط لها الجنرال دايتون، وجدت قيادة السلطة نفسها مضطرة لتوثيق تحالفها مع الولايات المتحدة وزادت من اعتمادها على إسرائيل في حربها على الحركة، حيث لم يعد أمامها أي خطوط حمراء. وعلى سبيل المثال فقد كان التنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة على قدم وساق منذ أن تشكلت السلطة، لكنه قطع شوطاً هائلاً مع حدوث الإنقسام الداخلي. وللأسف الشديد، فإنه بسبب الانقسام الداخلي لم يعد أحد يتصدى للمخاطر التي تتعرض لها القضية الوطنية، سيما القدس واللاجئون والأسرى وغيرها. ومن المضحك المبكي أنه في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تصادر أراضي الضفة وتهود القدس كان ممثلو جميع الفصائل منشغلين في جدل بيزنطي حول نظام الإنتخابات، نسبي أم دوائر!!. من هنا فإنه على الرغم من أن حماس لم تتنازل عن أي من الثوابت الوطنية وهو ما جعلها تتعرض لأشر حرب تشنها إسرائيل في تاريخها بغية اجتثاث حكم الحركة، إلا أن وجودها في الحكم وفر بيئة مناسبة لتحلل قيادة السلطة من مزيد من الثوابت الوطنية.
رابعاً: لقد كان للإنقسام تأثير هدام على استعداد الفلسطينيين للإنخراط في العمل المقاوم ضد الإحتلال. فبذريعة العمل على عدم تكرار ما حدث في غزة، توسعت قيادة رام الله في ممارساتها القمعية ضد نشطاء المقاومة وتحديداً المنتسبين لحركة حماس بشكل فاق كثيراً ما تعرضت له الحركة عام 1996. وقد وصل الأمر إلى حد أن قامت الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة باستدعاء أطقم التلفزة الإسرائيلية لتوثيق عمليات الاعتقال والتحقيق والتعذيب التي تقوم بها ضد نشطاء المقاومة لإقناع الرأي العام الإسرائيلي بجدراتها في محاربة المقاومة. من هنا فإنه طالما كان هناك انقسام، فإن الحديث عن انتفاضة ثالثة هو محض أوهام، ولو كان الإنقسام الداخلي على هذا الحال عام 2000 لما اندلعت انتفاضة الأقصى. وعلى الرغم من أن الحركة لا تتحمل تبعات ذلك، إلا أن وجود حماس في الحكم أفرز بيئة غير حاضنة للمقاومة والإلتزام بالثوابت الوطنية.
خامساً: شاركت حماس في الانتخابات بناءً على افتراض مفاده أن العالم العربي سيوفر عمقاً استراتيجياً لقطاع غزة. وقد كان من الخطل الانطلاق من هذا الافتراض على اعتبار أن تحمس الأنظمة العربية لإفشال تجربة حماس في الحكم لا يقل عن تحمس إسرائيل لذلك. فآخر ما يعني الأنظمة العربية أن ينجح الإخوان المسلمين في الحكم، وهي التي تناصبهم العداء
رغم كل ما تقدم، فإنه يبدو أن هناك مخرجان لا ثالث لهما من هذا الواقع المزري، الأول يتمثل في حل السلطة الفلسطينية واعادة خلط الأوراق من جديد وبشكل تام. لكن هذه الخطوة تحتاج إلى توافق فلسطيني كامل، ناهيك عن أنها قد تشتمل على مخاطرة كبيرة وغير محسوبة.
أما الخيار الثاني فيتمثل في إعادة صياغة النظام السياسي الفلسطيني، عبر التخلص من فريق أوسلو وانقاذ حماس من ورطة الحكم، من خلال كسر ثنائية حماس فتح الضارة عبر تشكيل إئتلاف وطني فلسطيني عريض يضم كل الفصائل والشخصيات المستقلة والجمعيات الأهلية والفعاليات الجماهيرية التي تعترض على مشروع المفاوضات العبثية، وفي نفس الوقت معنية بتقليص المسوغات المستخدمة لمواصلة فرض الحصار على الشعب الفلسطيني. وبإمكان هذه القوى الاتفاق على برنامج وطني توافقي، بهدف إلى إفشال أي محاولة لاعادة انتخاب أبو مازن أو أي من فريق التسوية بأي ثمن، وضمان فوز رئيس جديد للسلطة يعيد الاعتبار للثوابت الوطنية.
في نفس الوقت فإن الإتئلاف الوطني يضمن تغيير التركيبة الحالية للمجلس التشريعي، وتشكيل حكومة جديدة، ويمنح حماس الفرصة لتقليص مشاركتها في الحكم. مع العلم أنه من غير المستبعد أن يجمع الفرقاء في الساحة الفلسطينية بعد ذلك على حل السلطة، لكن في هذه المرة يكون على أساس اجماع وطني واضح. وفي نفس الوقت يتم اعتماد استراتيجية جديدة للمقاومة تضمن بقاءها وفي نفس تقلص من قدرة إسرائيل على التغول على الشعب الفلسطيني!!