بقلم : د.عبد الستار قاسم ... 23.01.2010
نشر مركز أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب تقريرا حول قوة حزب الله العسكرية، وأكد في مجمله أن هذه القوة العسكرية تعاظمت منذ حرب تموز/2006، إنما دون إعطاء معلومات إحصائية صلبة يمكن الاستناد إليها في فهم ميزان القوى بين الحزب وإسرائيل. ربما كانت مسألة عديد قوات حزب الله هي الأكثر وضوحا من المسائل الأخرى التي تطرق لها التقرير. لقد صيغ التقرير إجمالا بعبارات عامة لا توحي بتوفر معلومات دقيقة يمكن استخلاص بعض النتائج منها.
مسألة المعلومات هي المسألة الشائكة بالنسبة لإسرائيل، وهي العنصر الأول في حيرة وتردد المؤسسة العسكرية الإسرائيلية. خاضت إسرائيل حرب تموز وهي تظن أنها تعلم، واكتشفت هي وأمريكا في اليوم الثاني للحرب أنهما لا تعلمان، وأن الحزب قد أعد جيدا للحرب، وخير إعداده تمثل في بقاء قدراته العسكرية سرا. تمكن الحزب من مفاجأة العدو، وحول كل أهدافه إلى سراب، واضطره إلى تقليص الأهداف إلى مجرد زيادة عدد قوات الأمم المتحدة في الجنوب اللبناني، الأمر الذي لم يكن ضمن الأهداف الأولى المعلنة. لقد دفعت إسرائيل ثمن عماها المعلوماتي، واستطاع حزب الله أن يحافظ على عناصر المفاجأة بسبب حرصه الشديد على العمل سرا تحت الأرض.
ذات المشكلة ما زالت قائمة بالنسبة لإسرائيل، إذ هي كارهة لرؤية عدو قوي في الشمال، ويزداد قوة وفق تقديراتها، لكنها مترددة جدا في شن حرب تدمره لأنها ليست واثقة من تحقيق ذلك. إسرائيل تبحث جاهدة بكافة الوسائل عن سبل للتعرف على التطورات العسكرية والأمنية لدى حزب الله، وربما استطاعت استخباراته جمع بعض المعلومات، لكن تحرشها اليومي المسعور بالجنوب اللبناني يشير إلى ضائقة معلوماتية شديدة تعيشها. لا تتوقف إسرائيل عن استفزاز حزب الله في الجنوب أملا منها أن يرد الحزب ويستعمل بعض أسلحته الجديدة فيوفر لها معلومات ثمينة تمكنها من اتخاذ إجراءات وقائية. تنتظر إسرائيل من الحزب القيام بعمل ما يكشف بعض أسلحته، وهي في سبيل ذلك تتحمل تقريع قوات الأمم المتحدة والاتهامات المستمرة ضدها بخرق قرار مجلس الأمن 1701.
واضح أيضا أن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة لا تحمل عصا لإسرائيل لوقف طلعاتها الجوية فوق لبنان، أو لوقف انتهاكها للخطوطالاستعمارية بين لبنان وفلسطين لأنها هي أيضا تريد أن تعرف حول تسليح حزب الله، وحول آخر ما أنتجته الصناعات العسكرية الإيرانية والسورية. الدول الغربية لا تهمها الانتهاكات ولا قرارات الأمم المتحدة، وإنما يهمها التعرف على الميزان العسكري الاستراتيجي لما في ذلك من أهمية في مسألة التخطيط والتدبير. ومن المحتمل أن استخبارات الدول الغربية، وقطعا بعض البلدان العربية تتعاون مع إسرائيل لاستجلاء ما يجري في الجنوب البناني، والتعرف على آخر الاستحداثات العسكرية.
واضح أن إسرائيل باتت تتشكك حول فعالية قواتها الجوية في أي حرب قادمة لأنها تتشكك بأن حزب الله قد بات يمتلك مفاجأة خاصة بالطيران الحربي، وهي تعي تماما أن نصرها في أي معركة لا يمكن أن يتأتى في حالة شلل قواتها الجوية. لكنها أيضا تتشكك بالنسبة للمستقبل حيث أن عدم شن الحرب سيؤدي إلى زيادة قوة حزب الله وارتفاع منسوب التهديد الاستراتيجي الذي يمثله. أي هي كبالع المنجل الذي لا يستطيع قذفه ولا يستطيع إبقاءه.
إسرائيل مستمرة في الإعداد للحرب القادمة، ومن الصعب معرفة ماذا تعد بالضبط لأنها متكتمة أيضا. فهي لا تفصح عن التسليح الجديد الذي لديها، ولا عن التدريب الذي تقوم به، ولا عن التكتيك العسكري الذي يمكن أن تتبعه في الحرب القادمة. لكن جهودها منصبة على أساليب ووسائل اكتشاف وتدمير مكامن حزب الله. هي مهتمة بالتأكيد في تجنيب مدنييها ويلات الحرب، لكن هذه مسألة تأتي في الدرجة الثانية من ناحية الاهتمام لأن النصر هو الهدف الأول، وهي تعي تماما أن مهمتها الأولى تكمن في سيطرة جيشها على الأرض ومنع اندحاره وليس في وقف إطلاق الصواريخ، وستركز أساسا على الأهداف التي تشكل خطورة كبيرة على آلياتها العسكرية سواء على الأرض أو في الجو.
من المتوقع أن تميل إسرائيل في أي حرب قادمة نحو المزيد من الاعتماد على الحرب الإليكترونية. ستستخدم طائرات إليكترونية بكثافة، والإنسان الآلي أيضا كمجسات متقدمة، ومن المحتمل أنها طورت قنابل ذات قوة ارتجاجية ضخمة تؤثر على مخابئ حزب الله. ستشهد الحرب القادمة تركيزا إسرئيليا على تحت الأرض وليس فوق الأرض، وقناعتي أن حزب الله قد طور أساليب ووسائل قتالية جديدة تختلف عن تلك التي استعملها في حرب تموز.
هل الافتراض بأن إسرائيل هي التي ستهاجم صحيحا؟ طبعا لا، لكن حزب الله يفضل الحرب الدفاعية على الهجومية لأن الهجومية تعني الخروج إلى سطح الأرض. لقد ضاعف حزب الله عديد جنوده بعدة مرات، مما يشير إلى نواياه بالتقدم البري. الجبهة اللبنانية لا تحتاج لأكثر من عدة آلاف في حرب دفاعية مخندقة، وعشرات الآلاف من القوات تشير إلى نوايا هجومية. لكن المسألة غير الواضحة تتعلق فيما إذا كان حزب الله ينوي التقدم بقوات أرضية في حرب دفاعية أم في حرب هجومية. الحرب الدفاعية هي بالتأكيد المفضلة، ونتائجها هي التي تمكن حزب الله من التقدير الصحيح لنجاح أي تقدم بري باتجاه المستوطنات الصهيونية في الشمال. إذا نجح الحزب في شل الطيران الإسرائيلي ودحر المدرعات الإسرائيلية فإن الطريق ستصبح سالكة أمامه للتقدم إلى الشريط المحاذي للحدود الاستعمارية. هذا أمر خاضع للتقديرات الميدانية، على الرغم من أن الاحتمال وارد بأن قوات حزب الله قد تدربت جيدا فيما يخص هذا الاحتمال.
أما فكرة الحرب الهجومية من قبل حزب الله، فمن الصعب أن يقوم بها الحزب دون استعداد جيش نظامي قوي للمساندة.
تدخل الجبهة الداخلية في كلا الطرفين في الميزان العسكري. إسرائيل تعاني الآن من غنج أناسها وجنودها. الجيل المؤسس قد انتهى، وأتى جيل الإنترنيت والكيت والكات، ولم تعد تلك الروح القتالية التي سادت موجودة. أما حزب الله فيواجه أزمة داخلية أكبر متمثلة بتآمر جزء من جبهته الداخلية ومن العرب عليه. حزب الله قوي بإعداده واستعداده، ومهموم بخيانة بعض أبناء جلدته. قوى الاعوجاج (ما يسمى بالاعتدال) العربي واللبناني ستقف ضده، وستعمل على دعم إسرائيل بما أمكن.
الملاحظة الكبيرة في كل المسألة أن إسرائيل قد توقفت منذ حين عن المرجلة والزمجرة على العرب. كانت يدها في السابق تسبق كلامها، أما الآن فكلامها كثير وفعلها قليل، ولا تستعرض عضلاتها إلا على حلفائها المسمون بالمعتدلين العرب.