بقلم : د. فايز أبو شمالة ... 22.01.2010
كثر الحديث عن خشية السيد عباس من المصير الذي آل إليه الشهيد ياسر عرفات، وتردد على لسان كثير من الشخصيات الفلسطينية، وورد في الصحف: أن السيد عباس قد أكد خلال جلسة خاصة لأعضاء المجلس الثوري الفلسطيني برام الله، عن نية إسرائيل الجادة لاغتياله، على غرار محاصرة عرفات لمدة ثلاث سنوات قبل تسميمه. وأزعم أن هذا الأمر خطير، وليس هيناً، ويجب ألا يمر على الشعب الفلسطيني مرور الكرام، إذ من العار أن يقتل الرئيس أمام عين شعبه دون أن يفعل له شيئاً؟ ودون أن يتحرك أعضاء اللجنة التنفيذية، وأعضاء اللجنة المركزية، وأعضاء المجلس الثوري؟ إذ كيف سيقبلون على أنفسهم انتخاب رئيس جديد فيما لو تمت تصفية الرئيس الحالي!؟ وهل كلما غضبت إسرائيل على رئيس فلسطيني تقوم بتصفيته، وتقوم الهيئات القيادية بانتخاب بدلاً منه؟
بعيداً عن الهيئات القيادية الفلسطينية الجاهزة لاختيار رئيس جديد إذا صفت إسرائيل للسيد عباس ـ إن صح ذلك أصلاً ـ أدقق في كلام السيد عباس نفسه، وهو يتهم إسرائيل مباشرة بتصفية الشهيد عرفات، وهذا الاتهام يطرح على الناس سؤالين:
الأول: إذا كان مصير أبو عمار قد حسم بالتصفية، وباتت الأسباب التي دفعت إسرائيل لتصفيته معروفة، ألا يستوجب ذلك من السيد عباس أن يكون وفياً لدماء رفيق دربه، كي تكون الهيئات القيادية وفية لدمائه، إن تمت تصفيته هو؟! ثم؛ ألا يستوجب ذلك إصراراً من السيد عباس بصفته الوظيفية العليا على الكشف الرسمي، والعلني عن قتلة صديق عمره!
الثاني: إذا كانت إسرائيل وراء تصفية الشهيد عرفات، لأنه رفض مجارات اليهود في أطماعهم حتى النهاية، فكيف آمنت يا سيد عباس بالسلام معهم، وأمّنت لهم، والتقيت مع أولمرت عشرات المرات، بل قبلته على خده الذي يخبئ في تجاعيده دم الشهيد عرفات؟!
ما سبق صار معروفاً، ولم أقصده في مقالي، وإنما أرغب في الإشارة إلى: أن لإسرائيل طرقاً كثيرة للضغط على السيد عباس، دون الحاجة إلى تصفيته، أو حتى تهديده بالتصفية. ويكفي أن توعز إسرائيل إلى الدولة المانحة بقطع المساعدات المالية، أو وتجميدها، أو إعاقتها، أو تأجيلها، لتخرج مسيرات الموظفين الشاكية الباكية في شوارع رام الله، والضاغطة على السلطة للتجاوب مع الدعوة لاستئناف المفاوضات دون شروط، وهذا ليس عدم وطنية في الموظفين، وإنما ضيق أفق السلطة الفلسطينية التي أرهنت رغيف خبز الموظف الفلسطيني بتواصل المفاوضات، وسلمت ذقن الشعب للسكين الإسرائيلي ليقصرها على هواه، وقد لمح ممثل الاتحاد الأوروبي "كريستيان بيرغر" إلى ذلك، وهدد بالربط بين استمرار المساعدات، وبين التقدم في المفاوضات؟
لو رغبت إسرائيل؛ لضغطت على بعضهم في رام الله، وهددتهم بوقف المساعدات، والامتيازات، والبطاقات الخاصة، والتسهيلات الممنوحة بالتنقل، والسفر، والاتجار، وتهريب الممنوعات، وتسهيل المرور على المعابر، والاستثمار. ولكن مصلحة إسرائيل تكمن في احتمالين؛ الأول: أنها تجري مفاوضات مع الفلسطينيين في السر، وتعرف إلى أين ستفضي، والثاني: أنها هانئة بحالة لا مقاومة، وراضية بحالة لا مفاوضات.
ألم تقل توراة اليهود: للعُلْيقة بنتان؛ هات، هات؟!.