أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
اغتيالات في الفنادق!!

بقلم : د.عبد الستار قاسم ... 31.01.2010

مع اغتيال المبحوح، نتذكر جميعا كيف نجحت إسرائيل في اغتيال العديد من القيادات الفلسطينية في الفنادق مثل الشهيد ماجد أبو شرار، والشهيد زهير محسن، والشهيد فتحي الشقاقي. تكررت عملية الاغتيال هذه، وتكرر عدم تعلمنا من التجارب كما هو الحال في أغلب نشاطاتنا النضالية أو الجهادية.
مع كل اغتيال، نقوم بكيل الشتائم لإسرائيل وبتوعدها بالردود القاسية. ولا فرق في هذا بين فصيل وآخر، وعادة الكلام أكبر بكثير من الاستعداد والإعداد. نقوم بوصف إسرائيل بكل الصفات السيئة، وننعتها بكل أصناف الكلمات المعبرة عن الانحطاط والوحشية والإرهاب والهمجية، لكننا لا نتحدث عن تقصيرنا في القضايا الأمنية، وتمر الأحداث دون أن يحاسب أحد، وفي أغلب الأحيان دون الاستفادة من العبر.
يبدو أن عندنا مشكلة وهي أننا نلوم العدو على ما يوقعه بنا من خسائر، ولا نلوم أنفسنا على ما نفتحه من ثغرات تمكن العدو من النيل منا. العدو يسهر ليل نهار من أجل أن يوقع بنا، وينال منا، وينهي وجودنا كشعب، وهذا هو شأن أي عدو في الأرض في مواجهة عدوه. العدو يعمل على إنهاك عدوه وإخضاعه، ولا أظن أن في التاريخ عدوا طبطب على ظهر عدوه وقال له إنه لا يريد أن يلاحقه أو يقتل جنوده. العدو يقوم بما يرى مناسبا لكسب الصراع، ولا نتخيل أنه سيقوم بأعمال من أجل أن يخسر الصراع إلا إذا كانت قياداته جواسيس للطرف المقابل.
المشكلة بالتأكيد عندنا لأننا لا نتخذ الاحتياطات المناسبة. في كل الحالات التي وقعت فيها اغتيالات في الفنادق، كان الشهيد يحمل اسما مستعارا. هل سألنا أنفسنا كيف وصل العدو إلى الاسم الحقيقي؟ وهل فتحنا تحقيقا بالأمر؟ طبعا نحن الذين أعطينا الاسم المستعار ونحن الذين أخبرنا العدو، أو بالتحديد الجاسوس أو الجواسيس الذين يرتعون بيننا، وربما يتبوأون مواقع قيادية. قائد الموساد الصهيوني لا يتخذ القرار معنا، لكن يبدو أنه حاضر في الكثير من جلسات اتخاذ القرار.
عبر عشرات السنوات وهناك تحذيرات مستمرة من استعمال الفنادق لأنها أماكن غير آمنة. الفنادق عبارة عن مسرح مفتوح أمام أجهزة المخابرات، ومن الصعب جدا أن يتوارى مطلوب عن الأنظار، أو يهرب من تسجيل صوته أو تصويره. كما أن دخول غرف الفنادق وصالاته ليس بالأمر العسير على أناس مدربين جيدا، ولديهم مهارة كبيرة في التسلل بوسائل وأساليب شتى. النوم في الشارع أكثر أمانا من النوم في الفندق لأنه من الممكن أن يرى بعض المارة الحدث، أما في الفندق فتتم عملية الاغتيال بصمت وتحت جنح الأضواء الفندقية وموسيقى الصالات الراقصة.
هنا أشير إلى أن أجهزة أمن العدو الصهيوني لا تحتاج إلى معرفة الاسم المستعار إذا كانت قد حصلت على بصمة صوت المطلوب لديها. إنها تستطيع التعرف على الشخص ومكانه من خلال المكالمات الهاتفية التي ترصدها، وبإمكانها تتبع الرقم الهاتفي أو الأرقام التي يتحدث منها. ولهذا على المطلوب ألا يستعمل الأجهزة الإليكترونية أو شبكات الهاتف الأرضية التابعة للحكومات العربية إذا أراد أن يخفف من احتمالات تعقبه من قبل الموساد أو الشين بيت. التمويه بالاسم والشكل يكون مفيدا إذا لم تتوفر لدى العدو بصمة صوت، وإذا استعمل المطلوب وسائل اتصال غير مركزية وغير إليكترونية.
استشهد المبحوح في الإمارات العربية، وفي هذا مأخذان: الأول أن الإمارات العربية هي من دول الرباعية العربية المتحالفة أو المتعاونة مع إسرائيل، ولا ثقة بأجهزتها الأمنية؛ والثاني أن إمارة دبي عبارة عن وكر لأجهزة المخابرات العالمية بما فيها الموساد. أي أن المكان غير آمن إطلاقا، ولا ثقة بحكامه وأجهزته. أما ماجد أبو شرار فاستشهد في روما التي تعمل مخابراتها في كثير من الأحيان مع الموساد، والشقاقي في مالطا المفتوحة على أجهزة المخابرات، وزهير محسن في منتجع مونت كارلو. وعلى ذلك قس.
نحن نعاني من مشكلة خطيرة وهي ضعف الحسّ الأمني لدينا. بالأمس اغتالت إسرائيل ثلاثة من أفضل شباب نابلس وبعد أقل من يومين على الإعلان عن مقتل مستوطن صهيوني. من أين أتت إسرائيل بالمعلومات بهذه السرعة الكبيرة؟ من الذي نقل إليها الخبر؟ هل جرى تحقيق في الأمر؟ هل تم اعتقال أحد تحت ذمة التحقيق؟ هذه مشكلة مزمنة وتمتد من فترة ما قبل عام 1948 حتى الآن. أبناؤنا يُقتلون ويُعتقلون قبل أن يقوموا بتنفيذ مهامهم، ولا تحقيق هناك. كل ما نعمله هو سب الصهاينة ولعن إسرائيل. ألا لعنة الله على إسرائيل ليل نهار، لكن هذه اللعنة لا تحل على رأسها إلا إذا قمت أنا بواجبي بالشكل الصحيح.
هناك من كتبوا باستفاضة حول القضايا الأمنية، وأنا واحد من الذين كتبوا مرارا وتكرارا، لكن هل من قائد فصيل أو معاون قائد أو مناضل بدون قيادة سأل عن المسألة أو استوضح؟ الإجابة لدى الفصائل.