أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
الملاكم الإيراني الطموح!!

بقلم : رشاد أبو شاور ... 17.02.2010

عندما يُقرر الملاكم المبتدئ الانتقال من الهواية إلى الاحتراف، فإنه يبدأ في تلقن قواعد تضمن له الفوز، فيتدرب على تنفيذها، ويرسم خططه وفقا لمواصفات الملاكمين الذين يقفون في طريق صعوده من الهواية إلى الاحتراف، للفوز ببطولة وزنه محليّا وعالميا.
الحلبة هي التي تقرر بجولاتها التي تتخطى جولات الهواة الـ3، والتي قد تصل حتى 15 جولة، أو أقّل، بحسب الاتفاق بين الطرفين عبر فريقيهما: المدرب، ووكيل الأعمال، وغيرهما، يعني الجهاز الفني بكامله، فالملاكمة مواجهة فرديّة على الحلبة، ولكنها تخطيط وعمل جماعي قبل وبعد الحلبة.
الفريق بكامله يقوم بعملية جمع معلومات عن (الخصم)، يعني كل ما يتعلّق بسيرته الرياضيّة، منازلاته، أيها ربح بالضربة القاضية، أو بالنقاط، وأيها خسر، ومع من كانت مواجهات الربح والخسارة، ومزاجه، ومكوناته الجسديّة، قدرته على التحمّل، وطوله، وطول يديه، وهذا أمر مهم، فالملاكم طويل القامة قادر على توجيه الضربات عن بعد، ودون أن يتعرّض لقبضتي خصمه إن كان أقصر منه.
الملاكم قصير القامة، يُعد من قبل المدرب والطاقم لمواجهة خصم يتفوّق عليه، و يخضع لتدريبات شاقة مع ملاكمين هواة، أو معتزلين، أطول منه قامة، ليتعلّم كيفيّة الهرب من الذراعين والقبضتين الطويلتين، وأيضا كيفيّة الالتحام، حتى يُفقد خصمه تفوّقه، بل ويحوّل التفوّق إلى مأزق وعبء وخسارة مُبرمة، إن لم يكن بالضربة القاضيّة فبالنقاط التي لا خلاف عليها من الحكّام الثلاثة خارج الحلبة، وحكم الحلبة، دون التأثّر بانحياز الجمهور وحملات الدعاية، وما يكتب في الصحافة الرياضيّة.
الملاكم الإيراني يستعد للمباراة الخطيرة التي ستقرر مستقبله على الحلبة، فإما هو ملاكم محترف، معترف به، وإمّا سيتم رميه خارج الحلبة أثناء مباراته الحاسمة التي سيواجه فيها ملاكما شرسا، وحكما منحازا، وجمهورا كثير الصراخ، مُحب للإثارة، لا يمكن أن يغيّر رأيه إلاّ إذا ووجه ملاكمه بقبضة تفقده توازنه، وتجعله يترنح فاقدا توازنه، عاجزا عن الرّد على كيل اللكمات السريعة القصيرة، وتنهي بذلك أسطورة تفوقه، وأنه ملاكم لا يقهر، قادر على هزيمة وسحق كل من يتحدّاه ويقف في وجهه.
يعرف الملاكم الإيراني أنه مستهدف مهما فعل، إلاّ إذا قبل بأن لا يكون له طموح في الصعود إلى الحلبة، والرضى بأن يكون ملاكما مغمورا، متواضعا، يرضى باللعب مع (ناشئين) مثله، على مستوى (الحارة) في أحسن الأحوال، وبعيدا عن الأضواء، بلا مجد يضعه في قائمة الأبطال.
بدأنا بالرياضة، وها نحن ننتقل إلى السياسة، وهل الرياضة بعيدة عن السياسة؟!
لا توجد رياضة للرياضة، ولا فن للفن، ولا حوار للحوار، ولا مفاوضات للمفاوضات، فكل شيء في النهاية هو سياسة.
الملاكم الإيراني تدرّب، وها هو يستعد، وهو لا يخفي طموحه باللعب على بطولة الشرق الأوسط، فالحلبة هنا لم تعد وقفا على البطل الأمريكي القادم من الغرب، ولا على صنيعته المجلوب محمولا، ومعدا، لإرهاب أبناء (المنطقة)، الذين ارتضى كثير منهم أن يشتغل في النادي دون طموح، فالحلبة ليست له ولأمثاله من الكسالى والهمل!
يعرف الملاكم الإيراني أن مواجهة (عدوه) لن تكون بروح رياضيّة، لأن ذلك (العدو) الذي لا يتميّز بالروح الرياضيّة لن يلعب معه بشرف، فهو سيلعب بطريقة المصارعة الأمريكيّة التي يبيح فيها الحكم للمصارع أن يحمل كرسيّا معدنيّا ليهوي به على رأس خصمه، بينما هو يتشاغل بالحكي مع أحد ما خارج الحلبة، وقد أدار ظهره مفسحا المجال لممارسة أفعال ليست من الرياضة في شيء، ففي المصارعة الأمريكيّة مباح لك الفوز وبأي طريقة، ووسيلة، فليس القانون هو المهم، ولكنه الفوز، وهو ما يبرر الوسيلة.
يعرف الملاكم الإيراني أن عدوّه ـ لو كانت المواجهة تجري بروح رياضيةـ لكان (الآخر) خصما، ولكنها ستكون (مقتلة)، ولذا ينطبق وصف العدو لا الخصم تمام الانطباق على كل طرف من وجهة نظر الطرف الآخر و(فريقه) ـ يتميّز بقبضة طويلة، فهو مديد القامة، غليظ العضلات، عنيف، يرغب في فوز ساحق كما فعل بالعراق بلكمات سريعة رهيبة...(المنازلة لم تنته على الحلبة العراقيّة، والجولات ما زالت تتواصل، والنهاية آتية لا محالة).
الملاكم الإيراني الطموح، المستعد، والمحاط بفريق فنّي إداري يعرف ما يريد، يتحفّز للمباراة ـ المواجهة، وقد حدد نقاط ضعف (عدوه).
ذراع الملاكم الإيراني لا تمكّنه من بلوغ رأس عدوه، ولذا، وكما هو شأن أي ملاكم ذكي جسور، فسيكون تركيزه على الالتحام، بحيث يفقد عدوه ميّزة طول ذراعيه، ويسدد ضرباته على الأضلاع والمعدة، متحينا الفرصة لتوجيه ضربة تحت الفك بحيث يفقد العدو توازنه ويسقط على الحلبة، أو يتراجع إلى الزاوية لتضميد جراحه التي سيتواصل نزفها في الجولات الطويلة المرهقة.
بفصيح كلام السياسة نقول للذين يبررون وجود القواعد العسكريّة الأمريكيّة على أراضي بلدانهم، بأنها قواعد (دفاعية): أنتم تتناسون أن هذه القواعد أمريكيّة، وأنها من وجهة نظر إيران هي الأضلاع التي ستوجّه إليها نيران إيران في معركة دفاعها عن نفسها، عن حقّها في امتلاك الطاقة، والتسيّد في (المنطقة) التي لا سيادة فيها (لدويلات) تدفع ثمن (وجودها) للبلطجي الأمريكي الذي لا يريد لرأس أن يرتفع في هذه المنطقة. ألم يكن هذا ما فعله بالعراق..العراق الذي تمّ تدميره أمريكيّا وبريطانيّا و..بالأتباع (العرب) الذين دفعوا ثمن الصواريخ التي هدمت بغداد ومجدها، وأدخلت العراق في حقبة الموت الجماعي، والدمار، والاقتتال الطائفي، والجوع، والرعب اليومي، والتفجيرات التي تحصد أرواح العراقيين بهدف ترسيخ الرعب في نفوسهم، وإفقادهم القدرة على التمييز والتفكير برويّة لتحديد أولويات حياتهم!
الملاكم الإيراني الطموح، حدد أهدافه في حال بدأت المواجهة، وهذا أمر لا يحتاج لمعلومات، وبراعة تحليل: القواعد في (دول) الخليج و..(الكيان الصهيوني)، وهذان الهدفان يقعان بالضبط في متناول قبضتي الملاكم الإيراني، فهو لا يستطيع أن يضرب قواعد في المحيط الهادئ، أو في أمريكا نفسها، أو في أوروبا.
وفي معركته المصيرية هذه لديه أسلحة غير الصواريخ، فالمعركة التي يجُر فيها الطرف الأمريكي نفس العرب الذين أسهموا بحقارة وغدر في تدمير العراق، والكيان الصهيوني، وبريطانيا الحاضرة دائما، و..سيكون مع إيران أطراف مقاتلة ليست قليلة الشأن، يتقدمها حزب الله، وهذه الحرب التي ستهدد سورية ستدفع سورية للدفاع عن نفسها في حال امتدت الجولات، وستمتد لأنها ليست معركة الجولة الواحدة التي تنتهي بغارة خاطفة...
إن دولاً تلعب بالنار ولا تملك قرارا مستقلاً، وتسخّر أرضها لتكون قواعد تهديد وعدوان، ستواجه انفجارات داخلية ليست بالضرورة طائفيّة، ففي هذه المعركة سيشارك كل من يكره سياسة وانحياز أمريكا...
ألن تتفجّر الأمور في الضفّة والقطاع؟ نعم: المنطقة ستشتعل بنار هائلة لن تنطفئ إلاّ بعد أن تحدد نتائجها لمن ستكون السيادة، في هذه (المنطقة)، التي لن تكون فيها سيادة لمن ارتضوا لأنفسهم دور (الكومبارس)...
إيران ستخوض حربها انطلاقا من مصلحة الأمّة الإيرانيّة (الفارسيّة)، و(العرب) ليسوا سوى دول تابعة، وهذه الدول في حال انفجرت الحرب ستدفع ثمن القواعد التي تدّعي أنها (دفاعيّة)!
في هذه الحرب، إن انفجرت، سيصمد من استعد للمواجهة، وسيحترق من ارتضوا لأنفسهم دور (الكومبارس).