بقلم : رشاد أبوشاور ... 23.12.2009
في هذه الأيّام تعيش حركتا فتح وحماس أجواء احتفاليّة، فحماس التي احتفلت قبل أيّام، وما زالت احتفالاتها مستمرّة بعيد انطلاقتها الـ22، ولدت مع الانتفاضة الكبرى التي تفجّرت وهبّت رياحها في نهاية العام 1987، فهي شّابة عمرا، وإن كانت أفكارها تعود إلى حاضنة الاخوان المسلمين.
فتح ستحتفل بعد أيّام بعيد انطلاقتها الـ44، وهي وعدت عند انطلاقتها بتاريخ1/1/65 بتحرير فلسطين المحتلة عام 48، عندما كانت الضفة الغربية جزءا من المملكة الأردنيّة الهاشميّة، وغزّة كانت منطقة مُدارة تابعة لمصر، ومن بعد للجمهوريّة العربيّة المتحدة.
لقد حُرم الفلسطينيّون من بناء دولة على ما تبقّى من فلسطين، وأُجهز على حكومة عموم فلسطين برئاسة أحمد حلمي باشا.
لم تف العاصفة ـ الذراع العسكرية المسلّح لفتح ـ بوعودها، والتي وعدت في خطابها التعبوي منذ بلاغها الأوّل، بأنها ستخرج بالشعب الفلسطيني، والإرادة الفلسطينيّة على الوصاية العربيّة الرسميّة، لتحرر فلسطين المغتصبة بالكفاح المُسلّح.
عُمر فتح ضعف عُمر حماس، ووعود فتح وعود حماس لم يتحقق منها شيء، ومع ذلك فهما تحتفلان بمناسبة انطلاقتهما، بمهرجانات مُكلفة ماليّا، دون حرج، ليس بسبب الإنفاق المالي وحده، ولكن بسبب إفلاسهما السياسي، والمأزق الخانق الذي أدخلتا شعبنا فيه، وانهمكتا في تبادل الاتهامات حتى بلغتا حدّا غير مسبوق في تاريخنا النضالي، وفي مسيرة حركات التحرر في العالم.
أفلست الحركتان، فتح التي ما عاد يربطها شيء بما وعدت به، والتي بلغت الكهولة سياسيّا، وأقفرت من القادة المبدعين فكرا وممارسةً، والحريصين على مبادئ وأهداف الانطلاقة، وحماس التي بانتهازيّة ما عادت تنطلي على أحد ـ باستثناء محازبيها ـ تخلّت عن فلسطين الوقف الإسلامي، ودخلت الانتخابات التشريعيّة راضيّة مرضيّة تحت سقف أوسلو، وانخرطت في الصراع على السلطة، وأدارت ظهرها للمقاومة، ثمّ بسطت هيمنتها على قطاع غزّة بالقوّة والتصفيّات، واستفردت بإدارة القطاع وإخضاع واضطهاد جميع القوى السياسيّة بما فيها الصديقة لها ـ الجهاد الإسلامي ـ وإدارة الظهر لها، وعدم الإصغاء لنصحها، والاعتداء عليها مرارا وتكرارا وكلّما تحرك مجاهدوها لتنفيذ عمليّة عسكريّة، بحجّة أن الوقت غير مناسب!
بماذا تحتفل الحركات الثوريّة، والوطنيّة؟ بالدور الذي قامت به، وما تعد به، وما أنجزته على الأرض...
أمّا والحركتان ترفعان الرايات الملونة، والأعلام، والملصقات، وتتباهيان بالشهداء الذين سقطوا ورووا الأرض بدمائهم.. و..أمّا والحركتان لا تقدمان كشف حساب للشعب الفلسطيني بما وعدتا به، وما أنجزتاه، فإن شعبنا الذي تدعيان أنهما تمثلانه، والذي لا تسمعان أنينه، ولا تريان أوجاعه، يسألهما معا: هل تريان المأزق الفلسطيني الخانق، والنفق الشديد الظلمة والوحشة، وما يخنق مسيرة شعبنا الكفاحيّة؟!
ألا ترون يا قادة الفصيلين مأزق خيار المفاوضات، وما جلبه على المشروع الوطني الفلسطيني من ضياع للأرض، وتيه للشعب، وخسارة لحضور القضيّة الفلسطينيّة عربيّا وعالميّا؟!
قيمة وأهميّة الحركات الثوريّة أنها تبادر وتطرح الخيارات العمليّة، وتتقدّم الصفوف، ويتصّف قادتها بالتضحيّة، والنزاهة، والنظافة السلوكيّة، والشجاعة، وهذه الحركات لا تباهي بعدد الضحايا الذين يخسرهم الشعب في ميادين القتال، على أهمية هذا الأمر، ولكن بما تحققه من انتصارات، فالشعب المكافح لا يريد إحصائيات لعدد (الأضاحي) في (المسلخ)، ولكنه ينتظر ساعة النصر، والحريّة، الذين دفع ثمنها ضحايا هم خيرة من أنجب!
اعتادت الفصائل الفلسطينيّة بشكل عام أن تباهي بعدد شهدائها..أهذه هي المنجزات يا فصائل؟ ويا أيها الفصيلان الرئيسان المتنافسان و.. العاجزان عن تقديم رؤية للخروج من المأزق الكارثي المتفاقم، هل عدد الشهداء هو مبرر وجودكما؟!
(عبقرية) انتظار الخروج من المأزق، نموذج انتهازي قدري غيبي، يتجلى في انتظار حماس لسقوط السلطة، ورهانها على هذا الانتصار المأمول الذي ستسوقه لها الأقدار بينما يشتّد عليها وعلى أهلنا في القطاع حصار يُحكم تنفيّذه نظام التوريث والاستبداد في مصر، بتخطيط وإشراف أمريكي، ومباركة (إسرائيليّة).
أمّا عباقرة السلطة فيبررون كل أنواع الحصار لغزّة عقابا لحماس وللشعب الذي انتخبها، وتلهفا على انتصار يكرّسهم بسقوط حماس، إن بالحصار، أو بحرب على القطاع يشنها الاحتلال، وما التصريحات الأخيرة التي أدلى بها مركزيون من فتح، والتي يبررون فيها لمصر إنشاء الجدار الفولاذي الإلكتروني الذي سيخنق غزّة تماما، انطلاقا من أن هذا قرار سيادي، سوى البرهان على انبتات هؤلاء (القادة) عن شعبنا وقضيتنا...
انظروا أي درك منحّط بلغه الخطاب الانتهازي الرخيص الذي يتلذذ بجوع ومرض وموت أهلنا في قطاع غزّة العريق نضاليّا، وانظروا أي درك من النفاق والكذب يتميّز به أصحاب هذه التصريحات.
هؤلاء قادة، قادة لشعب فلسطين العظيم، شعب الشهادة والبطولة والنفس الطويل، والخبرات.. هؤلاء يريدون احتكار قيادة هذا الشعب (بالفهلوة) و(الهوبرة) مع جني مزيد من الأرباح لشخوصهم، وذويهم، وأتباعهم المتزلفين المنافقين.
نحن نعيش في زمن قيادات كل كفاءتها براعتها في المكائد، والدسائس، واللعب على الحبال، و(الدوبلة) مع الأنظمة، لضمان البقاء في مواقع القيادة، وهو ما يكفل لهم عقد الصفقات الشخصيّة، والإثراء، والوجاهة، والجاه لدى الأنظمة، وهذا يقتضي منهم أولا وقبل أي شيء: نيل رضى الأنظمة، لا رضى الشعب الفلسطيني.
كثيرون تصيبهم الحيرة وهم يتابعون الاحتفالات، ولا سيّما حاليّا، بينما كل شيء يضيع، حتى لكأنّها احتفالات مُكابرة، وعناد، ونكاية...
تنافس إعلامي مُمّل بين الفصيلين، غير جذّاب، مُنفّر وغير لائق، ففصيل يدّعي انه له الحق تاريخيا بالقيادة، وكأنّ الماضي يشفع لحاضر مفلس.
وفصيل يراهن على أخطاء الآخر، وهما (تعميما) للفائدة يقيمان احتفالاتهما في الخارج، حيث يوجد الشعب الفلسطيني، لا ليستقطباه، ويؤثرا فيه، ولكن ليرياه في تلك المهرجانات حجم العلاقة التي تربطهما بفصائل وأحزاب و(قوى) عربيّة!
يحشد الفصيلان المتنافسان بكّل السبل والوسائل (جموعا) و(حشودا) ليرى الآخرون حجم التأييد، والالتفاف، و.. على طريقة الانتخابات العربيّة، وحشودات الانتخابات العربيّة.
تأييد الجماهير لا يُشترى، لا بوسائل ماديّة، ولا بشعارات فارغة جوفاء لا تعني شيئا، لحمتها وسداها دغدغة العواطف، والضحك على العقول والذقون.
الألوف كانت تتدفق ذاتيا لتشارك في الاحتفالات، تعبيرا عن انتماء لخيار هو خيار المقاومة.
أين هو خيار المقاومة؟ لو كان هو الخيار السائد لما كنّا في هذا المأزق، ولما صرنا فرجة ولعبة و(منطّة) لكّل متآمر سافل في بلاد العرب، وفي العالم.
هل نشرح ما يجري تحت عيون البشر للقدس، ولشعبنا ولأسرانا ولأهلنا في غزّة، وأرضنا في الضفّة؟!
وتريدوننا أن نحتفل بانطلاقتكما، ومآثركما، ومعجزاتكما؟
كل طرف منكما يجار متباهيا: أثبتت الأحداث مصداقية خيارنا، وصوابيّة توجهاتنا.. نعم أنتما مصيبتان!
حقّا: نحن نرفل بكّل هذا الهوان بفضل خياراتكم، وصوابية مسيرتكم، و.. عبقرية قياداتكم، ولهذا، لهذا بالضبط يستنكف شعبنا عن الاحتفال معكم بأعيادكم، لأنها لا تعنيه.
فتح وحماس مطلوب منكما تقديم كشف حساب مُفصّل أمام الشعب الفلسطيني.. اعترفوا بأخطائكم، فأنتم مخطئون وليس شعبنا.. شعبنا الذي أنهكتموه بخياراتكم، ومصائب أطروحاتكم.
شعبنا ردد دائما: عيدنا يوم عودتنا.. وأعيادكم لا تعيده إلى فلسطين، أعيادكم يا سادة باتت كابوسا له، لأنها تعني له أن طريق عودته طال.. طال كثيرا بسببكم!