بقلم : ريم عبيدات ... 12.01.2010
تسألينني عن الكتاب وعلاقتي بالكتاب، يا أيتها الصديقة المشاكسة للعقل والمثيرة لتداعياته، المثيرة للمشكل في أبعد قيعانه إلى آخر تجلياته المستعصية على الوصف، فأحار من أيها أبدأ؟
من مساءات أمي الحانية، لمشهدها حين جاء سؤال الصحافي المباغت: لو قدر لها أن ترسم فما البورتريه الممثل للفكرة، الجواب كان بسيطاً وقصيراً وواثقاً: جالسة على مقعدها الأثير قبالة الباب ترقب صغارها وتقرأ كتابها أو تقوم بصنع الكيك وسط جلبة الصغار تحضيرا لطعام أطفالها في اليوم التالي.
من الوالد المتأبط عدداً من الكتب الفكرية كما الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية والشهرية التي لازمت الأهل والأصدقاء في اتحاد موسيقي إنساني رائع عبر المعاني، من صباحات ومساءات القراءة الفردية والجماعية، لجلسات المناقشة الدائمة للمعاني والأفكار لتتجلى التصورات والاختلافات، وفقاً لاختلاف البشر ومشاربهم ورؤاهم المختلفة للكون والأشياء.
مع الكتب تتكثف الحيوات في حياتنا الواحدة القصيرة المسكينة بلا هوادة، لتطول وتضاف إلى رصيدنا الدائم من الحب والألم، ومن التجربة، ومن الذهاب بعيدا إلى أعماق التجربة الكونية دائما والى الأبد.
أما المكتبات تلك المختالة بالقوة والنبض والتجدد، حين ندلفها يداهمنا الشعور المراوغ بالعبث، وقصر الحياة عن مطاولة كل هذه المعاني، حيث لا أمل من المرور على آفاق التجربة المتخلفة على الرفوف والزوايا ولو بعد عشرات بل ومئات السنين. الكتب استيلاءاتنا الأجمل، واستحواذاتنا الأهم، على الروح والمخيلة والذائقة إلى الفضاءات الجديدة اللامحدودة، اللامعروفة واللامسبوقة.
فمن قراءة التحليل، لقراءة البحث، لقراءة العمل، لقراءة المتعة والاستزادة.. فعبر لعبتي القراءة والكتابة نلعب مع أنفسنا لعبتنا الأشقى، فننزلق إلى غرفنا المضاءة والحائرة والمرتبكة، والضائعة، وتلك البعيدة جدا عن متناول المعرفة.
قيادة جبارة تلك التي يمارسها الكتاب على طقوسنا وإمكاناتنا، يشدنا من يدنا كالأطفال، لنحبو معه في رحلة نتوق عبرها للظمأ الدائم للارتواء الذي يعدنا به، ليواصل دفعنا لكتاب جديد، لنتابع من جديد رحلة الظمأ القادمة والدائمة هكذا إلى غير انتهاء.
جسر عجيب هذا الذي يخلقه الكتاب، بين دفتيه، للعبور الدائم بين الحقائق والأوهام، فيحولنا إلى فراشات الاكتشاف المنبهر والمبهر للضوء والحرارة والسطوع كما والكمون والاختفاء.
لكم أتمنى أن تلتهم حياتي كلها عبر الكتب دفعة واحدة، أطير عبر السطور والصفحات، إلى حيث أدري ولا أدري، وعادة لا أدري ولا أريد.