بقلم : حنان عارف ... 20.02.2010
... كأي طفلة صغيرة تمسك بيدها القلم والورقة تحاول أن تخط أحلامها البيضاء كالصفحة التي أمامها ترسم أشكالا غريبة عجيبة بألوان زاهية جميلة خطوط كثيرة تخطها بيدها دون أن تدري معناها أو أن تعرف أنها خطوط الحياة والعمل والصحة والحب والزواج والأمل والألم والحلم و.. و..
فبعضها صغير جدا وبعضها يمتد ويمتد وقد يتجاوز الصفحة إلى سطح الطاولة التي تستند إليها، بعضها مستقيم ومستو وبعضها ذو تعرجات كثيرة أو قليلة.
بعضها وحيد منعزل وبعضها متشابك، بعضها بلون اسود كالألم وآخر بالأحمر كالدم، اخضر كالأمل، اصفر كالغيرة ازرق كالسماء والبحر.....
الفتاة تكبر وتكبر معها يدها والقلم والصفحة والخربشات عليها لتتحول إلى أشكال واضحة مفهومة تعكس أمانيها وأحلامها ومع مرور الوقت حولت الفتاة الأشكال إلى كلمات لامست روحها.
فرح أهلها وشجعوها ابنتنا ستصبح كاتبة مشهورة، هذه الفتاة المرهفة الإحساس حملت عبئها وعبء بنات جنسها أخذت تكتب عن معاناة صديقتها وحكاية خالتها وحادثة جرت مع جارتها وعن قصة سمعتها من جدتها، شيئا فشيئا أصبحت تعتبر مأساة كل أنثى مأساتها وفرح أي فتاة يغمر قلبها هي....
قصة وراء قصة، حكاية تليها حكاية، مرة بعد مرة أصبحت تدرك أن ما تفعله ليس بالأمر السهل وليس كل ما تكتب عنه سينال الإعجاب ويُصفق له بحرارة.
كيف لا تكتب عن الحب وهي ترى أن الحب كالله موجود في كل مكان ومتاح لأي إنسان مهما كان عمره أو جنسه أو مذهبه أو وضعه المادي أو انتماءه السياسي.
لم تجد في الواقع قصة حب ترقى لمستوى طموحاتها فقام خيالها برسم شخصيات القصة، ابتكرت حبيبا وهميا رأت أن هذه القصة تستحق أن تكون سلسلة حب تقوم بكتابتها على التوالي.
أحب الناس ما قرؤوا، تلامزوا وتهامسوا من هو هذا الحبيب يا ترى، أصبح الجيران يبحثون بين شباب الحي عن شاب بهذه الصفات، بدأ أقرباء الفتاة بسؤال أهلها عن حبيب ابنتهم وكيف يسمحون لها أن تسترسل في وصفه ووصف ما يجري بينهما، ثارت ثائرة ابن عمها "أبسبب هذا الحبيب رفضت عرضي للزواج بها... وإن كانت بهذه الجرأة بالوصف فلماذا لا تجاهر به علناً".
شائعة صغيرة أطلقها احدهم وأخذت تنتقل من فم إلى فم، كذبة أول من صدقها من ابتكرها، حتى هي نفسها اقتنعت بوجود هذا الحبيب الوهمي في حياتها وأصرت عليه، جَملته، زينته، نظفته من شوائب المجتمع الذكوري، أزالت عنه غبار الزمن والعصور الحجرية ومن ثم أطلقته من جديد... جعلته رجلا كما يجب أن يكون لا كما يراه المجتمع، ملجأ في لحظات الألم والخوف، حضن دافئ في أيام البرد ولحظات الارتجاف، به من الأنوثة والرقة ما يجعله يفهمها ويشعر بها...
حبيبها المثالي هذا أصبح ضروريا لدرجة أن تضحي من أجله بكل شيء، ومع إصرار الآخرين على أن يقابلوه، ومع خوف أهلها من الفضيحة ازداد إصرار الفتاة على وجوده.
بكت كثيرا خشية أن لا تكتب رسائل الحب له ثانية، أن لا يسمعها عبارات الغزل التي تكتبها بنفسها، ارتجفت من فكرة "الحلقة الأخيرة" وزواج البطل في النهاية وهجرها.
توقف أهلها عن المديح والثناء وطالبوا بان تعرفهم على هذا الشاب وليأتي ليخبطها فالناس بدأت بالحديث عن مغامرتها.!
ذهلت الفتاة وأقسمت لوالدتها بان كل ذلك من نسج الخيال لا تعرف أي شخص بهذا الاسم أو هذه الصفات.
توقفت الفتاة عن الكتابة نزولا عند رغبة أهلها وخطبت لأول طارق على الباب.