بقلم : ريم عبيدات ... 05.01.2010
هو الزمن، بكل ما يعنيه، بزواياه النفسية المديدة، بعمره الحقيقي، بمعانيه العابرة للمكان والعمر والجنس والثقافة، بإحساسنا بثقله وخفته، ببطئه وسرعته، برغبتنا الفائقة في أن يمضي سريعا، أو بتشبثنا الطفولي بجلبابه المسرع فوق رؤوسنا. ونحن البشر، المنضوين تحت إمرته، المنتظمين في حدائق قراراته او بالأحرى قراراتنا حياله.
الزمن فكرة علمية، أو نفسية، عجينة تصلح لتشكيل معان مختلفة في الحياة، وسيلة تفوقت على كافة وسائل البشر للذهاب بعيداً أو المكوث، ومعادلة قد تكون الأصعب أو الأسهل وفقا لزاوية التفكير، لكنه أهم أبطال رواية الحياة، بل الحياة ذاتها.
الزمن بالنهاية كمشة من العمر نسكبها في قالب الحياة، لتتموضع حياتنا بأسرها حوله، عبره يصنع الناس أفراحهم، نجاحاتهم، إنجازاتهم على قدر تفوقهم في التعامل مع قسوته وشروطه المنافسة، وقدرته الفائقة على الحسم، والبشر يتمايزون بقدراتهم المتباينة على فهم شروطه التي تصنع انطلاقتنا نحو الرحلة الفائقة.
الشعوب والأمم، رقصت مع الزمن رقصتها الأهم، فتلك التي ظلت نائية عن التأثير، تعاملت مع الزمن بوصفه الفاعل والفاتك، والقائد، واسترخت متبلدة تاركة للظروف أية ظروف، مقعد السائق ومساعده، بل نزلت من الحافلة بأسرها عند أول محطة. وأبدعت في نسج ثقافتها الذرائعية للتملص من مسؤولياتها حياله وحيال نفسها، لتصبح ثقافة المجتمع السائدة “ثقافة ذرائعية واختلاقية” بامتياز. وتشير دراساتها، وواقع حالها بشدة فخامة خطابها عن انشغالاتها، وتدبير الحجة تلو الثانية، لإقناع المخاطب بالكم الكبير من التفاصيل التي تتزاحم في جعبة كل منا، والتي تحول وباستمرار دون الوفاء بالتزاماتنا حتى البسيطة والأولية منها، وما أكثر وأطول قائمة الأعذار والذرائع والانشغالات المختلقة حيال أي ظرف يتطلب بعضا من العمل او قليلا من التركيز والجهد.
فيما أوغلت الشعوب المنجزة في نظرياتها المعمقة لتعاطيها مع الزمن بصفتها المهندسة لما تصنع به، والمحترمة لقسوة سرعته المحمومة، الشعوب التي تحتفي بالمعرفة وبالمكتشف العلمي وبتسجيل براءات الاختراع يوميا. هي الشعوب التي أحست بسيمفونية الزمن المنبعث من بين كافة جنبات الحياة من حولها، فانشغلت أيضا بدراسته، ودراسة قدرات الإنسان وبالذات في جزئية تعاطيه مع هذا المارد العظيم المسمى بالزمن. كما والأفكار النفسية والتربوية والإدارية والإبداعية التي تساعد الناس على المزيد من التناغم معه.. وحدث ولا حرج، الأدوات والتقنيات التي تعطي الإنسان بدائل مختلفة لإتقان اللعبة مع هذا الزمن.
الزمن وطن الإنسان الأهم، فعبره سكن وانتمى وأنتج وأفسح الطريق، وقاد الحياة وانزوى جانبا، أحب وكره، اشتط وفرح، عاش طفولته وطفولة كهولته، عرف قوته وضعفه، تعرف إلى نفسه وغيره بقدر وعيه بهذا الزمن.
الزمن شاء هذا الإنسان أم ثار واعترض، أهم الأصدقاء في شرطنا، الذي ما نلبث ان نحوله وبإصرار شديد الى ألد الأعداء القادرين على هزيمتنا دائما والى الأبد.