بقلم : علي الكاش ... 16.01.2010
[**سيصبح العراق أكثر دولة بيعت على سطح الأرض.. جيف سيمونز]
الكثير إستغرب من الموقف البارد والمخزي للحكومة العراقية وبرلمانها العتيد من إحتلال بئر الفكه الرابع، وبدلا من مناقشة الموضوع بشكل ثنائي كما يفترض عبر القنوات الدبلوماسية، سيما إن إيران لها اليد الطولى في العراق، نجد إن رئيس الوزراء غادر إلى القاهرة للقاء رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني ووزير الخارجية منوشهر متقي لمناقشة الأزمة. على أثرها صرح وزير الخارجية هوشيار زيباري بأن لاريجاني وعد الرئيس المصري حسني مبارك بان القوات الإيرانية ستنسحب من الفكه والموضوع أمسى بحكم المنتهي. ولكن تفاجئنا بعد ذلك بأن القوات الإيرانية لم تنسحب كما صرح وزيباري وأكدها الناطق الحوزوي علي الدباغ وإنما إستمرت تفرض سيطرتها على البئر وتجاوزت ذلك الإعتداء إلى بئرين آخرين.
الموقف العراقي فيه الكثير من الغموض والألغاز فالمالكي كما هو معروف من رجالات إيران في العراق ومناقشة موضوع الفكه لا تحتاج منه زيارة إلى القاهرة بل إلى موطنه الثاني طهران كما يفترض فهو من أهل البيت! أو أن يزور لاريجاني ومتقي العراق لحل الأزمة، و يتمتع لاريجاني بنفوذ رسمي في العراق لا يقل عن نفوذه في طهران. ظهرت تصريحات غريبة من مسئولين عراقيين بشأن الفكه فبعض النواب والمسئولين منهم وكيل وزارة الداخلية أنكروا أي احتلال للبئر! في حين وزارة النفط إلتزمت السكون المشوب بالحذر! أما وزير المالية(باقري صولاغي) فقد طرح مصطلح (الآبار المشتركة) يؤيده بعض البرلمانيين. في حين طالب آخرون ابرزهم موفق الربيعي( كريم شاهبوري) بـ(تقاسم العوائد) مع الجانب الإيراني دون أن يوضحوا الأساس الذي بنوا عليه نظريتهم المجحفة. الأمر الآخرهو السكوت الذي لازم الأحزاب الموالية لطهران ومحاولة الضغط على وسائل الأعلام بصدد تهدئة الموقف وهي محالة باءت بالفشل بعد تصعيد الموقف من قبل المتظاهرين في محافظات كربلاء وبغداد والأنبار والبصرة وغيرها، حيث رفعوا شعارات مطالبين القوات الإيرانية الغازية بالإنسحاب الفوري وإستدعاء السفير الإيراني وتسليمه مذكرة أحتجاج. من ثم إتهام حزب البعث وتنظيم القاعدة مسئولية تصعيد الموقف من قبل الأحزاب الموالية لطهران كحزب الدعوة بفروعه والمجلس الأعلى وجناحه العسكري قوات بدر إضافة إلى بقية الأحزاب التي ثنيت أسمائها بلفظ الجلالة كحزب الله وثأر لله وبقية الله وماشاء الله!
الموقف الأيراني يثير الغموض أيضا! ففي الوقت الذي اعترف فيه علي لاريجاني بإحتلال البئر النفطي ووعد بالإنسحاب منه بتصريحه من القاهرة نجد إن مسئولين آخرين نفوا العملية برمتها ومنهم علاء الدين بوروجيردي رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان حيث صرح" إذا أحتلت إيران بئر نفط عراقي فهذا الأمر مرفوض بشكل مطلق". كما نفى السفير الإيراني في بغداد أي أحتلال للبئر! في حين ذكر بيان صادر عن القيادة المسلحة الإيرانية بأن قواتهم موجودة" في أراضي إيرانية، وبناء على ترسيم الحدود الدولية، فإن هذا البئر ملك لإيران". الناطق بإسم الخارجية الإيرانية زاد الطلسم غموضا بإدعائه وجود " قوى خارجية تعمل على الإضرار بالعلاقات الثنائية بين البلدين" ولم يسم بالطبع تلك القوى الإستكبارية.
الموقف الأمريكي هو الأغرب! فهؤلاء المرتزقة الذين أحتلوا العراق للسيطرة على نفطه وتحقيق الأمن للكيان الصهيوني كما اعترف كبار دهاقنتهم، الذين وصفهم المحلل السياسي غور فيدال(Gore Vidal ) بأنهم " عصابات غير منتخبة من رجال البترول والغاز" لزموا جانب الصمت وهو موقف شاذ يتناقض مع مصالحهم بالدرجة لأولى. ومع نصوص الإتفاقية الأمنية التي فرضوها على المالكي وحملتهم مسئولية الحفاظ على أمن العراق وسيادته المزعومة. ومن الصعب تفسير ما صرح به رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة( الأدميرال مايكل مولين) بشأن الغزو الإيراني للفكه " هي قضية سيادية، ويجب أن تعالج من قبل القادة العراقيين" فإن كانت سيادية وجب تدخل إدارة الإحتلال وفقا للإتفاقية الأمنية. أما إذا ظن الادميرال بأن حكومة المالكي الموالية لطهران قلبا وقالبا ستطالب إدراته البائسة بالتدخل لحسم الموضوع فأنه على ضلال مبين والأمر سيكون أشبه بنكته سخيفه.
كل هذه الألغاز تشير إلى وجود طبخة امريكية إيرانية على نار هادئة تنظم الحكومة العراقية درجة حرارتها بشكل لا يجعل روائحها تصل إلى أنف الشعب العراقي المبتلى بروائح الغدر الأمريكي الإيراني الصهويني، ومؤمرات وخبائث جارة الشر الكويت والأبناء العقوق الوافدين على ظهور الدبابات الأمريكية. لكن كما قيل "حبل الكذب قصير" هذا عندما يتعلق الأمر بالفرد ولكنه يكون أقصر عندما يتعلق الأمر بالشعوب. لذلك ظهرت الحقيقة من خلال تصريح نائب وزير النفط الإيراني السابق(محمد نجاد حسينان) بأن " على إيران القيام بتطوير حقول النفط التي تتقاسمها مع العراق، بغية الحصول على تعويضات عن الأضرار التي ألحقها نظام صدام حسين بإيران خلال الحرب العراقية- الإيرانية في الأعوام 1980 ـ 1988" إذن الطبخة مبيته منذ كان حسينيان في وزارة النفط وليست وليدة أزمة الفكه. وعندما صرح عبد العزيز الحكيم بضرورة تعويض إيران ب(100) مليار دولار عن حرب الخليج الأولى ـ في الوقت الذي كان فيه الأمريكان يضغطون على دول العالم لشطب أو إعادة جدولة ديون العراق ـ لم تكن زلة لسان كما فسرها البعض! وإنما مرحلة تمهيدية لما بعدها كما سنرى, وكانت الخطوة الثانية تحميل نوري المالكي النظام الوطني السابق مسئولية بدء الحرب ضد إيرن! وهو كلام مبطن يحمل العراق مسئولية بدأ الحرب وضرورة دفع التعويضات لنظام الملالي.
تزامنت مع إحتلال بئر الفكة تصريحات رسمية تصب في نفس مجرى المياه الثقيلة لمحطة الحسينيان فقد طالب مجلس الشورى الإيراني مبلغ(1000) مليار دولارا كتعويضات عن حرب الخليج الأولى. من جهة اخرى صرح حسين إبراهيمي مسئول العلاقات الخارجية في البرلمان الإيراني بأنه وفقا لتقديرات الأمم المتحدة فإن بلاده " تطالب العراق بتعويضات عن خسائر الحرب تبلغ ألف مليار دولارا" وهناك مزج مقصود بين هذه التقديرات ومسألة التعويضات فالأمم المتحدة قدرت فعلا خسائر حرب الطرفين بحدود(1.19 تريليون دولار أمريكي)، لكنها لم تصدر قرارا يحمل أي منهما مسئولية من بدأ الحرب! وهذا أمر لا يجهله أي مطلع على قرارات مجلس الأمن وموقفه من الحرب. فقرار مجلس الأمن المرقم(598) الصادر في 20/7/1987 والذي جرعه الخميني كالسم الرعاف بعد عام من صدوره قد تضمن فقرة تشير إلى أهمية تحديد الطرف المعتدي لكنه لم يحدد ذلك الطرف ولم يلزمه بتعويض الطرف الآخر, عكس القرار الذي تضمن تعويض الكويت عن أضرار حرب الخليج الثانية وكان صريحا في مطلبه وتحديد حجم التعويض وطرق إستيفائه.
كما أن هناك بعدين في الموضوع البعد الأول: من بدأ الحرب؟ والثاني: من المسئول عن إطالتها لمدة تزيد عن الثمان سنوات؟ وهذا الأمر سبق أن ناقشناه في مقالات سابقة. لذلك باءت جميع محاولات إيران بالفشل لحث الأمم المتحدة على تلبية طلبها بشأن التعويضات. وما تجدر الإشارة إليه هو: لماذا ترفض إيران عرض المشكلة على محكمة العدل الدولية إن كانت محقة في مطلبها؟ طالما أن حكومة المالكي موالية لها وستوافق على عرض المشكلة امام المحكمة الدولية وهذا القبول يؤمن النظر فيها( ملاحظة: تنظر محكمة لاهاي في أي مشكلة بين دولتين بناءا على موافقة الطرفين وليس طرف واحد).
أما تصريح إبراهيمي بأن بلاده السخية جدا " قد تغاضت في الماضي عن الكثير من قضايا العراق، فمن حقنا الحصول على ألف مليار دولار من العراق بسبب الحرب التي شنها على إيران، لكننا حتى الآن لم نطرح مطلقا هذه المسائل" فهذا الأمر نحيله إلى لجنة المالكي لمتابعة التدخل الإيراني في الشأن العراقي عسى أن تشعر قليلا بالحياء وتنبض الحياة مجددا في شرايينها الميته! يبدو ان هؤلاء الأمعات لا يدركون بأن حكومة المالكي والبرلمان المواليين لهما على وشك لبس الكفن! وان هناك من سيطالب نظام الملالي ليس بتعويضات الحرب التي أعلنوها على العراق عام 1980 فحسب بل معظم العمليات الإرهابية التي نفذوها بالتعاون مع تنظيم القاعدة ضد الشعب العراقي منذ الغزو الامريكي. ومن المثير أن يصف النائب الإيراني الجنسية في البرلمان العراقي (علي الأديب الزندي) هذه المطالب الوطنية العادلة بإنها" مطالب بعثية"!!!
الآبار المشتركة التي تحدث عنها وزير المالية صولاغي وشقيقه في العمالة والمواطنة الشهرستاني كما يلاحظ تحولت إلى حقيقة رغم أنف الجميع بما فيهم الرئيس الأمريكي اوباما، لذلك يحدثنا الحسينيان بأن " الوضع الراهن غير قابل للإستمرار. إن النزاعات بين طهران وبغداد حول مدى اتساع حقول النفط المشتركة والنزاعات الأخرى المتعلقة بالحدود يمكن أن تهدّد أمن المنطقة كلها" وهذا تهديد واضح بأن إيران يمكن أن تشن حرب ضد العراق بسبب الآبار المشتركة, وفيه تلميح بأن دول الخليج سوف لا تكون بمعزل عن هذه القادمة، ربما تمتد إلى اليمن والسعودية وفلسطين ولبنان وكل منطقة فيها خلايا نائمة أو أحزاب موالية لإيران!
أما لماذا تم أختيار هذا الوقت بالذات لإحتلال بئر الفكة والمطالبة بتعويضات الحرب؟ فالسبب كما وضحه لنا الحسينيان "هذه الحقول تمثّل، بالتأكيد، بعضاً من أكبر الإحتياطات الإيرانية ومن مصلحة إيران أن تحسم مسألة تعويضات الحرب فورا! وذلك قبل أن يستعيد العراق عافيته الإقتصادية والسياسية". إذن الموضوع يتعلق بإستعادة العراق عافيته فهو إعتراف بأنه سقيم حاليا! و في حال إستعادة عافيته فأنه سيقلب الطاولة على كل من عاداه وأستغل ظروف الإحتلال. فمستقبل العراق القادم غير معروف رغم طول أذرع الأخطبوط الإيراني فالحكومة والبرلمان القادمين لا يمكن التكهن بهما بالرغم من ولاء جميع الأحزاب الشيعية على الساحة العراقية لإيران! ويبقى الأمر محفوفا بالمخاطر سواء أنضم المالكي إلى التآلف الذي يقوده المجلس الأعلى للثورة الإسلامية أم لم ينضم، لأن ذلك لا يغير من محصلة النتائج! فهذه الأطراف وأن تعددت روافدها فهي تصب جميعها في مصلحة إيران! وكل ما يجري على الساحة من تعارض وتضاد ليس سوى ألاعيب إعلامية تحرك خيوطها حكومة نجادي. فالمالكي رجل إيران وعمار الحكيم ومقتدى الصدر والطالباني والبرزاني وعادل مهدي وإبراهيم الجعفري وجلال الدين الصغير وصدر الدين القبنجي وعلي الأديب الزندي وموفق الربيعي وعلاء الدين الأعرجي وعباس البياتي وهمام حمودي وباقري صولاغي وحسين الشهرستاني والملة خضير الخزاعي جميعهم وجوه إيرانية بأقنعة عراقية. لذا فمثل هكذا برلمان وحكومة ذات ولاء مطلق لإيران حالة يصعب تكرارها في الإنتخابات القادمة مهما تلاعبت حكومة المالكي والمفوضية العليا للإنتخابات بالنتائج أو أقصت أطراف تعارض الوجود الإيراني في العراق. وكما يقال "عصفور في اليد أفضل من عشرة على الشجرة" لذلك يحاول نظام الملالي الحصول على أكبر قدر من التنازلات من خدمه وهو ما يسمى بـ( خدمات العملاء).
وفعلا تمكن نظام الملالي من الحصول على ما يسمى (بالآبار المشتركة) وهي حالة شاذة سبق أن فندها وزير النفط السابق عصام الجلبي وهو خبير في الشؤون النفطية، فقد أكد بأنه يوجد بئر نفطي مشترك واحد فقط بين العراق وإيران هو(نفطخانة حسب تسميته داخل الحدود العراقية) و( نفط شاه حسب تسميته داخل الحدود الإيرانية) وعدا ذلك كله سفسطة وتخرصات لا جدوى منها. كما حصل الملالي على ما يسمى ب(توحيد الأبار النفطية) وهي الوثيقة التي تدوالتها وسائل الإعلام بعد أن كشفها وسربها لوسائل الإعلام وطنيون شرفاء. الوثيقة الآثمة مكتوبة بيد وزير النفط الشهرستاني يعبر فيها عن إمتثاله النموذجي لأوامر وتوجيهات أسياده ملالي إيران. ولم ينكرها الوزير الخراساني الهمام عندما جوبه بها خلال مؤتمر صحفي فقد هرب من الإجابه بهلوسة وطلاسم لا يفهمها إلا السحرة والكهان والملالي.
نظرة نظام الملالي إلى العراق كما عبر عنها الحسينيان" الله قد منحه موارد طبيعية وفيرة. وبناءً عليه، لا ينبغي أن يمثّل تعويض إيران عن الحرب مشكةً كبيرةً لاقتصاد العراق. ولهذه الأسباب، آمل أن يكون الحصول على تعويضات حرب من العراق على جدول أعمال المسؤولين الإيرانيين" فنظام الملالي يدرك جيدا بأن إحيتاطاته النفطية ستنضب خلال خمسين عاما على أكثر تقدير كما اشارت تقارير إستراتيجية ومراكز أبحاث متعددة. في حين إحتياطيات العراق بضمنها الآبارالمكتشفة وغير عاملة أو غير المكتشفة تمثل إحتياطي هائل يستمر لأكثر من (250) عاما لذا قيل "آخر برميل نفط يخرج من الأرض سيكون عراقيا" عليه فأن مد الأذرع الإيرانية للإستحواذ على آبار النفط العراقية من شأنه أن يعزز مكانتها النفطية وقوتها الإقتصادية والعسكرية في المستقبل.
القوة الإيرانية مشرقة في الوقت الحاضر في ظل غروب قوة العراق في المنطقة وهذه حقيقة تدركها الولايات المتحدة جيدا، ولدى إيران كما أثبتت الوقائع قوة تفاوضية فائقة على إدارة الأزمات، ويمكنها بسهولة أن تجبر الولايات المتحدة على تقديم تنازلات أزاء الكثير من الملفات العالقة ومنها الملف النووي وتوازن القوى في الشرق الأوسط, وملف تنظيم القاعدة الذي ترعاه وتحكم القبضة عليه, بتوجيه واحد للتنظيم في أفغانستان من شأنه أن يقلب الطاولة على القوات الأمريكية ويشد الحبل على رقبتها. علاوة على ضرب المصالح الأمريكية في المنطقة وإثارة النزعات المذهبية الداخلية والأقليمية من خلال الأحزاب التي تواليها أو تحريك الخلايا النائمة في دول الخليج ولبنان وفلسطين واليمن والسعودية والسودان ومصر وسوريا وبلدان أخرى، أي أنها يمكن أن تتحول من حليف حالي للشيطان الأكبر إلى شيطان منافس يحول أحلامة إلى كوابيس. وهذه القوة الإيرانية لا يمكن ان التقليل من شأنها أو تجاهلها! فإقتناص الفرص غاية لا يمكن أن يدركها إلا الضالعين في فنون السياسة! وما يمكن ان تحصل عليه الآن قد يصعب أو يستحيل الحصول عليه في المستقبل، فالشيطان الأكبر يمكن ان يسكت اليوم عن ألاعيب الشيطان الأصغر مهما تمادى بها! ولكن لا يمكن ضمان سكوته غدا! فعلام تأجيل عمل اليوم إلى غد؟
الأهم من هذا كله فأن الجوكر العراقي بيد اللاعب الإيراني الماهر فهذه الورقة المربحة يحرص على لعبها في الوقت المناسب الذي لم يحن بعد! اللعبة ما تزال مستمرة, والجوكر ورقة ضغط أي مصدر قوة لإيران ومصدر قلق وإذلال للولايات المتحدة التي تدرك جيدا بأن فتوى واحدة من الخامنئي والسيستاني من شأنها أن تفيق الشارع الشيعي المخدر بأفيون المهدي المنتظر والمراجع الأجنبية في النجف! وتفتح باب الجهاد ضد الشيطان الأكبر على مصراعيه! وهي باب أن فتحت فلا تغلق إلا بهزبمة العم سام. لأنه بدون إستفاقة الشارع الشيعي من نومه العميق لا يمكن أن ينتهي الإحتلال ولا يخطو العراق خطوة واحدة نحو السيادة والإستقلال والتنمية والتقدم.
قوات الإحتلال الأمريكي رغم حجمها الهائل وتفوقها التقني والتسليحي، لكنها لا تستهين بالقوات الإيرانية سواء الموجودة داخل العراق كفيلقي بدر والقدس والحرس الثوري الإيراني وجيش المهدي وميليشيات الأحزاب الشيعية الحاكمة كحزب الدعوة بفروعه اليابسة وحزب الله وثأر الله وبقية الله وعصائب الحق وكتائب الحسين والعشرات غيرها، علاوة على عناصر المخابرات والقيادات الفاعلة داخل وزارتي الدفاع والداخلية التي يديرغرفتي حركتيهما بشكل مباشر الجنرال الفارسي سليماني. أو القوات الإيرانية الرابضة في معسكرات قريبة من حدودها مع العراق وهي تحت الطواريء تحسبا لأي مفاجأة أمريكية. كل هذه مؤشرات خطيرة تعرفها الولايات المتحدة وتعرف الثمن الباهظ الذي يمكن أن تتحمله نتيجة عدم مسايرتها نظام الملالي.
لذلك فالولايات المتحدة وقفت عاجزة أمام تدخل إيران في الشئون الداخلية العراقية وتمويل وتدريب ودعم أجنحة الإرهاب الميليشياوي بما في ذلك تنظيم القاعدة رغم إدعائها بمحاربة الإرهاب. ولم تحرك ساكنا أمام تدفقق الأسلحة الإيرانية للعراق بما فيها صواريخ غراد وصوريخ أرض أرض داخل المدن العراقية. لم تندد الولايات المتحدة إلا عبر تصريحات خجولة جدا عن بشاعة وحجم التدخل الإيراني في العراق, وهي غالبا ما تكون بصفة المراقب عن كثب والمتريث! ولم تحرك طرفا أزاء رغبة نظام الملالي بإنتزاع مجاهدي خلق من العراق رغم وجود أتفاقية تعهدت بموجبها حمايه معسكر أشرف! وبقيت متفرجة على إنتهاكات الحرس الثوري الإيراني للمدنيين العزل بألبسة الشرطة العراقية خلال مداهمة المعسكر وإستهتارهم بحياة الناس وإختطاف عدد من الأشخاص وسرقة السيارات والأموال العائدة لضيوف العراق. ولم تحرك ساكنا إتجاه مطالب إيران بتعويضات حرب الخليج الأولى رغم أن إدارة الرئيس السابق بوش ضغطت بقوة على الدول الدائنة للعراق بغرض إطفاء ديونها أو التقليل منها أو إعادة جدولتها على أقل تقدير!
هذه الخطوات الإيرانية الجريئة لحد الصلافة جوبهت بصمت إمريكي فاضح مما شجع نظام الملالي على التمادي إلى المحظور هذه المرة، وهو ما يسمى بالضرب تحت الحزام فكان إحتلال آبار الفكه النفطية! إن التجاهل الأمريكي هذه المرة لا يعتبر أمرا شاذا على ضوء المواقف السابقة وإنما متجانسا ومتناغما معها! فهو يعني أن إيران تجاوزت الخطوط الأمريكية الحمراء بنجاح ساحق ولم يبقى سوى الملف النووي الذي سيخف حتما بحكم ورقتها الضاغطة في العراق.
لاشك ان نظام الملالي إستفاد كثيرا من دروس حرب الخليج الثانية والتعويضات التي إمتصها ومازال يمتصها النظام الكويتي الخبيث من دماء العراقيين، بضمنها حقل نفط الرميلة الذي أهدته الشرعية الدولية إلى الكويت كجزء من تعويضات الحرب! إضافة إلى التمادي على الأراضي العراقية وقضم مساحات واسعة وضمها إلى إمارة هشة هي بحد ذاها جزء مقتطع من العراق وستعود بإذن الله عاجلا أم آجلا الى أحضان الوطن الأم، فلا يضيع حق ورائه مطالب. وماحصل في الرميلة يمكن ان يتكرر في الفكه حسب رؤية ملالي طهران، فسكوت العراق على الفكه أسهل من سكوته على الرميلة في ضوء حكومة وبرلمان عراقيين مواليين بشكل مطلق لنظام طهران.
السيناريو كامل إذن! والآبار المشتركة بين طهران وبغداد أمست حقيقة رغم مرارتها! و توحيد الآبار حسب وثيقة الشهرستاني صارت واقع حال رغم بشاعتها! ومسألة التعويضات إنسحبت من ظلمة الدهاليز إلى عالم الضوء رغم أنف الجميع. السيناريو حمله وزير الخارجية الإيراني متقي إلى إلى حكومة المالكي وما عليها سوى أن تبصم صاغرة! وما أسهل ذلك عليها فمن يبيع عرضه من السهل عليه أن يبيع أرضه! الأصبع الملوث الذي سيبصم على بيع العراق لحكومة متقي ما ان ينتهي حتى ينتفض بحركة مخجلة ومعيبة للذين شاركوا في الإنتخابات السابقة كأنه يقول(هذا ماجنته عليكم أصابعكم، وما جنينا عليكم، فأنتم من منحنا الشرعية لنبيع العراق).