بقلم : فاطمه قاسم ... 10.10.2009
شعرت بافتخار كبير ،وانا اتابع مشاهد الفرح العميق التي عبرت عنها الاسيرات اللواتي خرجن من السجون الاسرائيلية في الايام الاخيرة ، ابتداء من المحررة براء ابنة الخامسة عشرة وانتهاء بفاطمة الزك التي عادت الينا في غزة ومعها طفلها الرضيع .
صورة مدهشة للوعي وقوة الانتماء الوطني ،عبرت عنها الأسيرات المحررات أمام وسائل الإعلام ، حيث رفضن رفضا قاطعا ان يبعن جرحهن البالغ على طريق التراشق الإعلامي الفصائلي السائد منذ الانقسام ،بل اصررن من خلال حديثهن المضيء لوسائل الإعلام المختلفة ان يكون جرحهن جرح الأسر ، والمعاناه القاسية ، بمستوى حلم الوطن نفسه ،حلم التحرر والإستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ، بل حاول بعض الصحفين المنغلقين او اللذين ينتمون الى المهنة ، حاولوا احراج بعضهن باسئلة محرجة ، تفرض عليهن اجابات محددة ،ولكنهن نجحن في الاختبار ، واثبتن ان التضحية الكبرى تعلم الإنسان أن يكون كبيرا ، وان من يعطي سنوات من عمره في السجون وراء القضبان وتحت ارهاب الجلادين الصهاينة ، لايمكن ان يقبل ان يتحول الى سلعة يبيعها هذا الطرف أو ذاك .
بإختصار :
فإن لحظات الفرح القصوى التي تجسدت بتحرير هؤلاء الاسيرات ، قد نحولت بفعل الوعي ، وقوة الانتماء الوطني ، وعمق التجربة إلى عرس وطني بإمتياز، والى فرح وطني شامل ،اكبر الف مرة من جدران الايديولوجيا الخانقة ،ومن صناديق الصائلية المقيتة ، بل هي فلسطين بكل عدالتها العظيمة ، وبكل جرحها النبيل ،وبكل حلمها المقدس ، وهي التي تتسع لنا جميعا ، حين نظلم ونتوجع الى اقصى مدى ، وحين نفرح الى ذلك المدى .
أسيراتنا المحررات من الشابة الكبيرة وحتى المراة السيدة ،الى الزوجة ، والأم ، هن في حقيقة الأمر حكايات لامعة حتى التوهج في ملحمتنا الكبرى ، ملحمة فلسطين ، المأساة والبطولة ، الدمار والانبثاق من بين الانقاض ، الموت والحياة من جديد .اتمنى من كتابنا البعدين عن الانغلاق الفصائلي والفئوية ،كتابنا البريئين من امراض الانغلاق الايدولجي ، ان بوثقوا قصص هؤلاء الاسيرات المحررات ، وان يقدمون لشعبهم من جديد ،في صياغات إبداعية متفوقة ، لكي يثروا الوجدان الانساني بصور من البطولة الانسانية الخارقة الحدوث .
فبماذا كانت الطقلة براء إبنة الخمسة عشر ربيعا تناجي امها عندما يسدل الليل ستائره السوداء ، وعندما تهيمن وحشة الزنزانة والجدران بحايات مرعبة ؟
وما هي أغاني قبل النوم التي كانت فاطمة الزك تهدعد بها طفلها الرضيع حتى تبعد عنه الكوابيس وأشباح التجربة القاسية .
يا أيها الكتاب والأدباء ،
يا أيها المبدعون الشعراء ، والفنانين التشكيلين ، وكتاب المسرح ،ما زالت القضية الفلسطينية تدهشنا بما هو اعظم من الخيال نفسه ،فاركبوا سقن الابداع ، وابحروا في جزر التجربة الملحمة ، وانتم تسجلون للاجيال هذا النوع الخارق من الابداع لطفلة بزهر ربيعها في السجن ، وأم تعزف اناشيد حنانها وراء القضبان ، وطفل جعلته امه يرتوي
من حليب الحرية وهي تحيطه بجسدها وروحها في ظلمة السجن الرهيب .هذه باقة محبة ، اهديها من الأعماق للأسيرات الفلسطينيات ،لكل واحدة منهن ،بمناسبة عودة كوكبة منهن الى حضن العائلة الذي هو نفسه حضن الوطن .
والف تحية والف سلام