بقلم : محمد خضر قرش ... 22.05.2010
[**كلها سراب وخداع وتضليل.. ]
يعتقد رؤساء الوزارات الإسرائيليون بأنهم يضحكون علينا وعلى العالم حينما يتشدقون بعبارات ظاهرها تتضمن مرونة ورغبة في السلام اللفظي وباطنها - وبالأدق جوهرها – سراب وخداع وتضليل وكسب الوقت لتوسيع الاستيطان ومصادرة الأرض وتكريس الاحتلال . فحينما كان شارون يتشدق في المؤتمرات الصحفية وخاصة إذا كانت تعقد في واشنطن أو لندن أو باريس " بأنه على استعداد لتقديم تنازلات مؤلمة من اجل السلام " كانت دباباته وآلياته العسكرية تجتاح مدن الضفة الغربية وتحاصر المقاطعة وتقيم على كل ألف متر حاجزا عسكريا وتوسع حركة بناء المستوطنات في القدس والضفة على حد سواء وبالأخص على رؤوس التلال . ولا نعلم رئيسا للوزراء منذ وقوع الاحتلال عام 1967 إلا وتشدق بالرغبة في تحقيق السلام لكنه بنفس الوقت كان يمارس هوايته عبر شن حروب وعمليات عسكرية ضد الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين وحتى التونسيين والسودانيين ...الخ .فوفقا للسجلات والأرشيف والوثائق فإنه لا يوجد رئيسا للوزراء لم يقم بعمل عسكري واحد أو أكثر ضد بعض الدول المشار إليها . فالسيرة الذاتية لكل رئيس وزراء إسرائيلي مزينة بالأعمال العسكرية ،فلا تخلو سيرة أو فترة حكم أي واحد منهم بدون حرب أو عمليات عسكرية ، وكلها كانت تأتي بعد تصريحاته بتقديم تسهيلات أو تنازلات مؤلمة ، ومن لديه سجلات عليه أن يرجع إليها ليتأكد بنفسه من حقيقة ما أشرنا إليه آنفا . وهذا ما يجعلنا ننظر بريبة وشك كبيرين لتصريحات نتنياهو حول نيته تقديم تسهيلات .!! والجانب الثاني المضحك من تصريحات نتنياهو هو مضمون تلك التسهيلات التي يملأ الدنيا ضجيجا حولها هذه الأيام. فهو – لاحظوا هنا – على استعداد لأن يسمح للفلسطينيين بتعبيد الشارع المؤدي إلى مدينة روابي ، قيد الإنشاء والتي تقع معظمها في الأراضي المصنفة - أ – وفقط هناك نحو 3 كيلومترات تقع في المنطقة المصنفة ب وج ، بالإضافة لذلك فهو على استعداد لإزالة بعض الحواجز المنتشرة بطول الضفة وعرضها والتي يصل عددها إلى أكثر من 680 حاجزا ،وحتى هذه لن تكون مجانا وإنما على الفلسطينيين أن يكونوا مرنين في المفاوضات غير المباشرة!! وأن يوقفوا حملة مقاطعة منتجات المستوطنات .
لاحظوا طرفي معادلة التسهيلات المقترحة من نتنياهو "مقابل الموافقة على تعبيد 3 كيلومترات وإزالة كم حاجزا "– لم يذكر العدد فربما يكون واحدا أو اثنان أو ثلاثة – على الفلسطينيين أن يكونوا مرنين بالمفهوم الإسرائيلي وأن يوقفوا مقاطعة منتجات المستوطنات والتي ما زالت في بدايتها ،على كل حال.هذه هي التسهيلات التي ملأ الدنيا صراخا وضجيجا حولها وتناقلتها وكالات الأنباء وسلمها إلى جورج ميتشل وكأنه يريد أن يقدم "رأس كليب "للفلسطينيين. نتنياهو يعلم تمام العلم بأن المفاوضات غير المباشرة والتي ستستغرق 4 شهور لن تحقق أية نجاحات تذكر . فهل الذي لم يتحقق خلال 18 عاما وعبر مفاوضات مباشرة في البيت الأبيض وكامب ديفيد وشرم الشيخ وطابا ولندن وواي بلانتيشن وهيليوبلس،...الخ، يمكن له أن يتحقق خلال 4 شهور وبمفاوضات غير مباشرة !!!!!. على من يضحك نتنياهو !! وكيف يمكن له أن يسوق هذه البضاعة القديمة الفاسدة والمهترئة والتي أكلها "العت " ولم تعد صالحة حتى للعرض فما بالك بتسويقها !!.المفاوضات غير المباشرة مضيعة للوقت ولن تحرز أي تقدم وكل ما ستفعله أنها ستعطي نتنياهو فسحة من الوقت ريثما يهيأ وضعه الداخلي لشن حرب جديدة لا جدال في حدوثها وإنما في اختيار مكانها وزمانها والهدف منها ، بغرض الهروب إلى الأمام لتجنب أية التزامات مهما كانت . إسرائيل تريد كل الأرض وهي لم تخف يوما ذلك وتريد كل المستوطنات سواء تلك المشيدة فوق التلال وفقا لنصائح شارون أو تلك المجاورة للمدن الفلسطينية كافة بما فيها القدس ، وكل سلوكياتها وتصرفاتها اليومية تؤكد ذلك أيضا. فالحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لم تزل أي مستوطنة رغم كل الأحاديث عن التسهيلات والتنازلات المؤلمة !!!.
تسهيلات نتنياهو كتنازلات شارون المؤلمة كلها سراب وخداع وتضليل لن يتحقق منها شيء فهي معروضة للنظر – للفرجة- وليس للبيع المباشر وإن كتب عليها برسم البيع لإرضاء الراعي والوسيط الأميركي ولا بأس من دفع الثمن مقدما ولكن يحظر نقلها أو تنفيذ عقد البيع . التجارب العديدة مع الحكومات الإسرائيلية تشير بل وتؤكد بأن الحكومة اليمينية الحالية تنتظر توقيت مناسب لشن الحرب كمحاولة للهروب إلى الأمام وما نخشاه هو، أن يتم ذلك وسط انشغال العالم في مباريات كأس العالم القادمة قد تكون غزة أو جنوب لبنان أو كليهما معا وقد تقصف مناطق معينة في سوريا فقط – وهذا مرجح جدا – أما ضرب إيران فله حسابات مختلفة لا بد من الاتفاق بشأنها مع الولايات المتحدة الأميركية،نظرا للتداعيات المحتملة على القوات الأميركية في العراق والخليج العربي بالدرجة الأولى .
لكن الشيء الأكيد أن الحكومة الحالية ليست معنية بالسلام الحقيقي ولن تتجه أو تسير بوصة واحدة نحوه فهو ضد مصالحها ويتعارض مع برنامجها وائتلافها الحكومي . التجارب الكثيرة مع الحكومات الإسرائيلية علمتنا أن نتوقع كل شيءإلا السلام .