بقلم : د. سعاد سالم السبع ... 25.12.2009
ملايين من الناس- وبخاصة النساء في البيوت - يتابعون البث المباشر لصلاة الجمعة من جامع الصالح كل أسبوع ، وما يمتع الأذن ويريح النفس أن الموضوعات التي يتناولها الخطباء في خطبتي الجمعة في جامع الصالح متصلة بحياة الناس، ويتم تناولها بأسلوب معتدل بعيدا عن التشنجات، أسلوب بعيد عن الترهات والخرافات ينساب إلى النفوس بسهولة، مدعوم بالنصوص الدينية الصحيحة والسيَر العظيمة لقائد البشرية وصحابته الأبرار، الذين قدموا نماذج سلوكية راقية للتسامح والمحبة والرحمة والتفتح الفكري على كل ما يحيط بهم، تلك النصوص والسلوكيات التي تدخل إلى العقل والقلب معا لأنك تجد فيها القدوة لكل فئات المجتمع، للعالم والجاهل، والقائد والتابع، والأب و الأم، والابن والبنت، والمعلم والمتعلم...
إنه لأمر رائع لو أن كل مساجدنا تتخذ أسلوب الخطباء في جامع الصالح نموذجا لخطبهم في مساجدهم، نحن اليوم في زمن يحتاج من علماء الدين أن يكونوا في المقدمة وأن يحملوا رسالة التنوير ولم الشمل تحت راية التوحيد، ويعيدوا النفوس المضطربة إلى استقرارها بعد اختلاط الأفكار وتشويشها عند كثير من الناس وبخاصة الشباب الصغار، نحن بحاجة إلى صحوة دينية قبل الصحوة العلمية حتى لا يستخدم العلم بعيدا عن القيم الدينية..
معظم الشعوب العربية -والشعب اليمني منها- هم من المسلمين الذين يتطلعون إلى أن يجدوا خطباء مساجد يؤكدون للناس عظمة دين الإسلام وحرصه على خير الإنسان في دنياه وآخرته، ويثبتون للعالم كله أن الإسلام وجد في الأصل لخير الإنسان، وليس هناك دليل أقوى من صلة الدين الإسلامي بخير الإنسان من ربط عبادة الله باستخلاف الأرض لصالح البشر..
الشعب اليمني بطبيعته عاطفي، يستثيره الخطاب الديني بقوة، حتى الذين يرتكبون الأخطاء في حق الوطن، لا شك يملكون قلوبا وعقولا تستجيب للدعوات الدينية إذا كانت مؤثرة، ولن أبعد عن الحقيقة إذا جزمت أن أكثر الأقوياء في الباطل هم من الذين تشبعوا بمفاهيم دينية خاطئة، وأهم دليل على ذلك أن كل الانتحاريين المغرر بهم من قبل الإرهاب ينفذون عملياتهم تحت مبررات دينية..
نريد أن يعود للمسجد رسالته المجتمعية، نتمنى أن نعيش ( ثورة المساجد الوسطية)، التي تكشف الحق للناس وتتبناه في كل رسائلها، التي تجمع المسلمين على هدف البناء وليس الخراب، التي تقرب بين العقول والقلوب ولا تزيد الأحقاد بين أبناء الدين الواحد، نريد أن نرى رسالة المسجد ماثلة في تعاملاتنا اليومية، وليست مقتصرة على غيبيات لا تحل مشكلات المجتمع، أو داعية إلى الزهد عن طريق الانعزال عن كل ما له علاقة بالحياة، ديننا دين الحياة الجميلة الممتعة برؤية الخير في كل مكان، لماذا نجد بعض الخطباء يحرص على أن يخرج الناس من المساجد مكتئبين؟! ناقمين ؟!! كارهين لكل ما هو خارج المسجد؟!! راغبين في الموت أكثر من الحياة؟!
لن نكون أقوياء ونحن نسمع بعضا من خطباء المساجد يغرس ثقافة الإحباط، أويتجاهل الواقع ويتحدث عن موضوعات حدثت قبل ألف سنة ليست لها علاقة باليوم، أو يدعو إلى التمرد على الحاكم وتفتيت وحدة الصف، أو يسكت عن العابثين بأمن المجتمع، أو يبرر أعمال الخارجين عن النظام والقانون، أو يهز ثقة الناس في قدراتهم...
نحن في سفينة واحدة، لن تسلم مؤخرتها إذا حدث خلل في مقدمتها، وكلنا نعاني من المشكلات ، وكلنا نعاني من الفساد والظلم لكننا لا يجب أن نظيف إلى مشكلاتنا افتقاد الأمن، وتفتيت أوصالنا، والشك في بعضنا، اليمنيون ليسوا فئات محددة المعالم ممكن عزلها عن بعض،أو توجيه الأذى إلى فئة معينة فيها دون الفئات الأخرى؛ نحن ممتزجون دما ونسبا ونساء ورجالا وبنات وأولادا، وبيوتا وشوارع ، وقرى ومدنا؛ وأحزابا ومذاهب؛ الزيدي متزوج شافعية، والسيد متزوج قبيلية، والمثقف متزوج أمية، والشمالي متزوج جنوبية، والمؤتمري متزوج إصلاحية، وهكذا.. توجد الروابط السابقة ويوجد عكسها، علاقات جعلت من مستحيل المستحيلات تحييد فئة عن أخرى أو منطقة عن غيرها في المجتمع اليمني، لذلك ففي كل واحد منا جرح مما يحدث للشعب والوطن، لكن بعضا منا لم يدرك بعد كيف يمكن أن يسهم في لم الجرح، بل وفينا من يساعد على اتساعه جاهلا تبعات اتساع الجروح...
ومن هنا نؤكد على رسالة المسجد لتوعية الناس بالأخطار المحدقة بالوطن إن لم نكن مع وحدة الناس، ووحدة الوطن، ووحدة الهدف ووحدة الدين وتخليصه من كل الأفكار الضالة والمضلة، إذا لم يجمعنا الخطاب الديني على الوسطية ومحبة بعضنا، فسنظل نعاني، وستتسع معاناتنا أكثر وأكثر، ولن نجد للتنمية سبيلا إلى بلادنا، سينمو الفقرعلى جثث الضحايا، وسيهرب النوم من العيون على أصوات الغارات الجوية والبرية والبحرية، إن لم نكن معا سنقدم يمننا وأهلنا ورقابنا للتدخلات الخارجية، ولن نملك بعد ذلك إلا الاختباء تحت الأرض انتظارا للموت بتجارب الأسلحة الحديثة ..