بقلم : دنيا الأمل إسماعيل ... 12.05.2010
لم تزل المرأة الفلسطينية تواجه الكثير من التحدّيات، التي تفرض عليها بذل مزيد من الجهد في الفضائين العام والخاص. وعلى الرغم من أنّ هناك بعض الانجازات التي حققتها الحركة النسوية الفلسطينية – أفراداً وجماعات ومؤسسات- في مجال تعزيز حقوق المرأة. غير أنّ الواقع الفعلي، القائم على منهجية وسياسة التمييز- الذي تعيشه الكثير من النساء الفلسطينيات، يحدّ من فعالية هذه الانجازات، ويحصرها في إطار ضيق للغاية، يكاد لا يرى؛ بسبب تشابك وتعقد وتغلل هذه التحديات على المستويين الرسمي والشعبي، وأيضاً في المؤسسات الوسيطة التي تمثلها منظمات المجتمع المدني بما فيها المؤسسات النسوية نفسها.
فلم يزل الفكر البطريركي يهمن على مقدرّات النساء الفلسطينيات، وهي هيمنة، لم تنجح المؤسسات الحقوقية والنسوية في تقويض بنيانها، بل على العكس من ذلك، نراها ونتلمسها تترسخ يوماً بعد آخر، ليس في البنى الاجتماعية التقليدية، ولكن أيضاً عبر الأشكال الجديدة والعصرية من هذه البنى الاجتماعية والثقافية، ما يجعلنا نتأنى في تقييم الكثير منها عند تفكيك محتوى هذه التشكيلات، التي تستفيد من المنهج الأبوي في تعزيز وجودها وتضخيم مكتسباتها النفعية على حساب حقوق النساء، لذلك لا تجد غضاضة في تسويق القضايا النسوية كسلعة للاستهلاك والاسترزاق، استطاعت أن تورط الكثير من القيادات والناشطات النسويات وكذلك الناشطين، في استعمال النساء لتفريغ نضالهن من محتواه التغييري إلى شكلانيته الإصلاحية، وثمة فارق كبير بين النسوية كأيديولوجيا للتغيير، وبين الإصلاح النسوي من داخل النظام. فالأولى هدفها قلب النظام الأبوي البطريركي ومحاربة فكرة أفضلية الرجل على المرأة غير الصحيحة، من خلال إبراز صوت النساء اللواتي يعملن على إعادة التفكير جذرياً في جميع البنى السائدة في المجتمع في ضوء الشروط الاجتماعية والثقافية المعزّزة – للأسف الشديد- لدونية المرأة مقابل أفضلية الرجل.
وهي الشروط نفسها – وللأسف الشديد أيَضاً- التي حكمت - ولم تزل- عمل الحركة النسوية الفلسطينية، وخطابها الذي – في نظري- لا يحمل هوية نسوية، بقدر ما يعبّر عن هوية مجتمع. لذلك وسم هذا الخطاب المضمون الإصلاحي في شكله الهزيل، وليس التنويري، فاحتمى بالإصلاح الشكلي في مواجهة غير محمودة لتبعات التغيير المهمة العظمى لهذه الحركة. وبين منهج التغيير ومنهج الإصلاح المهادن للنظامين السياسي والاجتماعي، هيمّنت آلية النشاط، على آلية التفكيرـ وأفرزت مريدها ومريداتها تحت وطأة الحاجة والفقر، دون تحفيز حقيقي لفعل الإرادة النسوية، وخلق مكامن قوتها الإنسانية، بل على العكس من ذلك أماتت فيها المعاني وأحيت كليشهات الشعار واستبقائها في هذا الإطار لاستعمالات أخرى محلية وعربية ودولية.
لم تحرر حركتنا النسوية امرأة واحدة، والتحرر هنا يأخذ فضاء أرحب كثيراً مما يجري التعاطي معه في صورة سطحية، لا تنبني رؤية فكرية، بل تأخذ النشاط الحركي كمعيار للتواجد والوجود. وكأنّ مكننة النساء معياراً للنضوج وتعبيراً عن إحراز المكتسبات. ثمة غياب حقيقي لرؤية نسوية ذات أسس فكرية، قادرة على البناء الإنساني والثقافي قبل القانوني والسياسي، وثمة رضا مفرط وقناعة مخلّة بكل نشاط صغير مبعثر ولو كان تعليق ملصقاً على حائط. هذا الغياب الفكري، الذي قاد إلى رضا غير محمود يخلق له تبريراته المقبولة والمشروعة من وجهة نظر البعض، لذلك أصبحت مأسسة التبرير منهجاً بديلاً عن إعمال العقل واحترافاً لفظياً مجيداً مدراً للتعاطف المطلوب رسمياً وشعبياً وهو في كلا الحالتين تعاطفاً مدراً للدخل.
إنّ صناعة القهر القانوني، الذي تمتلكه السلطة، يعاد إنتاجه ثانية وثالثة ورابعة عبر مجموعات واتجاهات ومنظمات أهلية تتبنى أفكاراً مناهضة للمرأة، وخطورة من يتبنى منها هذه الأفكار بطريقة مواربة، أو تحت أقنعة حداثوية أعمق كثيراً من تلك التي تعلن صراحة، رفضها لكل منظومة الرؤى والقيم والأفكار التي تطرحها الحركة النسوية (رجالاً ونساءً)، فالأولى تمنع عن الرؤيا والرؤية،فنظن بها حسناً وتصنع بنا سوءاً، فيما الثانية تطلق رصاصتها على غير وعي معرفي، اعتقاداً منها أن حرية الفكر عدو لاتقل خطورته عن الاحتلال، ففي غياب الحرية سلامة للروح والجسد معاً من عطب التفكير وجلاء الحقائق.
من هنا يجب أن لا تحقق كينونة المرأة، والعمل على استبقائها موضوعاً مفعولاً به مرة من قبل السياسيينات ومرة من قبل رجال الدين، ومرة من قبل الناشطينات. وليس مسموحاً هنا لأية محاولات للخروج عن السرب، والتمرد على معايير المجتمع، ففي هذا التمرد خراب وفساد كبيرين. وهو تمرد ليس جميلاً على أية حال. لذلك غالباً ما تتهاوى جهات الرفض النسوي أمام تغلل هذه الأفكار التي تحولت إلى مصالح ذكورية، لن تقبل بأن تسحب منها الامتيازات التاريخية التي حصلت عليها. وفي سبيل الحفاظ على هذه الامتيازات يستعمل الدين والقانون والعرف والثقافة والنظم المختلفة كمحللين لزواج باطل.