أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
الكاريكاتور العربي: فن الضحك الأسود والمقاربة الإبداعية للهم الإنساني !!

بقلم :  رنا رفعت  ... 06.02.2010

يعد فن الكاريكاتور واحداً من الفنون الساخرة ذات العمق التاريخي والإبداعي والفكري في آن معاً نظراً لمقدرته على اختزال المشهد الحياتي العام بوجوهه المختلفة الاجتماعية والثقافية والسياسية والتعبير عنه في إطار تهكمي ينزع إلى المبالغة الفنية في صياغة الرؤية الفكرية للفنان والتي غالبا ما تعبر عن النبض العام للشارع.
وتشكل الوسائل الإعلامية على تنوعها الفضاء الأرحب لتصدير اللوحة الكاريكاتورية وتعميمها باعتبارها جزءا لا يتجزأ من ثقافة الصورة التي بلغت في الآونة الأخيرة مداها الأوسع بشكل ارتفع معه رصيد العمل الكاريكاتوري والأسماء الإبداعية المشتغلة فيه رغم وجود العديد من الأسئلة الشائكة والإشكاليات التي لم تزل تحيط بهذا الفن.
في جملة من الحوارات الخاصة بنشرة سانا الثقافية تحدثت مجموعة من رسامي الكاريكاتور من دول عربية مختلفة عن واقع هذا الفن ودوره في رصد الواقع وقضاياه المختلفة إلى جانب الأسباب وراء انحسار العديد من الطاقات المهمة في هذا الجانب.
وقال فنان الكاريكاتور الفلسطيني فؤاد عياش إن الكاريكاتور فن التوتر العالي والصراخ الأسود لقول الأشياء أكبر من أحجامها وهو فن يقوم على الاختزال الموضوعي والمقاربة التقنية للواقع بهدف تحديثه وتطويره في قالب من السخرية ذات النبرة العالية التي تثير الانتباه لقضايا المجتمع.
وحول قلة الفنانين المشتغلين في هذا المجال أوضح أن الرسم الكاريكاتوري يتطلب فنانا يتسم بسرعة البديهة البصرية وحسن السخرية والقدرة على المبالغة والاختصار بأسلوب لا يعصى على الفهم من قبل المتلقي وهي سمات لا تجتمع في عدد كبير من الفنانين ما يؤطر لتراجع عدد المبدعين في هذا الجانب.
رأى عياش أن عدم تدريس هذا الفن في المعاهد والجامعات المختصة أحال النقاد والباحثين إلى حال من الاستخفاف بالعمل الكاريكاتوري وهو الذي ظل في نظرهم وعلى مدى عقود من الزمن بمثابة الابن غير الشرعي للفنون التشكيلية رغم بروز تجارب وأسماء لافتة أغنت العمق الثقافي للقراء على امتداد العالم العربي.
وأشار إلى أنه يمكن للرسم الكاريكاتوري أن يتحول إلى عمل فني وفكري بامتياز عندما تفوق بلاغته الكلمة المكتوبة وهو ما يتطلب تحقيق توازن بين التقنية والفكرة مع تكثيف عامل الإدهاش إلى جانب امتلاك هذا العمل موقفا واضحا من الأحداث الجارية يتم من خلاله العمل على صياغته باستخدام عناصر بسيطة يسهل إيصالها ويصعب تجاهلها في الوقت نفسه وتتيح للإنسان النظر إلى حياته بشكل غير تقليدي وبروحية مختلفة.
قال عياش إن الفنان العربي ارتدى في أعماله وعلى مدى سنوات من الزمن الهم الاجتماعي والسياسي وحمل رياح التغيير في العديد من الصراعات ولاسيما الصراع العربي الصهيوني إذ طالما وجد فنان الكاريكاتور في قلب الحدث متسلحا بأدواته وأفكاره ما جعل مهمته تتخذ على الدوام شكلا تعبويا يستمد قوته وشرعيته من المخزون الشعبي.
من جانبها قالت الرسامة الجزائرية سهام زبيري إن فن الكاريكاتور بات يحتل اليوم مكانة لا يستهان بها كونه أخذ يتناول مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية دون استثناء إلا أنه بقي عدد فناني الكاريكاتور في المشهد العربي المعاصر أقل من المتوقع لأسباب عدة قد يكون أهمها قلة العاملين في الجانب الفني أصلاً.
أضافت الزبيري أن الحرية الإعلامية هي الأساس الذي يمكن لهذا الفن أن ينهض ويتطور بالاستناد عليه وأوضحت أن العمل الكاريكاتوري يتطلب على المستوى الموضوعي تجسيد أفكار تعبر عن رأي العامة فلا تكون انعكاسا لوجهة نظر خاصة بالفنان نفسه وإلا سيغدو من الصعب لهذا العمل أن يحقق الحضور المطلوب والرسالة من ورائه.
بدوره قال رسام الكاريكاتور الأردني موسى عجاوي إن فنان الكاريكاتور مطالب في هذه المرحلة بتولي زمام المبادرة والاضطلاع بمسؤوليته في رفع سوية الوعي لدى القارئ العادي.
وأضاف أن انتشار الصحف الإلكترونية حديثاً لعب دوراً مهماً في إغناء هذا الفن المشاكس وتوسيع الشريحة التي يستهدفها وبالتالي ازداد العمق النقدي في الأعمال الكاريكاتورية وخاصة الاجتماعي منها.
وفي الإطار ذاته أكدت الفنانة الفلسطينية أمية جحا أنه ورغم ما يتسم به الكاريكاتور من قدرة على ترجمة مجريات الشارع وردود أفعاله إلا أنه يقف عاجزاً في الكثير من الأحيان أمام بعض الأحداث والوقائع المريرة فلا يستطيع الفنان هنا أن يعبر عما يجول أمامه من قسوة وبالتالي تتضاءل حظوظ العمل القادر على تجسيد الواقع وانتزاع ابتسامة الجمهور السوداء.
وأضافت أن التعليقات الذكية المرافقة للرسم الكاريكاتوري تحرض المتلقي على مزيد من البحث والتفكير فيما يربض وراء الخطوط والكلمات في العمل الفني وهو ما يتطلب فناناً حقيقياً تتفاعل فيه لرؤية الإبداعية وإلا فإن النتيجة لن تتعدى مجرد خربشات خالية من الهدف والمضمون.
واختتمت جحا.. أن الواقع الفلسطيني المأساوي غالبا ما يفرض على فنانيه مواصلة التركيز على القضايا الكبرى ذاتها وهي قضايا الاحتلال والحصار المستمر والخذلان العربي وبالتالي رصد الأحداث المحيطة بهذا الواقع بكل أبعاده.
أما رسام الكاريكاتور السوري عصام حسن فأشار إلى وجود العديد من التجارب الفردية اللافتة في هذا الجانب على المستوى العربي إلا أنها كما أكد لم ترق إلى ما تستحقه من تقدير قياساً بما يحدث في العديد من دول العالم حيث تتوفر مجموعة من دور النشر التي تشتغل على جمع هذه الأعمال وإصدارها في كتب ومجلات متخصصة.
ولفت حسن إلى أن ازدهار الصحافة السورية في السنوات الأخيرة عمل على إحداث قفزة نوعية في تجسيد هذا الفن وتطويره حيث ساد جو من المنافسة الإبداعية التي أغنت المشهد المحلي مشيراً إلى ضرورة إيلاء المؤسسة الثقافية مزيداً من الاهتمام بهذا الجانب الفني.

اللاذقيه.. سنا