بقلم : ماجد البلوي ... 07.12.2009
*يبدو أن كل شيء مختلف في حياتنا، فنحن لا نعطي الأشياء معانيها الحقيقية، ومن هنا نجد أن هناك شيئا معكوسا تماما في المجتمع، فالذين يمنحون الوطن عصارة فكرهم، ورحيق وجدانهم يجب ألا يعيشوا في الظل.. بعيدا عن الصخب الإعلامي والأضواء الكاذبة، ويعملون بإخلاص وبضمير وطني مضيء وخلاق، ويمنحون الحياة بهجتها وبريقها وحضورها الجميل، يتجلى ذلك في أعمالهم، وفي بيوتهم، وفي عشقهم للوطن.
إنهم يعملون في صمت عبر إنجازاتهم العلمية في مكاتب وقاعات ومعامل الكليات والجامعات، وفي المستشفيات والمراكز العلمية والطبية، وفي الدرس التربوي والجامعي، وفي كل مكان تبرز فيه معنى الوطنية وقيمة الوطن.
من هنا.. وفي وسط هذا الصخب الإعلامي، والزحام الكتابي، الذي اختلط فيه ما هو خاص بما هو عام، وتم فيه وعبره التعبير بحرقة شديدة عن جدة وسقوطها في مستنقع التجاوز الإداري، يجب ألا ينسينا هذا عن أن هناك رجالا مخلصين في هذا الوطن، وأناسا لا يتشدقون في المجالس بالوطنية، ولا يرفعون أصواتهم بحثا عن من يكتب عنهم وينصفهم ويمنحهم الضوء؛ ذلك أن الوطنية عمل وإنتاج، وإبداع، وإخلاص ممهور بعشق حقيقي لهذه الأرض.
* نعم هناك من يتحدث عن الوطنية وهو أبعد الناس عن الوطنية، ذلك أن الوطنية ليست كلمات تقال ومفاهيم ومصطلحات يتم البحث عنها في الكتب والمعاجم؛ ولكنها وطنية الفكر والممارسة، ووطنية المتن والهامش.. الواجهة والظل، إنها أعمق وأشمل، والوطن لا يبنى إلا بسواعد وعقول المخلصين والمتفانين.. والخلاقين والذين يحبون الأرض والناس، علينا ألا نذهب بعيدا في توزيع الألقاب فنصف هذا بالوطني.. وذاك باللا وطني.. ونخرج خلق الله من فضاء الوطن.. مع إيماني المطلق بوجود وطنيين حقيقيين.. وبوجود وطنيين.. بلا وطنية أيضا.
* ولأن مفهوم الوطنية مفهوم ملتبس وغير واضح.. ونتعامل معه وفق أهوائنا وانفعالاتنا.. نبدو دائما وأبدا مجتمع الانفعال الدائم لا مجتمع الفعل.. وحتى الوطنية نفسها هي وطنية مواسم.. لا وطنية دائمة ترتبط بحالة أو بظرف معين، في حين أن الوطنية ينبغي أن تكون في حالة مستمرة وسيرورة، والشعور بقيمة الوطن مرتبط جذريا بقيمة الانسان، إذ لا قيمة للوطن بدون الإنسان، ولا يمكن أن تكون قيمة الإنسان إلا من خلال الوطن.. إنها في حالة ارتباط.. لا في حال انفصال.
لذلك فإن من أهم القضايا التي ينبغي أن تدور حولها نقاشاتنا وحواراتنا ــ على المستوى الفكري والثقافي والسياسي ــ قضية الوطنية.. والمواطن، ومتى يصبح المواطن مواطنا حقيقيا في وطنه لا مجرد «فرد» ومجرد رقم فقط.
* نحن نتعامل مع كل ما له صلة بحاضر الوطن ومستقبله بخفة وباستخفاف.. ومن هنا يبدو كل شيء في واقعنا الاجتماعي العام هشا وخفيفا وعشوائيا، ومن أصغر الأمور والقضايا.. إلى أكبر هذه الأمور والقضايا..